داعش داعرة تحت الطلب‎

منذ أن وجدت داعش والناس في حيرة من أمرها حول سر هذا التنظيم ومن صنعه ومن دعمه حتى أصبح غولا حكم في فترة من الفترات نصف سورية والعراق وانهارت أمامه الجيوش وما زال يقاوم ويتحكم في مناطق شاسعة واسعة رغم أن العالم أجمع يحاربه بدباباته وطائراته وجيوشه وميليشياته فهل أتت كل هذه القوة من فراغ ؟

حقيقة وأمام هذا المشهد نجد تحليلات كثيرة حول من صنع هذا التنظيم فمنهم من يتهم النظام السوري ومنهم من يتهم السعودية وقطر ومنهم من يتهم إيران ومنهم من يتهم تركيا ومنهم من يتهم الغرب نفسه وعلى رأسهم أمريكا ويجلب لذلك الحجج والبراهين ولا يقف الأمر عند المحللين والمنظرين فقط بل إن هذه الدول نفسها تتهم بعضها بعضا بشكل مباشر أو غير مباشر بصناعة هذا التنظيم فعندما ألقت أمريكا القبض على وزير بترول داعش المدعو أبو سياف ادعت أنها عثرت بحوزته على وثائق مهمة تثبت تورط تركيا في شراء بترول التنظيم وما يترتب على ذلك من دعم مادي مهم له يجعله قادرا على الصمود والوقوف على رجليه ثم تتالت تقارير كثيرة من مختلف بلدان العالم عن فتح تركيا أبوابها ومطاراتها للجهاديين وتسهيل دخولهم إلى سورية .

النظام السوري أيضا اتهم بصناعة هذا التنظيم حيث أنه قام بإطلاق سراح المتشددين الإسلاميين من سجن صيدنايا مع بداية الحراك السوري رغم أنهم لم يتمو مدة عقوبتهم وكانو نواة لتشكيل الجماعات الجهادية المتطرفة فيما بعد عدا عن علاقة النظام القوية بهذه التشكيلات أيام الإحتلال الأمريكي للعراق أما إيران فيتهمها الكثيرون بدعم القاعدة بسبب تواجد قيادات كبيرة للقاعدة فيها عدا عن تجارة الأفيون الرابحة التي تتحكم فيها إيران مع الجماعات الجهادية والقاعدة في أفغانستان ويقال بأن هذا هو سر عدم تنفيذ هذه الجماعات لأي اعتداء إرهابي داخل إيران حتى الآن .

بالنسبة لقطر والسعودية فكثير من الشخصيات الغربية اتهمتهما بدعم داعش سواء بالإعلام أو المال أو بالفكر حيث تعتمد هذه الجماعات الفكر الوهابي السلفي كمنطلق لمنظومة جهادها وبرنامجها الذي يعيشون عليه أما روسيا فقد اتهمها البعض أيضا بدعم داعش كونها لم تبد جدية أبدا في محاربته بل اتخذته مدخلا وحجة لتدخلها في سورية عدا عن أنها حشرت كل جهاديي القوقاز في سورية لتصفيتهم هناك .

أمريكا التي أعلنت تحالفا ضخما لمحاربة داعش في عهد أوباما اتهمت أيضا بصناعة داعش حيث ركز دونالد ترامب على هذه النقطة في حملته الإنتخابية وطالما اتهم هيلاري كلينتون وإدارة أوباما بدعم داعش وقامت مؤخرا عضوة الكونغرس الأمريكي تولسي غابارد في تصريح ل cnn بادعائها أنها تملك أدلة حول قيام إدارة أوباما بتمويل داعش . في هذه المعمعة والإتهامات المتبادلة نجد أن الكثيرين يقولون بأن داعش هي صناعة إسلامية صرفة وأنها تمثل الإسلام الحقيقي والنص الديني والفقه التراثي وأفعال المسلمين في الغزوات والفتوحات وهناك بالمقابل طرف آخر يدعي أن داعش صنعت من أجل تشويه الإسلام وأنها مؤامرة لكي يبتعد الناس عن هذا الدين .

