لو أنك طوال حياتك تخدم مسئولا في الحكومة أو في القطاع الخاص وأخطأت معه خطئا واحدا صغيرا وغير مقصود بعد عشرين سنة من الخدمة لتناسى لك ذلك المسؤول خدمتك الطويلة له ولأنزل بشخصك أشد أنواع العقاب ولتم بحقك توقيع أقصى أنواع العقوبات, ليس تماما ولكن هذا ما يحدثُ دائما, الإنسان بطبعه يحفظ الجميل ومن طبعه أيضا عدم حفظ الجميل بتاتا,ذاكرة الإنسان ضعيفة ومتوترة والإنسان كثير النسيان, والنسيان بحد ذاته نعمة أنعم الله بها على الإنسان, فبنفس الوقت الذي ننسى به من خدمنا ننسى به أيضا من أساء إلينا وجرحنا , الإنسان من طبعه الوفاء ومن طبعه أيضا عدم الوفاء مطلقا, الإنسان إجمالا لا يحفظ ولا يتذكر من يمد يده ليطعمه في أغلب الأحيان ينسى, والكلابُ أكثر وفاء من الإنسان , الإنسان بمجرد خطا واحد وبسيط ينسى لك كل ما كنت تفعله حتى ولو خدمته خمسون عاما دون انقطاع فبمجرد خطأ واحد معه ينسى لك الخمسون عاما من الخدمة معه.
في قصة استذكرها منذ الطفولة عن وزير خدم الملك أو خدم الأمير في غابر الزمان أكثر من 20 عشرين سنة بأكملها, وبعد الربع قرن أخطأ الوزير مع الملك خطئا واحدا فقرر الملك أو الأمير على ما أظن أن يرمي بالوزير إلى الكلاب لكي يأكلنه حيا عقابا له, وطلب الملك أو الأمير من الوزير أن يطلب طلبا أخيرا يحققه له قبل أن يموت, فقال الوزير:
التمسُ من جلالة الملك أن يمنحني شهرا واحدا أخدم وأطعمُ فيه الكلاب التي ستأكلني.
فوافق الملك على طلب الوزير وأعطاه مهلة شهرٍ واحد يطعمُ فيه الكلاب ويخدمها, ومضت الساعاتُ والأيامُ والأسابيع في خدمة الوزير للكلاب وهو مستمتعٌ في الخدمة مع الكلاب وفي خدمة الكلاب وجاء اليوم الذي قرر فيه الملك أن يقدمه وجبة أخيرة للكلاب, فقام الحرس بتجريد الوزير من ملابسه ورموا به إلى الكلاب فما كان من الكلاب إلا أن اقتربت رويدا رويدا من الوزير دون أن تنهش لحمه بل كانت تتنفس بجانبه بكل حنية, مما أثار نعرة الملك وقال للوزير: ما هذا لماذا لم تأكلك الكلاب؟ فقال له: يا مولاي أنا خدمت الكلاب مدة شهرٍ واحدٍ وهي لم تنسى خدمتي لها طيلة الشهر الماضي, وأنت خدمتك 25 سنة أي ربع قرنٍ من الزمان ومع ذلك نسيت خدمتي لك, إن الكلاب يا جلالة الملك تحترم العيش والملح, وأرجو منك أيضا أن تحترم أنت أيضا العيش والملح معك, فتبسم الملك وعفا عنه وأعاده للخدمة.
قصة جميلة؟
تصلح للأطفال؟.
أليس كذلك؟
هذا يحدث أحيانا بين الزوجين بحيث من الممكن أن يخون الواحد منهم الآخر مرة واحدة في العمر فيعاقبه الآخر بالهجر وبالطلاق نهائيا, من الممكن أن تحدث بين الناس الذين ينسون الوفاء بسرعة, يجب علينا أن نتعلم درسا من الكلاب, وبالمناسبة أيهما الأصح نحن أم الكلاب؟ الأمير الذي نسي خدمة الوزير أم الكلاب نفسها؟ نحن أحيانا نفعل معروفا لأحد الناس فينساه الناس بسرعة, يحدث هذا سياسيا في مؤسسات ومنضمات المجتمع المدني حيث يقوم أحد الأشخاص بخدمة مجتمعه المحلي وعند الانتخابات يرشح نفسه بناء على ما قدمه لمجتمعه المحلي من خدمات فينسى المجتمع المحلي خدمة المُرشح ولا يقدمون له أصواتهم, أيهما أصح؟ الإنسان أم الكلاب؟ إذا كانت الكلاب أوفى منا وأفضل منا وأحفظ للجميل منا فأُخْ أُتفوه علينا وعلى عيشتنا.
مواضيع ذات صلة: قصة الملك والوزير والكلاب