دولة بدون مجتمع مدني ستسقط

دولة ليست فيها حريات فردية تعتبر دولة ناقصة ينقصها الشيء الكثير, والدولة التي تساهم بخنق الحريات الفردية عن طريق horsedignityفتح المجال للإسلاميين كي يقمعوا الحريات الشخصية تعتبر دولة ساقطة, وهذا ما يحصل في الدول الإسلامية, وهذا دليل آخر على أن نهاية الإسلام ستأتي على أيدي السلفيين أنفسهم, فالفرد في المجتمع اليوم محتاج جدا للحرية الفردية ضمن ما تتطلبه منه استحقاقات المرحلة القادمة, وحين ينظر المواطن العربي المسلم إلى عمليات القمع التي تتخذ بحقه باسم الدين فإن هذا الفرد حتما سيهجر هذا الدين وسيطالب بحقه الفردي بتغيير دينه.

أعتقد بأن نهاية الإسلام قد تجيء على أيدي المسلمين أنفسهم, وأعتقد بأن نهاية أنظمة الحكم العربية الدكتاتورية المستبدة قد تأتي على أيدي تلك الأنظمة, ولن تأتي نهاية الإسلام على أيدي اليهود أو المسيحيين, ولن تأتي نهاية أنظمة الحكم العربية المستبدة على أيدي معارضيهم والذين يموتون جوعا وفقرا وحرمانا, تلك هي ضحاياهم, فلن تأتي نهاية الإسلام على يد المغول أو التتر الحديثين جدا, ولن تأتي نهاية الإسلام على أيدي الصليبيين الجدد, بل على أيدي المسلمين أنفسهم الذين يمارسون شتى وسائل القمع والإرهاب والذبح والقتل والسحل بالشوارع.

هل هنالك طعام من دون ملح؟ المثقفون ملح الأرض, الأحزاب السياسية ملح الأرض, الأندية الثقافية ملح الأرض, الفنانون ملح الأرض, الرقص والفن والطرب والموسيقى ملح الأرض, ولا توجد طبخة من دون ملح ولا توجد دولة من دون أحزاب وهيئات ومنظمات وصالونات وراقصات على (الوحده ونص), أنا أعيش في مدينة تعداد سكانها مليون نسمة ليس فيها نادي ليلي واحد, وهذه مهزلة, فهنالك من يحتاج لهذا النادي, وهنالك من يحتاج للأحزاب وللمنتديات الثقافية…ولن أتوقع مطلقا أن تنتشر الديانة المسيحية على أيدي المبشرين الإنجيلين, أو على يد أي فرقة أو مذهب أو طائفة مسيحية سواء أكانت بروتستنت أو كاثوليك, سينتشر الدين المسيحي على أيدي المسلمين أنفسهم نتيجة جهلهم بالمجتمع المدني الحديث وتغاضيهم عن رغبة الشعوب العربية كلها بالتحرر للمرأة وللرجل, وتجاهلهم عن رغبة الفرد بتشكيل الهيئات السياسية والنقابات المهنية وتفعيل دورها على أرض الواقع وليس فقط تشكيلها منظر من غير روح فعالة فيها.. سينتشر الدين المسيحي على أيدي المسلمين أنفسهم جراء حملتهم الكبيرة بالعودة إلى 1400 سنة خلت في الوقت الذي يتطور فيه العالم إلى الحداثة على كل الصعد والاتجاهات, وفي الوقت الذي تتقبل فيه الديانة المسيحية المنظمات والأحزاب والصالونات ودعمها للمثقفين وللمبدعين وبحق كل حزب سياسي أن يصل إلى السلطة ويمارسها قولا وعملا, سينتهي الإسلام قريبا وسيزول مع نهاية هذا القرن لأن المسلمين ما زالوا يبحثون في قضايا لا تُقدم أبدا الشعوب نحو الأفضل, ما زالوا يناقشون شعر المرأة ولحية الرجل في الوقت الذي ينتشر فيه الجوع والفقر في العالم الإسلامي مع ما يرافق هذا الفقر والجوع مسألة أخرى خطيرة جدا وهي بناء المساجد, إذ ينفق المسلمون الملايين من الدولارات على بناء المساجد في الوقت الذي ينتشر فيه الجهل والبطالة و(خراريف العجايز), ولا تساهم تلك المساجد ببناء الإنسان من الداخل وحثه على العمل الثقافي المدني ضمن أسس وقواعد وشروط تضعها دولة القانون والمؤسسات تكفل لكل فرد ومواطن حرية الرأي والتعبير, فالمساجد تساهم فقط في قمع الفن والطرب والرقص, ولا أدري كيف يكون شكل المدينة التي تخلو من الفنانين وسهرات الطرب والأندية الليلية؟ كما هو في مدينتنا حاليا؟..سيسقط الإسلام وستسقط آخر مئذنة إسلامية على رؤوس المسلمين جراء جهل المسلمين بمستقبل الشعوب الحديثة, فالناس في العالم كله تتجه إلى إطلاق الحريات العامة وإلى الأبحاث العلمية وعلوم الفضاء والنانو والمسلمون غارقون في بول البعير وإرضاع الكبير.

