لطالما لجأ البشر، منذ بدء تسجيل تاريخهم، إلى تقسيم الوقت، وذلك بالاستناد إلى دورات الشمس (أو بالأحرى الأرض) والقمر، ورؤية النجوم، وهجرة الفرائس ونمو المحاصيل، والذكريات السنوية للأحداث والأبطال الذين من خلالهم يتشكل ادراك البشر لوجودهم.
أحيانا تنتج عن هذه التقويمات المختلفة صدف سعيدة أو باعثة على التأمل، وقد وقعت إحدى هذه الصدف يوم 4 أكتوبر من السنة الحالية، إذ وافق هذا التاريخ عيد الأضحى في التقويم الإسلامي، وصادف عند الكاثوليك عيد سانت فرانسيس الأسيزي الذي جرد نفسه من كل متاع الدنيا للتقرب من الفقراء والمكروبين والمحرومين. حيث تدعونا المناسبة الأولى للتفكر في استعداد النبي إبراهيم عليه السلام للتضحية بابنه لإرضاء الله، قبل أن تأتيه بشارة من الله بافتداء حياة ابنه؛ بينما تحتفي الأخرى بمثال للتضحية الجذرية بالنفس المستوحاة من التقوى والكرم الإنساني.
لقد قام سانت فرانسيس برحلته الشهيرة إلى فلسطين سنة 1219. وهناك صدم من سلوك الجنود “المسيحيين” الذين زعموا أنهم يمثلون المعيار لدينهم، لذا قام بالتغلغل عبر صفوف الجنود لمقابلة القائد المسلم السلطان الكامل، ويقال أن كل منهما أعجب بالآخر لما ملكا من الحكمة والإنسانية، بينما ظل كل منهما على دينه.
إن احتفالي عيد الأضحى وسانت فرانسيس يذكراننا بأن الديانات السماوية الكبرى لا تدعوا إلى التضحية بالدماء البشرية، بل إلى تضحية تأتي من قلب الإنسان ولا تقتضي العدوان والإخضاع، بل التواضع والسلام.
كما يذكرنا شخص النبي إبراهيم عليه السلام بالتراث المشترك الذي نتشاطره نحن أهل الكتاب. حيث أننا مرتبطون بشكل أوثق بكثير مما يدركه معظم الناس وما يرغب أن يعترف به العديد منهم. لقد كانت جدتي الخامسة عشرة مارغريت بلانتجينيت وهي والدة آخر أسقف كانتربري كاثوليكي، وآخر فرد من العائلة التي حكمت إنكلترا لقرابة أربعة قرون قبل أن يتم قطع رأسها بناءا على أوامر هنري الثامن لأنها عارضت سياسته الدينية. وكانت جدتها السادسة سانت اليزابيث من البرتغال، البطلة وحامية الفقراء. وكانت الجدة العاشرة لسانت إليزابيث ابنة أبو المطرّف الحكم المستنصر بالله، ثاني خلفاء قرطبة، وامرأة باسكية تدعى أورورا أو (بالعربية) صُبح. وبالطبع كان أبو المطرّف ينحدر مباشرة من أمية بن عبد شمس ابن عم جد الرسول عليه الصلاة والسلام.
وبالتالي فإن المنحدرين من أربعة وخمسين جيلا يشملون، في نفس السلالة، قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأمويين، وقديس كاثوليكي، وشهيدة كاثوليكية مؤبّنة، وأخيرا، بعد عدة قرون مليئة بالمنعطفات، السفير البريطاني في الإمارات العربية المتحدة. لذا فإنني، إلى جانب عدد لا يحصى من الأوروبيين، نتيجة تراكمات كل هذه الجينات وكل ذلك التراث الديني والثقافي الواحد.
وتماما مثل حبهم لتقسيم الوقت، فإن البشر يحبون أيضا تقسيم أنفسهم إلى فئات منظمة ومتلائمة. لكن سرعان ما تنهار تلك الانقسامات بمجرد القيام بأدنى تدقيق. أما سفاحو ما يسمى “داعش” فإن نظيرهم التاريخي الشنيع متمثل في أولئك الذين ادعوا المسيحية كذبا لتبرير أعمالهم الوحشية. لذلك ينبغي علينا وضعهم في المكانة التي يستحقونها وهي أنهم تحذير مروع من امكانية ضلال البشر بسبب الجشع والسادية. وبدلا عن التركيز على هؤلاء، ينبغي أن نركز على أولئك الأشخاص، من جميع الثقافات والتقاليد، الذين يظهرون مدى قدرة الإنسان على التضحية لخدمة الصالح العام.
* فيليب بارهام، السفير البريطاني لدى الإمارات العربية المتحدة