إن دوري في هذه الحياة لن يتقنه أحد غيري, ولن يتعلمه أحد غيري, فلا أحد يتقن الدور الذي ألعبه كما أتقنه أنا, أنا هذا الإنسان المحطم الآمال, هذا الإنسان الذي ينزف ليلا ونهارا, هذا الإنسان الذي لا يعرف طعم النوم والراحة الأبدية, ومكتوب عليّ أن لا أخرج عن النص وعن الدور المقرر لي في هذه الحياة, هنالك من يلعب بهذه الحياة دور اللص وهنالك من يلعب دور القاتل, وهنالك من يلعب دور الضحية, وأنا اعتاد الجمهور على رؤية دور الضحية في حياتي, وهو لا يمكن أن يليق بأحدٍ غيري, ومن غير المسموح أن استبدل دوري ولو كان لمشهد واحد في هذه الحياة, حساسيتي بهذا الدور كبيرة جدا ومشاعري فياضة وأتقن فن العوم فوق جراحاتي..كل شيء في هذه الحياة يؤلمني, الشارع ,البيت,الناس,المعارف,الجيران,الأصدقاء, وكل شيء في هذه الحياة مخيف وكل شيء مؤلم, كل شيء يؤثر في مشاعري , أقل كلمة أو اصغر حرف يجرحني, ومن أخف نسمة هواء بطني يؤلمني , وعيني تدمع ليلا ونهارا, وقلبي يتألم من أتفه الأسباب, وعندي حساسية زائدة عن حدها, هكذا يقول عني الناس, وكل الذين يعرفونني يطالبونني بتخفيف درجة الحساسية وبالتقليل منها, ولكن أصدقكم القول أنني لا أستطيع أن أخفف من شدة حساسيتي فأنا هكذا ولدت وهكذا عشت وهكذا سأموت, وأحس بالعالم وبالناس أكثر مما يشعر بي الناس, أتألم لجراح الناس أكثر مما يتألموا لي, وأحس بمشاكل الناس أكثر مما يحسوا هم بمشاكلي, وأنام وأنا مسهد الجفن ومتألم وأصحو وأنا على هذه الحال, وكل يوم هكذا وضعي من حالٍ إلى حال.
وكل يوم أقول غدا ستتغير الأحوال, غدا ستتبدل الظروف, غدا سأعلب دورا جديدا, سأقوم باستبدال الأدوار بيني وبين الناس , وبيني وبين الجلاد, غدا سأصبح أنا الناس, وسيصبح الناس أنا, غدا سأصبح أنا الجلاد وسيصبح الجلاد أنا, غدا سيأتي دوري الجديد الذي ألعبه أمام الكاميرى, سأقف مزهوا بنفسي وكل الناس تشعر بي وأنا لا أشعر بأحد, غدا سأتوقف عن البكاء, غدا ستنتهي أحزاني, غدا سألعب دورا غدا سألعب دورا غير دور الضحية, وسأفتش أو سأجد لي عملا غير هذا العمل , , ولكن مُنتج ومخرج مسلسل أو فيلم حياتي, مصر جدا على الدور الذي ألعبه, وهو والجمهور معجبون بدوري , ولا يريدوا مني أن ألعب دورا غير هذا الدور, دور الضحية الذي العبه كل الناس تتلذذ عليه , وكل المشاهد المصورة به اخترتها أنا بمحض إرادتي , ولا أحد يريد مني أن ألبس ثوبا غير ثوب الضحية, فثوب الضحية مناسب لي جدا ومفصل تفصيلا تاما على مقاسي وهو لا يليق بأحد غيري, هكذا اعتاد الناس على رؤيتي, وأحيانا بعد انتهاء التصوير أعود وأقول: غدا سيتغير دوري, غدا ستتغير الأوضاع, غدا سأتعلم كيف أعيش من أجل نفسي فقط لا غير , ولكن أعود وأعيش على الآمال المرجوة, وأخيط من جلدي جراحي الجديدة التي تتبدل كل يوم وأعيش من أجل غيري ولا أحد يعيش من أجلي, وأكتب من أجل الناس ولا أحد يكتب من أجلي, وأكتب ليقرئ الناس ولا أحد يكتب لأقرئ, أتمنى أحيانا أن لو خلقني الله حجرا لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم, الحياة بالنسبة لي في أغلب الأحيان مملة وأحيانا هنالك خطر كبير على حياتي, وكل يوم أقول: غدا سيأتي, المستقبل سيأتي, ويأتي الغد ويأتي بعد الغد ولكن كلما أتى كلما تزداد الجفوة بيني وبين الناس.
كل الناس تعيش من أجل ذاتها, ومن أجل حياتها, إلا أنا أعيش من أجل غيري من الناس, وكل الناس تعمل وتكسب المال إلا أنا أعمل وأكسب الديون وأعيش من أجل غيري ولا أفكر بمصلحتي بل بمصالح الناس, وكلما أقرر بأن أعيش من أجل غيري يظهر لي شيء جديد يصدني عن ذلك, وكلما أقرر أن أخفف من مدى اتساع جراحي وأحزاني أجد الجرح يتوسع رغما عني وأجد الدمعات تسقط رغما عني , لم أتقن حتى اليوم فن الحياة من أجلي, لم أتعلم الأنانية, لم أتعلم في حياتي غير التضحية بكل ما عندي من أجل غيري, وفي النهاية أجد عالما ناكرا للجميل , عالم لا يعترف بحضوري وبوجودي معه , رغم أنني أكون حاضرا في كل المناسبات الحزينة والمفرحة وأهم شيء أنني أحافظ على حضور المناسبات المحزنة لأشعر أكثر ولأتألم أكثر, فالناس تعيش حياتها من أجل أن تنعم بالملذات وبما لذ وطاب من مُتع الحياة إلا أنا أعيش من أجل أن أشعر بمآسي الناس أكثر وبمشاكلهم العاطفية والاجتماعية, أنا إنسان لم يتلذذ يوما بحياته, لم أشرب من الكأس غير المُر المتبقي في قاعه, لم أجلب لنفسي غير الحزن والهم والأسى, ولا يليق بمثلي أن يفرح بهذه الحياة ولو كان فرحا قليلا.