خاطرة المساء2

هل تذوقت طعم الحرمان في بلادك كما تذوقته أنا؟ هل شعرت في وطنك بالغربة كما هو أنا الآن غريبا بين أهلي؟ وهل تذوقت طعم الخوف من رسائل البريد الإلكترونية؟ وهل أوقفك الإرهابيون يوما في الشوارع يسألونك ما هو دينك ومن هو ربك في بلادك كما يستوقفوني أنا؟ هل نفضت الغبار عن ملابسك وأكلتها مع الطعام؟ وهل قطعت عرض الليل الطويل سباحة على ظهرك وأنت تبحث عن كلمة الله ؟,وهل وجدت من يمسح لك دموعك بيديه؟ من كفكفَ دموعك يا رجل؟ومن واساك في كل مصائبك؟ وهل أضفت طعم الدم إلى طعامك؟ وهل ابتسمت يوما مجاملة وخدودك يعتصرها الألم؟ إن طعنوكَ من الخلف فأنت حتما في المقدمة.

وهل تذوقت طعم القهوة من يدي؟ وهل شربتَ الشاي من فنجاني الكبير, هل تذوقت طعم المشروبات السامة في بلادك؟ وهل تعشيت يوما علبة جبنة منتهية الصلاحية في بلادك؟وهل عرفت من أنا حين أتظلمُ إليك؟ وهل فتشت في بلادك عن الأحزان وعن المشاكل والحروب؟ سترى عمّا قريب بلادي الواسعة الأحزان,والغنية بالمفاسد والفساد,الدولة الأولى في العالم بعدد البطالة,الدولة الأولى في العالم برفع الأسعار,البلد الذي يأخذ منك ولا يعطيك,ويشكو إليك ولا تشكو إليه,يتربص بك على أقل زلة لسان,وهل توسدت وسادتك ليلا وأنت تخافُ من أن يفاجئك طلوع الفجر في عنفوانه؟للفجر في بلادي منظرٌ وحشي,يبدأ الإجرام في بلادي منذ أن يشق الضوء طريقه إلى عينيك.

وهل نسلوك فحلا تحكم بالنار وبالحديد؟ وهل تذوقت أذناكَ طعم العسل من لساني؟ وهل أحببتَ طوال عمرك قلبا ينبض بالحب مثل قلبي؟وهل راقبت الصمت في خلوتي حين أجلس وحدي مع أشعاري؟ وهل نمت جائعا وصحوت من نومك وأنت جائع؟وهل ركضت في بلدك وأنت تبحثُ لك عن قبرٍ يريحك من رائحة الأحياء النتنة؟ وهل رأيت مثل حلاوة مبسمي؟ وهل رأيتَ منظرَ الدُر وهو يتساقط من عيني؟,هل رأيت البساتين وهي تنبتُ على أطراف يدي, وهل شعرت بلمسة حنانٍ من يدي؟ هل استمعت لصوت السماء من أشعاري؟ هل شعرت بتيار الهواء الساخن وهو يمر من بين أرجلك؟ وهل أخذك أحدٌ إلى البحر ورجعت وما زال ريقك جافا؟ هل مرَ يومٌ ما أيُ تيارٍ كهربائي من بين ضلوعك وأنت تبحثُ عن المصباح لينير لك غرفتك الضيقة؟ أو وأنت تبحث بين أسلاك الكهرباء عن لقمة خبزٍ ساخنة؟ هل تذوقت طعم الدم على رغيف الخبز؟ وهل تذوقت طعم العرق وهو يتصببُ منك على الماء الذي تشربه؟آهٍ منك يا بلدا أرويتني من دموعي وأشبعتني من مساماتي الجلدية,والناس تأكل لحمي وتشبعُ من ذبحي وأنا جائعٌ ولا أعرف كيف أستسيغ لحوم البشر في أمعائي, إن لم تشعر بمرارة الأيام في بلادي,وإن لم تفعل للمتعبين شيئا فأنت حتما مثل الساعة السويسرية التي لا تُقدم ولا تؤخر أبدا.

