الوحشية غير المسبوقة في التاريخ الحديث التي يمارسها «داعش» من ذبح لسكان محليين أو لجنود (العراق وسوريا ولبنان) وذبح للرهائن الغربيين، إذا لم يقبض مبلغا كبيرا من الدولارات لقاء إطلاق سراحهم، وقتل الإيزيديين وطرد المسيحيين ومحاولة تركيع قبيلة شعيطات، جعلت الغرب يكتشف أنه يواجه نسخة مختلفة عن تنظيم «القاعدة»، أكثر شراسة وتخلفا تجذب إليها مقاتلين أجانب لا بد أنهم سيعودون يوما إلى البلاد التي «هاجروا» منها.
لكن هناك وجها آخر لـ«داعش» صلبا جدا ويعرف وجهة عقيدته.. لديه سلسلة من الأولويات؛ أولها: إقامة الدولة الإسلامية، وهذا أهم شيء. ثانيا: التوجه نحو دول الخليج. ثالثا: نحو بلاد فارس. ورابعا: نحو روما.
آفاق «داعش» هي آفاق القرن السابع الميلادي.. غزو الغرب يأتي في آخر أولوياته، حتى فلسطين تأتي في آخر السلم؛ إذ، حسب تفكير «داعش»، «لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون». في العدد الثاني من مجلة «دابق» التي يصدرها «داعش» باللغة الإنجليزية، وفي الصفحة «4» جاء: «بالنسبة إلى المذابح التي تجري في غزة، فإن أعمال الدولة الإسلامية تتحدث بصوت أعلى من كلماتها، وإنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن تصل فلسطين لمحاربة اليهود البربريين». لكن «داعش» في الوقت نفسه يعدّ دعوة حماس والسلطة الفلسطينية إلى الانتخابات «واحدا من رموز الردة».
ما يفصل «داعش» عن «القاعدة» ليست الآيديولوجيا؛ إنما الأولويات. بالنسبة إلى «داعش»، الأسبقية للدولة الإسلامية، أما الصراع مع الغرب، فمؤجل.
استمد أبو بكر البغدادي فكرة بناء الدولة الإسلامية من الأسس التي وضعها أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي. وكان الزرقاوي وعد بإقامة «الإمارة الإسلامية» وعرض المراحل التي ستعبرها: «أولا: سنقوم بإزالة العدو. ثانيا: نقيم الدولة الإسلامية، ومنها نتفجر خارجا للاستيلاء على بقية الدول الإسلامية. ثالثا: بعد ذلك نقاتل الكفار».
في العدد الأول من «دابق» تأكيد على أن الزرقاوي مهد طريق الدولة الإسلامية. بعد اغتياله، أعلن أبو حمزة المهاجر وأبو عمر البغدادي (2006) قيام «الدولة الإسلامية في العراق» وكان أبو عمر أميرها، وبعدما خلف أبو بكر البغدادي (مايو/ أيار 2010) أبا عمر، كان الأميركيون بدأوا بالانسحاب من العراق، وأدى تفاقم الأوضاع مع الربيع العربي إلى عدم الاستقرار في سوريا، ولعب نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، بتعصبه الأعمى ضد السنّة في مصلحة دفع البغدادي لملء الفراغ «الكياني» الذي شعر به هؤلاء، ثم؛ وكأن سكتة دماغية أصابت الحكومة العراقية والجيش، نجح البغدادي في إقامة دولته على جزء كبير من العراق الممتد حتى جزء كبير من سوريا، محققا بذلك المرحلة الأولى.
أول مهام تثبيت الدولة مواجهة معارضيها من حركات جهادية أخرى إذا لم تبايع الخليفة. وكان أبو محمد العدناني، الناطق الرسمي باسم «الدولة الإسلامية» عند إعلان الخلافة، وجه كلماته إلى مقاتلي المنظمات الأخرى: «الآن وبعد تأسيس الخلافة، فقد تم إبطال منظماتكم ومجموعاتكم شرعيا، لا أحد منكم يستطيع البقاء ولو لليلة واحدة من دون إعلان الولاء للخليفة».
وهكذا بدأت التصفيات والصراعات، وكذلك المواجهة مع الشيعة في العراق وسوريا. أما الأقليات، فإن الإيزيديين بنظر «داعش» من عباد النار، لذلك، حسب عقيدة التنظيم، يجب أن يموتوا. أما المسيحيون؛ فإما عليهم إشهار إسلامهم، أو دفع جزية، أو الرحيل، أو الموت، يلي ذلك وضع حرف «نون» على منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم على أنها حق لـ«الدولة الإسلامية».