وفي ظل كل هذا يتراجع السلام العالمي في منطقة الشرق الأوسط والحروب أكلت الأخضر واليابس ولم يعد الإرهاب يعطي فرصة جديدة للتنمية ولتنمية القدرات البشرية بل كل الأنظمة العربية الحاكمة المستبدة تتجه إلى ملاحقة المثقفين أمنيا بشتى وسائل الملاحقات الخفية التي تجري فيها عمليات السحل للمثقفين من وراء الكواليس وتحت غطاء أو أغطية أمنية مشددة الحراسة, في الوقت الذي تُنمي فيه الدول الأوروبية عملية الإبداع العام والخاص, وكذلك استثمارات في الموارد البشرية وتحويل الفن والثقافة إلى سلعة وبضاعة تجلب الاستثمارات إلى تلك الدول.

لقد إنتهى الإسلام, وهذه النهاية نحن نعاصرها ونشاهدها, وسنبقى نحن شاهدون على العصر الذي تُكبل فيه الحريات العامة وتصادر فيه الحريات العامة وتُقتلُ فيه المواهب العامة والخاصة, وتصادر فيه الكُتب والمكتبات وتستبدل بكتب قديمة عن تفسير الأحلام وزواج المتعة, هذا الإسلام غير قادر مطلقا على التمشي مع نمو المجتمع المدني الحديث, فالإسلام- مثلا-: ضد الديمقراطية, وضد الحرية, وضد اتفاقية سيداو, وضد الفنون من رقص وتمثيل وموسيقى وطرب, هذا الإسلام ضد المثليين الجنسيين, وضد السلام العالمي, وضد رواج الخمور, وضد انتشار الملاهي الليلية, هذا الإسلام ضد النبع وضد الزهرة وضد العطور من شتى الأنواع, هذا الإسلام ضد الحرية الصحفية وضد الحرية الفكرية, الإسلام ضد كل شيء على وجه الأرض, فالإسلام لا يتفق مع الشيوعية ولا يتفق مع الملاحدة ولا يتفق مع المسيحية ولا مع اليهودية ولا مع البوذية, هذا الإسلام في الحقيقة وفي الواقع ضد انتشار الأحزاب السياسية وضد انتشار فنون التجميل وضد انتشار العلم إذ أنه يعتبر نفسه بديلا عن كل هؤلاء وبالتالي ليس للإسلام أي صاحب على الإطلاق, مثله مثل الإنسان الأرعن الذي فقد كل أصدقائه جراء طيشه وتهوره.

