عام 2012 ثار جدل في مصر حول تعداد الأقباط حيث أعلن مسؤول الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أن عدد الأقباط يربو قليلاً على الخمسة مليون قبطي مؤكداً أن هذا العدد تم التوصل إليه بناء على إحصائيات موثقة. وقد أثار هذا التصريح استنكاراً في الأوساط المسيحية التي رأت فيه محاولة لتهميش الأقباط والتهوين من عددهم الحقيقي بشكل مستفز وذلك خشية أن تطالب القيادات الكنسية بزيادة عدد الكنائس أو برفع الكوتة المخصصة للأقباط في مقاعد البرلمان أو بتوفير فرص عمل للكفاءات منهم في المناصب الرسمية لتتلائم مع نسبتهم العددية. وترى الكنيسة أن العدد الحقيقي يتراوح ما بين 15 إلى 18 مليون مواطن وفقا لكشوف الافتقاد وسجلات المعمودية. وسواء أخذنا بالاحصاء الرسمي أو بالإحصائيات الكنسية، فسنخلص إلى نفس النتيجة وهي أن الأقباط أقلية عددية.
وبالنسبة للتعريف المعجمي فالأقلية حسب معجم المعاني والمعجم الوسيط من قلَّ عددُهم عن غيرهم، وعكسها أكثريّة، وهي جماعة مميّزة بدينها أو عرقها أو لونها تعيش في مجتمع يفوقها عددًا. كما عرفتها الموسوعة البريطانية بأنها جماعات من الأقوام الذين يتمايزون عرقياً، دينياً٬ لغوياً أو قومياً عن باقي أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه، كذلك عرفتها الموسوعة الفرنسية لاروس بأنها تلك التي تكون أقل هيمنة وأقل تأثيرا من الناحية العددية.
أما عن تعريف الأقلية في المواثيق الدولية واتفاقات حقوق الإنسان٬ فقد اجتهد الباحثون لاستخلاص بعض المعايير العامة التي تسمح بتصنيف بعض الجماعات كأقلية. أهم هذه المعايير هو المعيار العددي ويعني أن الأقلية يجب أن يكون عددها أقل بالمقارنة بباقي المواطنين الذين يمثلون الأغلبية في المجتمع. معيار آخر هو عدم الهيمنة ويعني أن تكون هذه الأقلية في وضع غير مسيطر لان الهدف من اهتمام هذه الجمعيات بالأقليات هو حمايتها من عسف الأغلبية.. كذلك معيار التمايز بمعنى أن يكون لهذه الجماعات سمة أو سمات مشتركة خاصة بهم وحدهم من ذلك اشتراكهم في الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة ويجب أن يكون عدد الأقلية كافياً للحفاظ على تقاليدها وخصائصها كما يجب أن تدين بالولاء للدولة التي تتمتع بجنسيتها.
واستناداً إلى هذه المعايير والتعريفات نستطيع أن نجزم أن الأقباط المسيحيين اقلية في مصر. ولذا استغرب بشدة أن يوجد من يتعامى عن هذه الاعتبارات ويستنكر حقيقة بديهية لا يوجد لبس فيها ولا يقوم جدال حولها. أما الأغرب من ذلك بكثير فهو أن يصدر ذلك الاستنكار عن كاتبة قضت فترة طويلة من حياتها تدعي انحيازها إلى القضايا الحقوقية رافعة شعارات مساندة الأقليات وبخاصة أقباط مصر. السيدة فاطمة ناعوت في كلمتها لمؤتمر عن “مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط” وقفت تعطي الحضور درساً في اللغة العربية وفي معاني الألفاظ واشتقاقاتها مستنكرة إطلاق مصطلح الأقلية على أقباط مصر ومطلقة تعريفها الخاص للكلمة على أنها (مصطلحٌ سياسى، يُطلق على جالية وافدة “من غير المواطنين”).
كذلك استنكرت السيدة ناعوت أن تطلق تسمية أقباط على المصريين المسيحيين ورفضت التعامل مع الكلمة على انها خطأ شائع وان العرف قد جرى على اطلاقها على مسيحيي مصر، وانه حتى في المعاجم العربية يعرف الأقْباطٌ على أنهم: “جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَسِيحِيِّينَ سَكَنُوا مِصْرَ مُنْذُ القِدَمِ”،وان الكلمة ستظل تطلق على المسيحيين إلى أن يتبناها كل مسلم ويطلقها على نفسه (بما في ذلك الجماعات السلفية والاخوانية). تحايلت الكاتبة على اللغة والمنطق متجاهلة مناقشة موضوع المؤتمر -الذي كانت قد وافقت مسبقا على موضوعه وتقاضت أجرها كاملا عنه- لتخلص إلى أن مسيحيي مصر لا هم أقباط ولا هم أقلية وذلك في تحول واضح عن نهج جذب التعاطف والاستمالة الذي كانت تنتهجه فيما قبل.
فبعد أن فشلت خطتها في التلميح للحكومة المصرية بمكانتها لدى أقباط المهجر وبعد احتراق كارت دغدغة العواطف الدينية وتأييد الحكم بحبسها بتهمة ازدراء الأديان لم تجد أمامها سوى اللعب بكارت العصر “المباركي” الذي كان يعمد إلى تخوين أقباط المهجر وتجريدهم من وطنيتهم من أجل تهميشهم وتأليب الناس عليهم والحد من دورهم الفاعل في رسم سياسة الدولة الحديثة حتى أصبحت هذه التسمية بمثابة السبة في عهد النظام السابق. فقامت الكاتبة -في استعراض زائف للوطنية ومحاولة ساذجة لإحراز هدف لدى الحكومة المصرية- باتهام قيادات المنظمة بمحاولة دفعها لانتقاد الدولة المصرية أمام الخارجية الأمريكية. وكأن نشطاء الأقباط ورؤساء المنظمات القبطية وكل القائمين على العمل القبطي بمثابرة وجدية منذ ستينيات القرن الماضي، وبكل ما أحرزوه من خبرات وعلاقات ممتدة على كافة المستويات الاجتماعية والحقوقية والسياسية كانوا بانتظار السيدة ناعوت لتتحدث “باللغة العربية” إلى الخارجية الأمريكية وتسب في الدولة المصرية نيابة عنهم. إدعاء غير مستساغ للبطولة من سيدة تتقاضى أجرا عن كل كلمة تتلفظ بها. ويؤسفني أن يكون استخدام الأقباط٬ مادياً ومعنوياً٬ هو الكارت الذي يستسهل البعض اللعب به لتحقيق مصالح شخصية أو لتحصيل مكاسب وإحراز أهداف لدى الحكومة المصرية. ولكن الحال سيظل على ما هو عليه وسيظل الأقباط يدفعون٬ عن استحقاق واستئهال وجدارة٬ ثمن مسكنتهم وانجرافهم وراء كل من يستميلهم بمعسول الكلام.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية