ديتول ٩٩.٩ بالمائة

محمد الرديني

شركة ديتول لإنتاج المواد المعقمة وسوائل التنظيف،شركة معروفة عالميا ولها سمعتها بين المستهلكين في أقاصي الكرة الأرضية ودانيها حتى أن جدتي الثانية ،رحمها الله، كانت لا تستغني عن الديتول حتى في غسل يديها ورجلها ومخدات فراشها وطقم أسنانها.
انتجت هذه الشركة مؤخراً معقما جديدا وكتبت على عبوته “فعال في قتل الجراثيم بنسبة ٩٩.٩% بالمائة .
اسرع أبو الطيب لشراء واحدة من هذه العبوات والتقط صورة للغلاف وارفقها مع رسالة إلى رئيس مجلس إدارة هذه الشركة قال فيها:
سيدي الكريم..
لا أعتقد ان إنتاجكم الجديد سوف يلاقي الترحيب في منطقة الشرق الأوسط فالنسبة التي وضعتموها على العبوات الجديدة هو حكر على القادة العرب ، وهم كما تعرفون لا يطيقون أن يزاحمهم احد فيها.
في إحدى المرات ،سيدي الكريم، أراد عدد من أولاد الملحة الاحتجاج على هذه النسبة عند مشرف الانتخابات وفي اليوم التالي شوهد هؤلاء المحتجين معلقين بحبل المشانق في إحدى الساحات المركزية لإحدى العواصم العربية.
قد لأتعرف من هم أولاد الملحة واسمح لي أن أضيف إلى معلوماتك ،أن أولاد الملحة فئة توارثوا منذ قرون شعار من (…) إلى القبر ولهذا لم يجدوا في حياتهم ما يستحق أن يعاش من اجله فهم ميتون في الدنيا والآخرة ولكن الرائع فيهم أنهم لا يفكرون بالانتحار رغم انهم يتعبون من شدة الجوع ليلا.
ولابد من القول أن هذه النسبة التي وضعتموها ستثير غضب هؤلاء الأولاد وسيسعون إلى جمع التبرعات من اجل شراء كل المنتج من الأسواق وحرقه في إحدى ساحات المدينة بحضور مئات الشباب الذين سبق وان ساهموا في انتخابات ٩٩.٩% بالمائة ، وسترى أن الشرطة والبوليس السري وأصحاب النظارات السوداء سيقفون متفرجين إذ أن عملية حرق المنتج لا يعاقب عليها القانون وهذه ميزة رائعة خصوصا في العراق العظيم الذي لايزال مجلس الوزراء ينعقد حتى كتابة هذه السطور بدون قانون ينظم عمله .
تخيل سيدي الكريم أن هناك دولة فيها مجلس وزراء غير قانوني ولا دستوري ولاندري كيف غضت المحكمة الاتحادية العليا النظر عن ذلك خصوصا وان قرارات هذه المجلس نافذة المفعول.
تصور سيدي الكريم أن أعضاء مجلس البرطمان يريدون من اجل مناقشة قانون البنى التحتية الحصول على ٩٩.٩ بالمائة من الأصوات لأقراره ويريدون نفس النسبة من اجل الموافقة على قانون تقاعد الصحفيين الجديد ، ونفس النسبة أيضاً لإقرار قانون التعداد السكاني.
ولابد لنا أن نذكر لك سيدي رئيس مجلس إدارة ديتول بان أمين عاصمة العاصمة العراقية وهو المرشح الجديد من كتلة الأحرار اعلن قبل أيام بانه سيرفع مانسبته ٩٩.٩% بالمائة من الزبالة المحاطة بتمثال معروف الرصافي كما سيهيب بالقوم أن يعيدوا مانسبته ٩٩.٩% بالمائة من الأضرار التي لحقت بشارع من اشهر الشوارع في بغداد وهو شارع الرشيد.
سنبعث لكم إذا شئتم صورا تذكارية عن شارع الرشيد حاليا وقبل ٢٠ سنة لتجد كيف تقبل الناس العزاء بوفاته ويقال بهذه المناسبة انه، أي شارع الرشيد، كتب في وصيته بانه يتبرع بدكانينه واسفلته وأعمدة الكهرباء المنحنية وبقايا شربت زبالة ومطاعم سمك الجري في أزقة الميدان وكبة السراي إلى أولاد الملحة ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من التقطيع لان الأجزاء المذكورة مقطعة وجاهزة للنقل إلى مثواها الأخير .
أما أمين العاصمة السابق ، اقصد صابر العيساوي، فقد نفذ قراره الخاص برفع ٩٩.%٩ بالمائة من النصب التذكارية في بغداد ورميها في منطقة تسمى “ورا السدة” تطبيقا لمقولة ” لا عين تشوف ولا قلب يحزن” .
وأقسم لك سيدنا الكريم لو امهلوه قليلا لأمر بهدم نصب الحرية في ساحة التحرير لانه كما يقول يسبب له ارقا ليلا ونهارا.
أما وليد عبود المحمودي وهو كما تعرف نائب عن العراقية في البرطمان العراقي طلب من دائرة الطيران المدني صرف ما قيمته 99.9% بالمائة من واردات الطائرات لصرفها إلى الحجاج العائدين من مكة المكرمة بعد أدائهم مراسم الحج الرسمية وغير الرسمية..
تصور ياسيدي الكريم ان حجاجنا الاجاويد يريدون “يسوون” علينا منّة بحجتهم ويردون فلوس فوكاها.
فاصل مكاوي: حجاج آخر زمن.

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.