وهل سافرت يوما دون أن يودعك أحدْ؟ وهل عدت من سفرك الطويل دون أن يستقبلك أحد؟ وهل غابت الشمس في عيونك وتختفي خلف الأسود كما تختفي الحقيقة في بلادي خلف المنتمي واللامنتمي؟ هل فقدت أعصابك يوما من شدة جهل الناس بحقيقة دينهم؟هل تذوقت طعم الحقيقة؟ وهل فقدت نعمة الأمن والأمان في بلادك؟ وهل سُررت وحدك وحزنت وحدك ورضيت وحدك؟وهل شممتَ رائحة العطر من أنفاسي؟, وهل تزوجت يوما من الكلمات الرومنسيه؟ وهل سكنت روحك في كتابٍ أو في صورة تذكارية؟وهل دفنك قومك حياً وأنت ما زلت تتنفس؟وكم كيلومتر سارت الآلامُ في قلبك؟ وهل مللت من طول النظر إلى كياني؟, وهل علقتْ ثيابك في ثيابي؟وهل نسجت يوما لك ثوبا من شعر رأسي؟ وهل ما زلت تصلي في محرابي؟وهل رجمك الجاهل بالحجارة كما رجمني؟وهل اتخذ الناس من قوامك شجرة يصعدون عليها ويأكلون منها ومن ثم يحرقونها ليستدفئوا عليها؟ هل فعلت في بلادك شيئا تستحق الموت عليه كما فعلته أنا في بلادي وكانت تهمتي الدعوة إلى الحرية؟ وهل مررتُ مرة واحدة من جانب أحزاني؟وهل توحشتَ في بيتك كما هو أنا اليوم؟, وهل توغلت يوما في أحشائي؟ وهل سكبوا البنزين يوما في دمك؟.

إنني أنبتُ بالزهر وأشعُ بضوء الشمس وأتوهجُ مثل النار وأثور مثل المتفجرات,ولا أعرفُ لي وطنا ولا سكناً ولا أهلا ولا ولدا,ولا منجٍ ينجيني من كثرة اختراعاتي,لا أعرف صوتا مثل صوتي يئن طوال الليل والنهار,وأهربُ من هذا ومن ذاك,في بلدي لا تستطيع أن تبحث عن الأحزان أو عن الآلام,فالأحزان وحدها تعرف طريقها إليك,والآلام تلاحقك,والمصائبُ تبحثُ عنك,والليل يطول والهم يجول في خاصرتك, والمشاكل تبحث عنك وليس بالضرورة أن تبحث عنها, هنا المشاكل تفتش عنك ليل نهار وتتصل بك على الهاتف المحمول إن لم تكن في بيتك, والأيام وحدها من يضمدُ لك كل جراحك,والصبر يشق طريقه إليك,والليل يستفزك ويجعلك منطويا على نفسك,والسعادة تهربُ منك إلى أقرب بلد يصادفها,والأيام أطول من كل السنين,والقتلُ والذبح يستلقي بجانبك,والغدرُ شيمة الرجال,ومنظر الغروب في بلدي لا يذكرك إلا بمنظر الدماء,واللون الأحمر كابوس يطبق ليلا على أنفاسك,والخوف يلاحقك في الطريق الضيق وعلى طريق الأوتستراد,والسكاكينُ تلعق دمكَ,لا مؤنس يؤنس لك وحدتك,ولا صديقا يشرب معك نخبك,ولا تدقُ الكؤوسُ على طاولتك الخشبية,الرؤوس مقطوعة في أغلب العواصم العربية, وكل مواسم الفرح إجرامٌ بحق الانسانية..والحزن يشرقُ من عينيك,والشمسُ في بلادي تحرقك بأشعتها قبل أن تشعرك بالدفء,والناس متوترة في كل مكان,والأعصاب مشدودة مثل الحزام حين يلتف على خصرك النحيل,والنفاق سياسة,والحرية كفرٌ بالله,في وطني كل شيءٍ يبقى بمكانه ريثما يأتينا المخلص,والفكر زندقة,والعطر نارٌ تستجديك وتسأل عنك,والله لا يعرفُ شيئا عن رؤسائنا ومخاتيرنا وقادتنا ووزراءنا,والعقل ذهب بإجازةٍ مفتوحة إلى الأبد,والغش شطاره,والفساد فرصة ذهبية عليك أن تستغلها,والاستثمار الوظيفي علاقة حميمية بين الموظف والمواطن,والناس تنتحر إجباريا في حوادث سيرٍ مرعبة جدا,فهل مررتَ من بلادي يوما ووقفت على أي إشارة ضوئية؟ لترى القاصرين وهم يبيعونك العلكة وأكياس مناديل الفاين الناعمة؟وهل نزلت في ساحة الوغى لتستذكر داحس والغبراء وحرب البسوس؟وهل سكنت في شقة غربية أو شرقية لتعرف حجم البلاء؟وهل وقفت على أحوال الناس؟ وهل دعتك الغربة يوما لتحن إلى بلادك,وهل صعدت مكانا عاليا واستذكرتك قريتك وأهلك ,أصحابك؟إياك وأنت في بلاد الغربة أن تصعد بناية عالية أو جبلا مرتفعا حتى لا تستذكر أهلك وأصوات الحيوانات الأليفة,إياك أن تدخل بيتا وأنت في الغربة يختلف عن وطنك, ستجد الفارق كبيرا جدا,وستجد العيون تضحك وشعر الرأس يتطاير من الضحك,لا تلومن أحدا بل ألقِ باللائمة على نفسك,واهرب إلى أقرب مقبرة تصادفك,واشحن همتك بالعزم,وصارح الناس كما يصارحونك بالعداوة,أركض ولا تتوقف ولا تنظر خلفك.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.