من صفحة الروائي العرافي حمزة الحسن في فيسبوك، تعليقا على قرار منع الخمور:
” دولة بناها السكارى … وهدمها الكسالى”
المؤسسون الاوائل للدولة العراقية في العشرينات مثل مس بيل او الخاتون ونوري السعيد وعبد الرحمن النقيب وعبد المحسن السعدون وبكر صدقي وعبد الوهاب بيك النعيمي ورشيد عالي الكيلاني وصالح جبر وناجي شوكت والامير عبد الاله والملك غازي،
هؤلاء كانوا في المجلس التأسيسي الاول للدولة العراقية ، بموجب مرسوم في 19 تشرين الاول 1922، لم يتبنوا عقيدة سياسية او دينية او طائفية او حزبية ، في الاقل كنهج وقانون ودستور ؟
وغالبية هؤلاء كانو من مرتادي الصالات الليلية الخاصة ونادي الضباط وحفلات الكوكتيل العائلية،
وبصرف النظر عن ظروف تاسيس الدولة التي لا يجب ان تقيّم بظروف اليوم ، لكن هؤلاء بنوا دولة في مناخ محلي ودولي مشتعل ؟
ويعرف المؤرخون ان الملك غازي كان يضرب كأس اولها بكأس آخرها ، لكن اختزاله بهذه الصفة هو تقزيم له،
وللشخصية الانسانية بصفة عامة التي هي منجم خواص متناقضة لكنها تشكل الشخصية في النهاية ، ولم يكن نوري السعيد بعيدا عن صالات الكوكتيل وهو الشخصية البيروقراطية ، صاحب التاريخ العميق والتجربة الواسعة في الحرب والسلام وادارة الدولة ؟
كما ان الامير عبد الاله الوصي كان هو الاخر من هواة الخيل والليل وضرب الاصابع والكؤوس لكنه رجل دولة مسؤول ، ولم تسجل عليه ولا على الملك فيصل الاول والثاني ولا الاسرة الملكية أية حالة تلاعب بالمال العام ، على العكس من ذلك كان الملك فيصل الاول اقام مأدبة عشاء لوزير المالية حسقيل ساسون ليشكو له ، بطريقة خجولة متاعب مفاصله مع السيارة القديمة والامل بشراء جديدة ، لكن ساسون الذي يشم رائحة الخطر كارنب بري، طلب من الملك تقديم طلبه لمجلس النواب خاتما العشاء الملكي بعبارة :
” ليس في يدي جلالة الملك”
وهو منطق يستهجنه اليوم اي بائع فرارات في المؤسسة الحاكمة ، وأي وزير أخرجوه من علب النفتالين الى الوزارة ، وأي مطيرجي سابق تحول بين ليلة وضحاها الى مدير عام ، أو سكرتير في مديرية المباول العامة لمجلس النواب ؟
لكن هل حقاً ان قانون تحريم الخمور مبني على تقوى دينية وحماية للاخلاق العامة ؟
لا نريد الدخول في معجم ولغة السلطة لكي لا نقع كغيرنا في مصيدة معارضة خطاب السلطة بلغتها ، بل نختلف معها من خطاب مضاد تماما ؟
كان يجب أن يكون الجواب على هذه القرارات الصبيانية ليس المطالبة بالغاء القرار لأنها قد تلغيه في وقت آخر لكي يظهر انتصارا للقانون ، بل تصعيد المطالبة باعادة بناء السلطة والتغيير الحقيقي ، وعندها ستحترم السلطة ذكاء الناس بل تخافه ؟
هذا القرار في الجوهر مشاغلة والهاء لكي يدخل الجميع في دوامة الفعل ورد الفعل ، ونسيان الاستحقاقات الكبرى في الحرية والعدالة والسلطة والسيادة الوطنية ، وادخال الناس في مواقف دفاعية بدل التفكير في التغيير؟
ويستند الى حد ما الى قاعدة حرب العصابات تقول {اذا هاجم العدو انسحب واذا انسحب هاجمه} لكي لا يفكر الناس في الخطوة القادمة ؟
وبما ان الناس انسحبوا عن مطالبهم الجوهرية فمن الضروري ان تقوم مؤسسة الحكم وهي أكبر من الرئيس ورئيس الوزراء بالهجوم في لحظة مفصلية تؤسس لتاريخ قادم وهي معركة تحرير الموصل ؟
علينا التذكير ان هذه الاساليب في المشاغلة والالهاء لا تحتاج الى عقل عبقري ، فهي قديمة قدم السلطة وحديثة ايضا:
كان النظام السابق في منتصف حرب الخليج الاولى ولضراوة المعارك وتصاعد الخسائر البشرية يخترع كل مرة قضية لالهاء الناس ، بعضها يتعلق باخفاء اطعمة او على العكس عرضها بوفرة فجأة ، وكان النظام معروفا بقرارته المتقلبة في حظر ظاهرة ثم العودة عن القرار في ظروف تالية ، كالغاء اللقب العشائري مرة والصفة المذهبية ، وتقليص التوجه الديني ثم الافراط به ، بل ان النظام السابق لم يكن يمانع من تحليل شرب البول اذا كان ذالك يساعد على حفظ النظام ؟
لكن اشهر تلك المراوغات المنسية اليوم هو قرار القبض على الكلاب وتسليمها الى دوائر البيطرة ومن ثم شمل القرار القطط ايضا بذريعة الامراض ، على ان يكون تسليم الطرائد قرب نهاية الشهر ، وهي الايام التي يبحث فيها موظفو الدولة في الجيوب القديمة ، وفي ثقوب الحيطان بكل أنواع المجاهر المكبّرة عن دينار فالت او مختفي ؟
وكنت أظن ان هذه الطريقة من اختراع الدكتاتور ، لكني فوجئت وانا أقرأ للروائي ميلان كونديرا التشيكي الاصل والمنفي في باريس منذ نصف قرن ، ان النظام التشيكي الاشتراكي لجأ هو الآخر للهروب من أزمات حادة الى اعلان بالقبض على الكلاب ومن ثم القطط مقابل مكافأة مالية ؟
فلماذا لا يطالب الناس اليوم بقرار مماثل بالقبض على لصوص المال العام مقابل مكافأة مالية ، قبل أن يقوم هؤلاء، ببطء وتدرج بتشريع قوانين تحدد طريقة النوم وبكل تأكيد تحرم النوم على البطن ، وتحدد كمية وساعات الشخير وايام الدفن في وطن { بناه سكارى شرفاء وزعماء دولة … وهدمته طبقة فراغية حوّلت الدولة الى مقبرة} ؟