إذا فشلنا بأن نكون عشاق فلا بأس أن نكون إخوة في الله, وإن فشلنا بأن نكون إخوة في الله متحابين في الله فلا بأس بأن نكون أخوة في الإنسانية, وإن فشلنا بأن نكون إخوة في الإنسانية فما المانع بأن نكون أصدقاء؟ أو جيران متحابون في عمل الخير, ما المانع بأن أحب أخي المسيحي وأخي المسلم وأخي اليهودي, أهل الكتاب؟ أبناء الشرق أو أبناء العمومة من أبيهم إبراهيم!! أو إن فشلنا بأن نكون أبناء عمومة فما المانع بأن نعود كما كنا أبناء آدم وحواء؟ الحيوانات أكثر من أغلبية الناس تعاونا, مجتمعات القرود والأسود أكثرها مجتمعات تعاونية, أما نحن فإننا نقتل بعضنا بعضا بسبب الدين علما أن الدين هو الوحيد الذي من الواجب عليه أن يقربنا من بعضنا لا بأن يبعدنا عن بعضنا البعض.
حسنا تقولون عني أنني متناقض إذ أنني قبل يومين مدحت الإسلام وبحثت به عن النواح الإيجابية وبعدها بيوم أو يومين مدحت المسيحية ولطالما مدحتها, لست أدري لماذا تصفونني بالمتناقض لماذا لا تقولون هذا يحب كل الناس؟ أيهما أفضل أن اشتم المسلم أو المسيحي أو اليهودي أم أن أحبهم جميعهم لأنهم بشر مثلي ومساكين يستحقون المحبة وصناعة السلام من أجلهم, كلنا إخوة, دعونا نقترب من بعضنا بعضا, دعونا نكون حلقة درس نوحد فيها الخطاب الديني مع توحيد الله, اليهودي يوحد الله والمسلم يوحد الله ولكن المشكلة أنهم يوحدون الله ولا يوحدون الخطاب الديني, لماذا لا نقوم بتوحيد الخطاب الديني بين المسلمين والمسيحيين واليهود؟ هل من المعقول أن أكن كل الحب والاحترام والتقدير للغريب عني ولا أكن كل الحب والاحترام والتقدير لأخي أو لأبن عمي؟ أصلا حبة القمح التي يرتسم خط طولي عليها تشير لك أنها مقسومة إلى نصفين نصف لك والنصف الآخر لأخيك, كيف مثلا أكن كل الاحترام للياباني وللصيني وأخي اليهودي الذي يعيش إلى جواري من جدنا إبراهيم نعاديه ويعادينا بينما الأبعدون نحترمهم ويحترمونا!! لماذا لا نحب بعضنا؟ أنا مش فاهم مثلا شو يعني مسلم وشو يعني يهودي؟ وشو يعني مسيحي!! كلنا إخوة في الله أو في الدين أو في الجنس, ألسنا كلنا من جنس واحد؟ لماذا لا نركز على الوصايا العشر؟ لماذا لا نركز على موعظة الجبل أو الطوبات؟لماذا لا نتعمق في دراسة وحفظ آيات القرآن التي تحث على المحبة, صحيح هنالك آيات تحث على القتل ولكن ما الذي يمنع من أن نطوع الدين ونروضه من أجل خدمة البشرية جمعاء؟ من الممكن أن أقلب لك القرآن الكريم فورا إلى دين يحث على القتال ولكن أيضا أستطيع أن اقلب لك مفاهيمك واريك آيات القرآن التي تحث على حب الناس(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ,..الحجرات13, قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس وقولِهِ في الرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذَّاكِرُ فلانة؟ فقام ثابت فقال: أنا يا رسول الله، فقال: انظر في وجوه القوم، فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت؟ فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تَفْضُلُهم إلا في الدين والتقوى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى أذّن على ظهر الكعبة، فقال عَتَّاب بن أَسِيد بن أبي العِيس: الحمد لله الذي قَبَض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً! وقال سُهَيل بن عَمْرو: إن يرد الله شيئاً يغيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء. فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا: فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب، والتَّكَاثُر بالأقوال والإزْرَاءِ بالفقراء, لماذا مثلا لا نكز على هذه القصة؟ وهذه الآية التي عرف العرب المسلمون فيها سياسة عدم التمييز العنصري على اساس اللون أو الجنس!! بدل أن نقول عن آيات القتل لماذا لا نتحدث عن هذه الآية؟ لكل زمان دولة ورجال ولكل مرحلة استحقاقاتها..
لأنني تعمقتُ جدا بالمسيحية اتهمني قومي بأنني رجلٌ دعيٌ بينهم, ولأنني تعمقتُ بالإسلام اتهمني أصدقائي المسيحيون أنني دعيٌ بينهم أو منافق, ولأن الإسلام لا يُجرح في شخصية المسيح ( يسوع) فقد تعلمت أن أحترم كل الأديان وكل الأنبياء والرسل ومن هذا المنطلق أنا أقول بعد رحلة العمر الطويلة في مجال الكتابة والتي مضى عليها حتى اليوم أكثر من ربع قرن, أقول: ( بأن كل الناس خير وبركه) وأنا لا أريد أن أعادي طرفا على حساب الطرف الآخر, ولأنني تعمقتُ بالعلمانية فمن واجب العلمانية احترام كافة المذاهب والمعتقدات وعدم التجريح في الأنبياء والرسل أو الذات الإلهية, هنالك نقطة خلاف بين الإسلام والمسيحية حول صلب المسيح وهل هو إله أم بشر, والخلافات تكمن في العصر الحديث حول الحريات العامة ومساواة الجنسين( الجندرية) وقبول التقنية الأخلاقية الحديثة في المجتمع الكتلي الصناعي, وهذه أمور ليس من السهل أن نقوم بعلاجها في الوقت الراهن طالما أن هنالك قوى غربية تستفيد من داعش ومن إعادة تدوير الدكتاتورية في الوطن العربي الإسلامي من أجل خدمة مصالح الدول العظمى, وفي النهاية نحن الضحية وهم المستفيدون, وبما أنني تعمقت في المسيحية التي تدعو إلى محبة العدو فلماذا مثلا لا نعتبر الإسلام المعتدل الوسطي حبيبا لنا أو عدوا نحبه بحسب وصايا الإنجيل؟ هنا أنا لست متناقضا وإنما المسيحيون متناقضون والمسلمون متناقضون أما أنا فأقول المسيح خير وبركه ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرا وبركة, وكل الناس حلوين, المسيحيون رجالٌ ونساء طيبون متحضرون والمسلمون دراويش مثلهم مثل اليهود لعبة بيد الدول العظمى, فلماذا نتقاتل ومن أجل مصلحة من؟
دعونا نوجه دعوة هذا المساء للمحبة, أن نحب بعضنا على اختلاف عقائدنا, مسيحي؟ مسلم؟ يهودي؟ بوذي؟ هندوسي؟ حتى ملحد؟ وبما أنني تعمقتُ بالمسيحية فقد تعلمت أن الديان هو من يدين الناس وليس أنا ولا هم, أنا توصلت إلى قناعة مفادها أنني لا أريد أن أدين أحدا لكي لا أدان, وشكرا للذين أدانوني في الماضي واليوم, وأنا لا أريد أن أظلم أحدا وشكرا للذين ظلموني اليوم وغدا والأمس, أريد أن أعيش مظلوما ولا أريد أن أعيش ظالما, أريد أن أكون مدانا ولا أريد أن أدين الناس, أريد أن أعيش مقهورا ولا أريد أن أكون قاهرا للناس, أن أنام وأنا مظلوم خير لي من أن أنام وأنا ظالم, وأن أنام وأنا مقهور خير لي من أن أنام وأنا قاهر للناس وغالبهم على أمرهم, أنا لا أملك شيء ولكن غيري يملك الكثير ولكن كلنا في نهاية الأمر والمطاف لا نملك الحقيقة, ولا نعرف شيئا على رأي سقراط الفيلسوف مؤسس السفسطائية والديالكتيك الذي لديه برهان ذو حدين لكل مشكلة, وعلى رأي شوبنهور حين كان يتجول في احدى الحدائق بطريقة ملفتة للجيران ومثيرة للشبهة حتى استدعوا له الشرطة وحين تقدموا منه سألوه: هى هى هى من أنت؟ قال: إن استطعتم أن تجيبوا عن هذا السؤال فسأكون شاكرا لكم, أنا لا أعرف من أنا.
لأعتبر مثلا نفسي إنسانا مسيحيا مخلصا ولست مسلما وعليه الإنجيل حثني على احترام من أختلف معهم وأن لا أدين أحدا حتى وإن كان عدوا طبيعيا, أنا مللت من هذه الحياة المقرفة جدا والتي صارت كلها قتل وحرب ودمار من أجل أشياء هي أصلا مشكوك بصحتها جميعها, أنا أريد أن أكرز من أجل المحبة وصناعة السلام بين الأمم والشعوب, أريد أن أرى النواح الايجابية في الإسلام والمسيحية واليهودية, أريد أن اعترف بحق كل الناس باختياراتهم , أريد أن أحب الجميع وليس مهما أن يحبني الجميع, أنا لا أريد إرضاء كل الناس فهذه صعبة ولكن أن أحب كل الناس فهذه سهلة شرط أن لا يتوافر لدي مبدأ الكراهية, أنا لا أريد مجاملة الناس ولكن أريد أن أخرج من خطية الناس, لا أريد أن أؤذي أحدا ولكن لا بأس من أذيتهم طالما أنهم فعلوها بي وقد اعتدت عليها, لماذا أكره المسلم ولماذا أكره المسيحي أو اليهودي أنا أريد المحبة من أجل المحبة والنقاء من أجل النقاء والصفاء من أجل الصفاء, ليس مهما أن أنصف أحدا بقدر ما هو مهم أن أنصف نفسي من خلال كف الأذى عن الناس, المهم أنني أريد أن ألقى الله الديان والمحاسب وأنا بريء من كل التهم والتعصب, بريء من أعمالهم براءة الذئب من دم يوسف, أريد أن أقابل الله بصفحة بيضاء ليس عليّ شيء ولا بأس أن يكون لي الكثير عليهم, لا أريد يوم الدينونة أن أطالب برد حقوقهم فمن أين لي يومها أن أعطيهم شيئا طالما أنني سأخرج من الدنيا كما خرج منها الأسكندر المقدوني!!