حقيقة تبدو القضية شائكة وخيوطها عنكبوتية باعثة على الضياع والتوهان وتحتاج قراءة متأنية ولذلك سنبدأ بتفكيكها لغويا في البداية حتى نصل إلى حقيقة الأمر فهناك فرق بين من صنع داعش ومن دعم ومن سهل ومن استفاد و بفهم هذه الأفعال الأربعة نفهم الكثير عن حقيقة هذا التنظيم وهناك دائما خلط في استخدام الفعل السليم عند التحدث عن داعش فمن صنع داعش هو النص الديني وتراث الغزو والسبي والفتوحات قبل أن تخلق أمريكا أو يولد النظام السوري أو أي كيان متهم بصناعة هذا التنظيم ولا نحتاج أدلة كثيرة على ذلك فالتاريخ يشهد بكل تفاصيله والنصوص ما زالت موجودة بين ثنايا الكتب أما من دعم فهم كثر وتبدأ الحكاية بالتحالف الأولي بين البعث العراقي المنقرض وتنظيم القاعدة ثم ما لقيه من دعم النظام السوري والإيراني لإخراج الأمريكيين من العراق خوفا على أنفسهم من أن تتمدد أمريكا نحوهم أما من سهل فهو بروز الوجه الإسلامي للربيع العربي وتحكم الإسلاميين في تركيا وما تبع ذلك من فتح لباب الجهاد ومحاولة تركيا استخدام هؤلاء ضد الكرد في سوريا خوفا من نشوء كيان خاص بهم قد تمتد نيرانه داخل تركيا نفسها .

أما المستفيدون فكلهم قد استفادو من هذا التنظيم وكل واحد اتخذه لتنفيذ أعماله القذرة أو الحميدة فالنظام السوري استفاد بأن أظهر للرأي العام العالمي وحشية البديل في سورية والوجه الإسلامي المتطرف لهذا الحراك وهذا كان من أسباب صمود هذا النظام حتى الآن وعدم تفكير المجتمع الدولي بشكل جدي في تغييره وقد استفادت إيران أيضا حين جعلته حجة للتوغل داخل سورية والعراق والتحكم في مفاصل الدولتين وكذلك فعلت روسيا ومؤخرا تركيا أيضا حيث قامت باحتلال جزء من الأراضي السورية يمتد من جرابلس حتى الباب بحجة وجود داعش على حدودها أما أمريكا فقد استطاعت إرساء قواعدها في الشمال السوري بنفس هذه الحجة وغدت تسيطر على حقول البترول والغاز و أصبحت لها قواعد عسكرية ومطارات قد تتخذها بديلا عن قاعدة إنجرليك التركية مستقبلا .

بقي أن نشير إلى الإستخدام غير المباشر لهذا التنظيم بذكر بعض الوقائع لتتوضح الصورة أكثر وهو يدخل في خانة تقديم التسهيل لداعش فمؤخرا رأى النظام السوري أن تركيا تتمدد نحو مدينة الباب وهي مدينة استراتيجية بالنسبة للجميع وكان التنظيم متهالكا بسبب الضربات الموجعة هنا وهناك فسهل دخوله لمدينة تدمر ليستولي على مخازن الأسلحة التي استطاع بها الوقوف في وجه تركيا كل هذا الوقت ومنعه من اقتحامها .

بالنسبة لأمريكا وعند مهاجمة التنظيم لمدينة كوباني لم تضرب قوافلها المكشوفة في العراء وهي تتجه نحو المدينة بل انتظرت حتى تتوغل داخل المدينة ثم بدأت بمهاجمته وذلك لتحقيق غايتين الأولى لإيجاد موطئ قدم لها في سوريا وهو ما تحقق بعد ذلك حيث أنشأت لها قواعد عسكرية في كوباني نفسها والثاني وضع القوات الكردية تحت جناحيها بعد أن تخلى عنهم جميع حلفائهم في المعركة .

على نفس هذا النسق يلعب الجميع بالتنظيم والوقائع كثيرة لا مجال لحصرها في مقال والخلاصة أن داعش هي داعرة الحي التي يأوي إليها الجميع ليلا ويتبرؤون منها نهارا .

About محمد حبش كنو

محمد حبش كنو كاتب سوري مقيم في ألمانيا متخرج من قسم التاريخ والحضارة جامعة الأزهر له العديد من المقالات والأبحاث المتعلقة بالقضايا السياسية والعلمانية والإجتماعية في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية .
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.