حين -يوكع الفاس بالراس-

اعرف صديقا طلّق زوجته لسبب قد يبدو للبعض تافه وسخيف.
هذه الزوجة ،مثلها مثل عدد كبير من العراقيات لاتواجه المشاكل العائلية الا بعد ان “يوكع الفاس بالراس” ويكون الدم حينها بسبب ضربة الفاس قد غطت مساحة كبيرة من صالون البيت وحتى غرف نوم الاولاد.
هذه الزوجة تخاف من التغيير.. تخاف من المواجهة..انها متمسكة بقناعات تعتقد انها ستنهار حياتها في حالة التخلي عنها.
ولهذا فهى لاتنظر لأبعد من انفها تاركة السفينة تسير دون ان تدقق في بوصلة سيرها حتى اذا ما أصطدمت بجبل الثلج ولولت وصرخت طالبة العون والاستعداد لتنفيذ الاوامرحفاظا على ماتبقى من ركام ولكن هيهات فقد سبق السيف العذل كما يقال.
ويبدو ان سعادة رئيس وزرائنا نوري المالكي يحذو حذو هذه الزوجة،فالاحتجاجات التي اندلعت في الانبار لأكثر من سنة لم تجد اذنا صاغية.
بدعوى انهم سنّة،والحكم الطائفي لايريد لهؤلاء ان يظهروا للساحة السياسية ويناهضوا او ينافسوا الشيعة في الحكم خصوصا وان هناك اخطبوط يلعب لعبته القذرة في ترويج هذه القناعة بين البسطاء من الناس.
بدعوى ان رجال “داعش” يختبئون مع المحتجين ويقوموا بعملياته الارهابية كلما سنحت الفرصة ليعودوا بعد ذلك الى الاختباء بين المحتجين.
ويبدو ان المالكي حفظه الله منصت جيد لما يقوله له مستشاريه وينفذ حلولهم رغم انه قال اكثر من مرة انهم نقلوا له معلومات خاطئة عن الكثير من التحركات الشعبية.
ومرت سنة والحكومة تتفرج الى ان وقع الفاس في الراس فتحركت الشهامة “الامنية” وبدأ نزيف الدماء ولكن بعد أن استقر رجال”داعش” في مناطق عديدة من الانبار.
هذه السنة التي مرت شهدت الاهمال من قبل الحكومة الموقرة مما جعل العديد من رجال العشائر تلجأ الى”داعش” لعدم وجود خيارات اخرى لها.
وعبثا تحاول الحكومة الان اقناع العديد من رجال العشائر لشن حملة ضد “داعش” والوعد بتزويدهم بالسلاح.
هل فات الاوان؟.
بكل اسف اقول نعم، فهذه الحرب ستطول الى سنوات وكان من الممكن تلافيها في اول ايام الاحتجاجات.
ولأن العديد من رجال الحكومة “اميين” سياسيا لأنهم لم يعرفوا بعد ان لبنان شهد حربا على الهوية في ثمانينات القرن الماضي استمرت 25 سنة والسبب الطائفية.
في البحرين اعتقل الكثيرون واستشهد الكثيرون ومايزال الوضع مقلقا بسبب الطائفية.
والجحيم الذي اجتازته مصر قبل ايام رغم مقتل المئات كان بسبب الطائفية.
فهل يريد العراقيون ان يعيدوا تلك المآسي الى بلادهم؟.
بعض العراقيين “يركضون” لأستعادة تلك المشاهد لأنهم قبضوا المعلوم ولديهم جوازات سفر بلدان المهجر ويمكن ان يفروا في اي ساعة يشاءون بعد ان يتركوا هذا الشعب ممزقا.
وطيلة السنة الماضية وتحت شعار “الديمقراطية النكتة” كانت المناورات تجري مرة تحت الغطاء ومرة فوقه، وكان الشعار هو “ماننطيها”.
وبين” ما ننطيها” والديمقراطية يقف جيش من اللصوص مع ميليشياتهم فوق التل يتفرجون ويراقبون أي تحرك يخل بالامن القومي.
في الضفة الاخرى يقف اليساريون محاولين ان يجدوا لهم موطىء قدم دون ان يفكروا ولو لحظات بتغيير لغة الخمسينات التي يستعملونها الان ويريدوا من الناس يكونوا الى جانبهم.
اذن اين المفر؟.الملجأ هو في هذا الجيل من الشباب الذي سنحت له فرصة الانخراط مع التكنولوجيا والانغماس في ثورة المعلومات وما الفيسبوك وتويتر الاشاهد وخير دليل.
طوبى لشعب يتلذذ بتعذيب ذاته ويركض نحو المجهول حاسبا انه الامل المرتجى.
طوبي لشعب يرى نزيف الدم وهو مكمم الافواه.
طوبي لشعب يستاهل ان يعيش بامان ولكنه لايريد ذلك.
طوبى لشعب لايحرّك ساكنا فيما يدور من حوله.
طوبى لشعب يقول رئيس وزرائه “ان المواجهة الان بين انصار الحسين ورجالات يزيد”.
طوبى لشعب يتفرج على تسليم الملف الأمني الى منظمة بدر.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.