أصدرت خمس منظمات إسلامية مقاتلة بيانا يحدد وجهات نظرها حول راهن الثورة، والأسس التي يجب عليها اعتمادها في نضالها، والهدف الذي تريد بلوغه، ويتمثل في «دولة العدل والقانون والحرية».
وكانت بعض هذه المنظمات قد أصدرت قبل نحو ستة أشهر بيانا حددت فيه هدفها بـ«إقامة نظام إسلامي»، بينما قال بيانها الحالي بنظام يستمد «ضوابطه من الدين دون غلو وتطرف». هذان التحديدان يضمران فروقا كثيرة، تبينها الشروح التي يقدمها البيان، والأهداف التي يحددها، وهي إسقاط النظام ومحاكمة قادته عن جرائمهم «بعيدا عن الرغبة في الانتقام»، وضرب أهدافه العسكرية وميليشياته وكل من يعتدي على السوريين ويكفرهم، والتعهد بالمحافظة على وحدة الدولة السورية ورفض تقسيمها.
هذا البيان تفصله عن البيان السابق، المتشدد نسبيا، حقائق بينت أن استيلاء تنظيمات ترفع ألوية وشعارات إسلامية على الثورة يضعف فرص انتصارها، داخليا وعربيا وإقليميا ودوليا، وأن التيار الإسلامي سيفقد فرصته في إقامة النظام الذي يريده إن هو أصر على طبع الثورة بطابع مذهبي يجافي هويتها المجتمعية العامة، القائمة على الحرية وحقوق الإنسان، أخذا بعين الاعتبار استحالة قيام تيار أو فريق بإسقاط النظام بمفرده، وضرورة تضافر جهود معارضيه ومقاتليه بمشاربهم وخياراتهم المتعددة للتخلص منه، على أن يحسموا أمر النظام البديل، الذي يريدونه، في إطار صراع سياسي يمكن أن يكون سلميا تماما. إلى ما تقدم، لعبت «داعش» دورا كبيرا في تغيير موقف التنظيمات الخمسة التي ترفع ألوية وشعارات إسلامية، من الصراع الدائر في سوريا، فقد تعلم قادة هذه التنظيمات خلال الأشهر القليلة الماضية من خبراتهم الميدانية واليومية، سواء في رؤيتهم التي يفصح عنها البيان لما يجب أن يكون عليه مصير سوريا وثورتها، أو في قتالهم ضد النظام، أو فيما كشفت عنه ممارسات «داعش» من قدرات تخطيطية وميدانية تمتلكها أجهزته الأمنية السورية والإقليمية والدولية في كل ما يتعلق باختراق الثورة وتنظيماتها، وكم هو خطير دور تشكيلات بعينها فبركتها مخابراته في القضاء على الثورة واحتواء وشل قواها، وإقامة تكامل ميداني فاعل بينه وبين بعض الذين احتسبوا لوهلة على الجهاد والمجاهدين، ولم يعد هناك اليوم أي شك لدى أي سوري في أن انتصار الثورة والشعب يتوقف على كسر الحلقات التي تصلهم بأولياء نعمتهم في دمشق وطهران وموسكو، وعلى قصم ظهر تنظيماتهم، لأن النظام لن يسقط طالما تسانده بالاحتياط البشري والعسكري، وتخوف العالم من أن بديله سيكون متشددا ومعاديا له.
في الأشهر الستة الماضية، تبين للمجاهدين فساد وعمالة نفر كبير من حملة السلاح ومدعي الدين، وظهر أن بين من يجاهدون قوى وشخصيات أشد خطرا على الجهاد من النظام ومرتزقته، وأن الوقفة الصحيحة حيالهم، لا بد أن تعلن اليوم لتكون مجدية وبنت وقتها، أو أنها ستكون متأخرة، وقاتلة.
في البيان السابق، أعلنت التيارات الإسلامية تصميمها على إضعاف الخيار الديمقراطي لصالح خيارها الإسلامي. أما البيان الحالي، فهو سيحفظ في حال الالتزام به أمن وسلام سوريا ما بعد الأسد، ليس فقط لأنه فرصة لتأسيس كتلة تاريخية هائلة معادية له، ستجعل انتقال سوريا إلى نظام بديل ممكنا من دون نشوب أعمال عنف بين ركنيها الركينين: الإسلامي والديمقراطي. تعلن الأطراف الموقعة على البيان الجديد عزمها على تقريب خيارها الإسلامي من الخيار الديمقراطي، وتصميمها على إقامة جسور تواصل بينهما تقوم على الوطنية واحترام الإنسان وحقوقه، وعلى تبني نظرة دينية تعتمدها الديمقراطية تحرم قتال العزل وإيذاءهم، الأمر الذي يعد – أولا – بوقف فوري لقصف الأحياء المدنية من دمشق، وبالامتناع القطعي عن قطع الكهرباء والماء عن أي مكان، أو تجويع أي موقع، بما في ذلك نبل والزاهرة والفوعة، ليس فقط لأن ذلك يمثل عقابا للسوريين على ذنب لم يقترفوه، بل كذلك لأنه يدفع بهم إلى أحضان النظام، الذي لا شك في أنه يرحب بموتهم عطشا وجوعا، وإلا لما حاصر مدنهم وقراهم وقطع الكهرباء والماء عنهم. و- ثانيا – بإطلاق سراح معتقلي التنظيمات الخمسة، وفي مقدمهم المحامية رزان زيتونة ومن اعتقل معها. بهذه المناسبة، أناشد فضيلة شيخنا زاهر علوان، الذي نفى مرات متعددة وجود الأستاذة وصحبها لدى «الجبهة الإسلامية»، أن يأمر بفتح تحقيق جديد حول واقعة الاعتقال، وأنا على ثقة بأن صديقاتنا وأصدقاءنا سيعودون إلى الحرية، بعد أن يعلم الحقيقة، وهي أن من اعتقلها لم ينقل له معلومات صحيحة حول ما جرى، فإن شاء فضيلته زودناه بكل ما لدينا من معلومات تؤكد وجودها لدى الجبهة.
إن وقف قصف المدن وإطلاق سراح المعتقلين هما خير اختبار لصدق ما أورده البيان المبارك من تعهدات، فهل يقرن من وقعه من إخوتنا الفعل بالقول، فيكون بيانهم خطوة حاسمة على طريق سوريا الحرة، سوريا العدل والقانون والحرية حسب تعريفهم، أم أن تفاؤلنا لن يكون غير وهم آخر في زمن لطالما قتلت لغته ووعوده أحلامنا؟!
نقلا عن الشرق الاوسط