وربما يسأل سائل, لماذا هذا الكاتب يذكر المثليين الجنسيين ويذكر الملاحدة ويذكر الأحزاب السياسية؟ والحق أقوله لكم, أنني مثلا ضد المثليين الجنسيين ولست من هواة هذه العادة, ولكن وجودهم بيننا بكثرة يعني لنا الشيء الكثير وهو عدم قدرتنا في التغاضي عنهم, فنحن لا نستطيع نسيانهم ولا نستطيع إلا أن نعطيهم حقهم ضمن حدود القانون وما يسمح به القانون المدني, طبعا وما خفي كان أعظم فأعدادهم بالملايين وهم مختبئون ومتسترون بلباس الزهد والتقوى, وأيضا الخمارات, فأنا لست مولعا بشرب الخمور وربما أنني أتناول كأسا واحدا من الجعة كل سنة أو سنتين مرة واحدة, ولكن مجتمع مدني ودولة مدنية بدون خمارات وبدون أندية وملاهي ليلية لا يعتبر في الحقيقة وجها حضاريا, ودولة بدون ملاحدة لا يمكن أن تعتبر دولة مدنية, فأين هم الملاحدة وأين هم المثقفون؟؟؟ فالمدينة المدنية الحديثة والمجتمع المدني الحديث يوجد فيه مما هب ودب, يوجد فيه مسيحيون ومسلمون ويهود وبوذيون, ويوجد فيه ملاهي وأندية ليلية وراقصات وراقصون وأحزاب سياسية وشعراء وأدباء وفنانون, ولا تستطيع الدولة أن تعيش أو أن تكون نفسها من دون هؤلاء, فهؤلاء وجودهم ضروري وإذا اختفت الأحزاب السياسية من أي دولة هذا معناه أن هنالك تصفيات جسدية للسياسيين وللمثقفين ويدل هذا بشكل كبير على أن هنالك قمع وإرهاب.

هذا كله يعني أنه لا توجد لا حرية دينية ولا حرية سياسية وبأن كرامة الإنسان مدعوس عليها بالأحذية والكنادر والبساطير, وفي الدول العربية لا توجد حرية فكرية ولا بمعنى أدق حرية فردية, وهذا واضح من عدم وجود أحزاب ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدنية, وحتى إن وجدت تلك المؤسسات فإنها تبقى ظاهرة شكلية ليست أكثر ولا أقل من ذلك وعبارة عن حركة تجميلية سبق وأن تحدثنا عنها.

إذا غابت الأحزاب السياسية من الشوارع, وإذا غابت الأندية الليلية من الشوارع, وإذا غابت الأحزاب والهيئات الثقافية والصالونات الثقافية فهذا معناه شيء واحد وهو أن الحرية الفردية غير مصانة ومصادرة وبأن الأحرار مطاردون أو مهمشون, أو أنهم في السجون والمعتقلات أو يعانون من الجوع والحزن والمرض والاكتئاب, وكل هذا بسبب وجود الإسلاميين والإسلام نفسه الذي يساهم بشكل كبير في إخماد نار الثورة البيضاء التي تهدف إلى النهضة, وبما أن المجتمعات المدنية في طريقها إلى التقدم والانتشار وبما أن الإسلام يقف ضد هذه الحريات المدنية فإن هذا يعني بأن الإسلام على طريق الأفول والنهاية والويل لكل ظالم مستبد من أقلام الكُتّاب في المستقبل القريب, الإسلام إذا بقي على هذه الحالة وإذا بقي المسلمون السلفيون وأحزابهم المتعددة إذا بقوا فعلا مستمرون بمحاربة الحرية الفردية فهذا يعني أن الإسلاميين هؤلاء هم من سيقضون قضاء مبرما على الإسلام وستحل المسيحية بمكانه نظرا لأنها لا تقف ضد كل أشكال الحرية والتعددية الفكرية والسياسية.

إن الحياة العصرية والمجتمع المدني يوجد فيه مما هب ودب من كافة أطياف المجتمع الذين يعتبروا بحق إحدى أهم مكونات الدولة, فالدولة بكافة قطاعاتها تعني الأحزاب السياسية والجمعيات والمؤسسات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني الحديث مثل الجمعيات والمنظمات والهيئات التي تشارك في صنع المجتمع المدني الحديث وإذا غابت هذه المكونات من الشوارع فكيف مثلا سنعتبر أن هذه دولة مدنية معاصرة ذات طابع علماني, دولة ليست فيها حريات فردية لا تعتبر دولة بل تعتبر أنها ناقصة مكونا رئيسي من مكونات الدولة.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.