إن «داعش» منظمة جديدة تريد إعادة العالم إلى القرن السابع الميلادي. وبينما تدعو «القاعدة» إلى إعلان الجهاد ضد العالم، حسب التصريح الذي أدلى به أسامة بن لادن في 23 أغسطس (آب) 1998: «سنقاتل كل العالم»، تبقى «الدولة» هي سر بقاء «داعش»، وهي حسب عقيدته «باقية وتتمدد». وكان أبو عمر البغدادي وضع في 17 أبريل (نيسان) 2007 شعار «الدولة الإسلامية إلى الأبد»، ثم في 19 أغسطس 2013 قال أبو بكر البغدادي: «الدولة الإسلامية باقية إلى الأبد وتتمدد». التمدد هو الأولوية الثانية، وبعد ذلك تأتي مواجهة الصليبيين والغرب. الإصرار على أهمية الدولة جاء في مقال بالصفحة 5 من عدد «دابق 2» تحت عنوان «الطوفان»، وفيه: «إما الدولة الإسلامية أو سيجرفنا الطوفان».
في مجلة تنظيم القاعدة «الوحي» تحريض على الجهاد في أي مكان وجد فيه المقاتل، لكن في صفحات «دابق» لا توجد دعوات للجهاد في الغرب؛ لا بل هي تحض باستمرار المسلمين المقيمين في الغرب على الهجرة إلى الدولة الإسلامية.. «الهجرة هي الطريق إلى الجهاد»، وتتوجه إلى قرائها من الأجانب: «حياة الجهاد مستحيلة ما لم تحزم أمتعتك وتنتقل للعيش في الخلافة (دابق 3 صفحة 31)، أو «الحياة بين الكفار تدمي القلب» (دابق 3 صفحة 32).. و«إذا كنت غير قادر، فهناك القَسَم السري بالولاء للخلافة والبيعة للخليفة إبراهيم».
في العدد الثاني من «دابق» صفحة 3، نقرأ ما يلي: «قد يتساءل العديد من القراء عن واجباتهم تجاه الخلافة الآن. الأولوية: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام. أسرعوا إلى ظلال الدولة الإسلامية مع عائلاتكم، وأقاربكم، وأزواجكم، وأطفالكم.. للاستعداد لتحرير ما تبقى من دول الإسلام» (في هولندا لبت عائلات من أصول مغاربية هذا الطلب).
بعد غزو الدول الإسلامية، يأتي الزحف إلى بلاد فارس.. «والله سيساعدكم على الانتصار»، ومن ثم غزو روما، وبعدها مقاتلة الدجالين. وكان العدناني في إعلانه الخلافة أشار إلى أن نقطة الانطلاق إلى المستقبل التوسعي هي حاليا المنطقة التي تخضع لحكم البغدادي «من حلب حتى ديالى».
وبالنسبة للبغدادي: «الدولة قبل الملحمة الكبرى ضد الصليبيين والعالم، الملحمة يمكن تأجيلها».
البغدادي يؤجل ما عليه تأجيله، لا يزال يركز على أولوياته: الدولة، ثم تمددها، ومن ثم الغرب، لكن كل أولوياته ضد المسلمين. كل مصطلحاته من القرن السابع، لا يتعاطى بالسياسة المعاصرة، وصراعات الشرق الأوسط. بنظره أيمن الظواهري رجل ميت، وأبو محمد الجولاني (النصرة) رئيس عصابة، والبقية تلاشوا. في «دابق 2»، هناك صورة لحسان عبود بصفته أحد المستهدفين من «أحرار الشام»، وقد قضى مع بقية قيادته قبل نحو أسبوعين.
حتى لو لم يكن الغرب الآن على جدول حسابات البغدادي (فهو غير قادر على ذلك)، إلا أن في حساباته ضرب المصالح الغربية وكل حلفاء الغرب في الشرق الأوسط. لذلك على الغرب أن يقرر الآن توجيه الضربة الحاسمة. لأنه إذا رأى الغرب أن «داعش»، رغم كل شيء، لا يشكل تهديدا مباشرا له، فإنه عندما سيواجهه بعد سنوات ستكون «الدولة الإسلامية» أصبحت دولة جيشها من الدمويين، لا يعترف بالأسرى، ولديها أسلحة ثقيلة وأسلحة كيماوية وثروات.
حتى الآن يتصرف الغرب وكأنه في دوامة.. اعتقد أنه إذا ترك «داعش» في حاله، فإن الأخير سيترك الغرب في حاله.. دور الغرب آت.
التأخير أو التأجيل سيجعل الشرق الأوسط كله سوريا. عدم التدخل في المرحلة الأولى من الحرب في سوريا، أدى إلى ما نواجهه الآن. عدم التدخل الحاسم الآن واقتراب الانسحاب من أفغانستان سيؤديان إلى توسع إرهابي باسم الدين لم يشهد العالم خطرا سابقا شبيها له.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية