خبايا الدافع الجنسي الليبيدو عند فرويد

#خبايا_الليبيدو
استعمل سيجموند فرويد مُصطلح
(ليبيدو – Libido)
، في تحليله النَّفسي، لوصف الطَّاقة الجنسيَّة أو الدَّافع الجنسي
sex drive
لدى الإنسان. وفي منشورٍ سابقٍ بعنوان #ماوراء_الجنس، قلتُ إنَّ ثمَّة عاملان أساسيَّان، يتحكّمان في ميولنا الجنسيَّة، وهما: العاطفة، والإثارة. في هذا المنشور؛ أرغب في تناول موضوع الإثارة، من جانبٍ أشد خصوصيَّةٍ، وأكثر تعقيدًا، لأنَّه من الصَّعب الاتفاق على ما هو مُثيرٌ، وما هو غير مُثيرٍ، علمًا بأنَّ العامل الثَّقافي يتدخَّل بشكلٍ قويٍ في تشكيل مفهوم الإثارة بشكلها العام. وقد يكون لبعض السمات المُثيرة جذورٌ تاريخيَّةٌ تُشير إلى دور الانتخاب الجنسي، كما رأينا من قبل في منشور #المُؤخرات_الكبيرة، وكيف أنَّها أصبحت مُثيرةً لدى الذُّكور، بسبب ارتباطها بسمة الحوض الواسع، والتي تدل على خصوبة الأنثى، وكذلك سمة الجسم المُمتلئ؛ فكثير من الرجال يُفضّل المرأة المُكتنزة على المرأة النَّحيلة، وهذا بسبب ارتباط سمة الامتلاء الجسدي بالصحَّة. لأنَّ امتلاء الأنثى جسديًا، يدلُّ على أنَّها تتغذَّى بشكلٍ جيّدٍ؛ وبالتَّالي تُصبح أيقونةً للصحَّة، والرَّجل يحتاج إلى أنثًى بصحَّةٍ جيدةٍ، حتى يضمن تمرير جيناته بشكلٍ سليمٍ، تمامًا كما أنَّ الجسد العضلي للرَّجل يُثير الأنثى، لأنَّ الجسد العضلي دليلٌ على الصحَّة والقوة، والأنثى تُريد نقل هذه الجينة لأطفالها، لأنَّها تُريد إنجاب أطفالٍ أصحاء وأقوياء. إذن؛ فإنَّه بالإمكان الإمساك بأسبابٍ، وتبريراتٍ، ودوافع منطقيَّةٍ وراء بعض السمات المُثيرة في الشريك أو النَّظير الجنسي. ولكن ثمَّة سماتٌ لا يُمكننا إيجاد تبريراتٍ منطقيَّةٍ لها على نحوٍ قاطع. وعلى سبيل المثال؛ فبعض الرجال تُثيرهم المرأة ذات الشَّعر القصير جدًا، بينما آخرون قد تُثيرهم سمة الشَّعر الطَّويل، وهاتان السمتان هما -في الحقيقة- سماتٌ جماليَّةٌ، وليست سماتٍ جنسيَّة.

وبمعنًى آخر؛ فإنَّ السمة الجماليَّة ليس لها تبريرٌ بيولوجيٌ مُرتبطٌ بنقل الجينات. وفي المُقابل فإنَّ سمة الأكتاف العريضة لدى الذُّكور تُثير بعض الإناث، وهي سمةٌ لا علاقة لها بالدَّوافع البيولوجيَّة، غير أنَّها مُرتبطةٌ بدوافع عاطفيَّةٍ؛ فالأكتاف العريضة لدى الذَّكر تمنح مساحةً واسعةً لدى العناق والأحضان، ما قد يُشعر الأنثى بالاحتواء، وهو جانب قد تهتم به بعض الإناث. كما أنَّ بعض الإناث يُثير الرَّجل المُدخّن، وطريقة تدخينه؛ بل ورائحة التَّبغ نفسها، بينما صرَّحت بعض الفتيات أنَّ عادة التَّخزين (التُّمباك) مثيرةٌ لهنَّ، دون أن نعرف سببًا واضحًا لما قد يكون مُثيرًا في التَّدخين أو التَّخزين، على الرَّغم من كونا مُنفّرة. كذلك هنالك رجالٌ تُثيرهم الأنثى الطَّويلة، في حين أنَّ هنالك رجالٌ تُثيرهم الأنثى القصيرة، وسمة الطُّول لا علاقة مُباشرةٌ لها بالجانب البيولوجي. كذلك هنالك رجالٌ قد تُثيرهم الأنثى التي ترتدي النَّظارات، في حين أنَّ هذه لا يُمكن اعتبارها سمةً أصلًا، وعلى العكس من ذلك؛ فإنَّ ارتداء النَّظارات دليلٌ على ضعف البصر، وهو عيبٌ من المُفترض أن يتحاشاه الرَّجل، إذا أراد الشَّكل الأفضل والأمثل لجيناته. ولكن يُمكن فهم هذا النَّوع من الإثارة بطريقةٍ أُخرى؛ إذ أنَّه قد يُعبَّر عن إعجاب الرَّجل بالفتاة المُثقفة أو الجادة، وقد تكون النَّظارات دليلًا على ذلك لدى البعض. ولكن لماذا يتحوَّل هذا الإعجاب إلى إثارةٍ جنسيَّة؟ الحقيقة أنَّ هذا ليس مُرتبطًا بطريقة تعبير الذُّكور عن الإعجاب؛ إذ يرى البعض أنَّ الجنس هو طريقة الرَّجل الوحيدة للتَّعبير عن الإعجاب والحب؛ إذ ثمَّة فتياتٌ يُثيرهنَّ الرَّجل المُثقف أيضًا. واقع الأمر، أنَّ تطوُّر الإنسان، ودخوله عصر التقنية والمعلوماتيَّة، يجعل الثَّقافة سلاحًا مهمًا له؛ وبالتَّالي فإنَّ الأنثى المُثقفة، والذَّكر المُثقف، يُجسّدان نموذجًا للأب والأم المثاليين، ولهذا فإنَّ ثقافة الأنثى تُثير الذَّكر لأنَّ هذا -بطريقةٍ ما- إشارةٌ له بأنَّه الأفضل لجيناته وأبنائه، والأقدر على رعايتهم، والأمر ذاته ينطبق على الأنثى التي يُثيرها الذَّكر المُثقف. فالثَّقافة هنا، تقوم مقام سمة مهارات الصَّيد، والعدو السَّريع، والتَّسلق البدائيَّة، والتي كانت تُميّز الفرد عن بقيَّة أفراد المجموعة، وتجعله –بالتَّالي- جاذبًا للإناث. وما يحدث تقريبًا أنَّ الرَّجل لدى رؤيته لفتاةٍ مُثقفةٍ (أو تبدو مُثقفةً) يدفعه ذلك –غريزيًا- إلى التَّفكير بأنَّها قد تكون أُمًا مُناسبةً لأبنائه؛ حتَّى وإن لم يكن ينوي الزَّواج بها فعليًا، لماذا؟ لأنَّ الجنس نفسه غريزةٌ بيولوجيَّةٌ في المقام الأول، وهذه الخاصيَّة البيولوجيَّة للجنس، تجعل كُلَّ ما يُؤدي إليه مُرتبطًا به، سواءٌ أدركنا ذلك أم لم نُدركه. إنَّها برمجةٌ بيولوجيَّةٌ دقيقةٌ، ومُعقَّدةٌ جدًا. ويُمكن اكتشاف خبايا هذا المُحرّك الجنسي، بقليلٍ من التَّدقيق، والتَّأمل في العناصر البيئيَّة التي تُحيط بالأفراد. غير أنَّ هنالك دوافع جنسيَّةٍ غير مفهومةٍ تمامًا، كالشُّعور بالإثارة تجاه المرأة السَّمراء أو البيضاء أو الشَّقراء. فما الذي قد يكون جاذبًا جنسيًا في لون الأنثى أو عِرقها يا ترى؟ هذا السُّؤال قد لا يكون مُختلفًا تمامًا عن سؤال معايير الجمال؛ فربما ارتبط اللَّون بالمعايير الجماليَّة الخاصة أو العامة لدى الأفراد. وقد يحدث أحيانًا أن تكون الفئة العمريَّة للشريك عنصر جذبٍ جنسيٍ بطريقةٍ ما، وهذا نجده بوضوحٍ في ميل أغلب الذُّكور إلى الإناث في سن الشَّباب (18-25)، وتفضيلهنَّ عن الإناث في سن مُتقدّمة قليلًا (26-45)، وفي المُقابل ميل أغلب الإناث إلى الذُّكور في سنٍ مُتقدّمةٍ قليلًا (37-50)، وتفضيلهم عن الذُّكور في سن الشَّباب (20-35)؛ لاسيما عند الرَّغبة في الارتباط. هذا الميل قد يكون مفهوم الدَّوافع، فكلَّما كانت الأنثى أصغر سنًا، كانت فرصها في إنجاب مزيدٍ من الأطفال أكثر من الأنثى المُتقدّمة في السن، كما أنَّ الأمر مرتبط بشعور الذَّكر بالسيطرة الكامل مع الأنثى الأصغر سنًا. ولكن شعور بعض الذُّكور بالإثارة تجاه الإناث المُتقدّمات في السن
(MILFs)،
وشعور بعض الإناث بالإثارة تجاه الذُّكور المُتقدمين في السن، ليس له دافعٌ جنسيٌ مُبرَّر بيولوجيًا. وقد يُفهم انجذاب الأنثى للشريك أو النَّظير الجنسي المُتقدّم في السن على اعتبار أنَّه امتدادٌ لعُقدة أليكترا
(electra complex)،
وهو ما يُجسّد ميل الأنثى للأب، وفي هذه الحالة قد يُفسَّر انجذاب بعض الذُّكور إلى الأنثى المُتقدّمة في السن، باعتباره امتدادًا لعُقدة أوديب
(oedipus complex)،
وهو ما يُجسّد ميل الذَّكر للأم. قد تكون هنالك تبريراتٌ أخرى، كالبحث عن الشُّعور بالأمان، والمسؤوليَّة، والاحتياج إلى شخصٍ مُمتلكٍ للخبرة والحكمة، وما إلى ذلك من تبريراتٍ مُختلفةٍ، ولكن لا شيء مُؤكدٌ على الإطلاق. إنَّ الشُّعور بالإثارة الجنسيَّة تجاه شخصٍ ما، هو أمرٌ في غاية التَّعقيد، إلى الدَّرجة التي يُعتقد أنَّها لا يُمكن أن تخضع لمعايير ومبرراتٍ منطقيَّةٍ، وهو اعتقادٌ صحيحٌ إلى حدٍ بعيد، ولكن تبقى إثارةٌ جنسيَّةٌ لا يُمكن رصدها، وهي الإثارة الخياليَّة، وهذا النَّوع من الإثارة لا يُمكن اكتشافه، لأنَّه مُرتبطٌ بالتَّجربة الجنسيَّة الخاصة بكل فردٍ، ولرؤية كُل فردٍ للجنس، والممارسة الجنسيَّة. تعتمد الإثارة الخياليَّة على سيناريوهاتٍ افتراضيَّةٍ تتشكَّل في خيال الفرد، يُحاول فيها تصوّر كيف يُمكن أن يبدو الشَّريك أو النَّظير الجنسي أثناء المُمارسة الجنسيَّة، وبعض الوضعيات التي يُمكن له القيام بها معه، وهو ما يجعله –لاحقًا- إمَّا مثارًا تجاه هذا الشَّريك أو رافضًا له. هذه السيناريوهات الخياليَّة لا تعتمد على سماتٍ جسمانيَّةٍ خاصةٍ مُثيرةٍ في الشَّريك عادةً، وإنَّما على قدرته الخياليَّة في تصوُّر وضعياتٍ جنسيَّةٍ مُعينةٍ معه. لأنَّ السيناريو الخيالي إذا بُني أساسًا على السمات الجسمانيَّة الخاصة، فإنَّه يدخل مُباشرةً في خانة الإثارة الجنسيَّة الواقعيَّة، والتي تطرقنا إلى جزءٍ منها في الأمثلة السَّابقة في بداية المنشور. فمثلًا، قد تُؤدي رؤية الرَّجل لأنثًى ذات شفاهٍ صغيرةٍ، إلى افتراض أنَّ عضوها التَّناسلي صغيرٌ أيضًا، وهو افتراضٌ خياليٌ لا أساس له من الصحة أصلًا، ولكن هذا الافتراض كافٍ لبناء سيناريو مُتكاملٍ لمُمارسةٍ جنسيَّةٍ مُمتعةٍ، وهو ما يجعله مُثارًا تجاه الشَّريك حامل هذه الصفة الشكليَّة الظاهريَّة، وهو ما ليس له علاقة أبدًا بالدَّوافع البيولوجيَّة للجنس على ما يبدو. كذلك الأمر عندما تشعر الأنثى بالإثارة تجاه رجلٍ ذي أصابع يدٍ طويلةٍ، فإنَّ هذه الإثارة -في حقيقتها- لها منابع خياليَّةٌ، فهي قد تتخيَّل هذه الأصابع مُمسكةً بأثدائها مثلًا، وهو ما يُحفّز رغبتها وإثارتها أكثر. وقد تربط طول أصابع يد الشَّريك بطول عضوه الذَّكري، رغم أنَّه لا ربط البتَّة بين هاتين السمتين، ولكنَّه نوعٌ من الخيال القسري أو التَّعسفي، تمامًا كعلاقة حجم الشفاه بحجم العضو التَّناسلي للأنثى. جميعنا عُرضةٌ لهذا الخيال الجنسي مِن قِبيل الآخرين، وهو أمرٌ طبيعيٌ جدًا. هذا الجانب التَّخيلي مُهمٌ جدًا في العلاقات الجنسيَّة، ولهذا فإنَّ له أهميةً بالغةً في مسألة الإثارة الجنسيَّة، ولهذا فإنَّ كثيرًا من المُحفّزات الجنسيَّة لفردٍ ما (ذكرًا كان أو أنثى) قد تبدو غير منطقيَّةٍ للآخرين؛ إذ لا معيار يُمكن الاحتكام إليه عندما يتعلَّق الأمر بالميول والمُحفّزات الجنسيَّة.

Hisham Adam  هشام آدام

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.