أرسل لي أحد الأصدقاء رسالة يسألني فيها لماذا لم يقم السريان دولة في سوريا؟ وجوابي هو:
لقد أقام السريان فعلاً دولة لهم في سوريا في عهد الحارث ابن جبلة الغساني، وهي الدولة السريانية الوحيدة في التاريخ. وقد حدث ذلك بعد وفاة والده جبلة الجفني في العام 529 ميلادي وانقسام مملكة أبيه إلى قسمين الجنوبي تملك عليه شقيقه أباكرب، وهو تملك على القسم الشمالي من وادي اليرموك جنوباً إلى جنوبي حلب حتى حدود الفرات شرقاً، ما عدا المدن المسورة التي كانت تخضع للبيزنطيين.
أحيا الحارث بن جبلة الكنيسة السريانية حين ساعد في رسم القديس يعقوب البرادعي من جانب بطريرك الاسكندرية الارثوذوكسي اللاخلقيدوني بشكل سري، وبعد ذلك رسم القديس يعقوب الاكليروس السريان جميعاً بعد أن كادت هذه الكنيسة تنقرض، وكانت مملكة الحارث مملكة سريانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى إذا كانت تعقد في مدينة الجابية المجامع الكنيسية التي تحل الخلافات بين الاسكندرية وأنطاكية، وبعد وفاة الحارث خلفه ابنه المنذر فسار على خطا والده وكانت الزعيم العلماني للمونوفيسيين جميعاً، وقد ذكر المؤرخ يوحنا الآسيوي أن المنذر عقد مجمعاً في القسطنطينية لإزالة الخلافات الكنسية الناشئة بين الاقباط والسريان المشهورة باسم قضية البطريرك بولس، ونجح في في ذلك، ولكن بعد وفاة جوستنيان وجوستين ووصول طيباريوس وموريقيوس إلى عرش بيزنطة أرادوا القضاء على هذه الدولة فأوقعوا بالمنذر ومن بعده ابنه النعمان، ونفوهما إلى صقيلية في حوالي العام 584، وتم القضاء في هذا التاريخ على أول وآخر دولة للسريان في التاريخ. وتفاصيل هذه الفترة يذكرها المؤورخ يوحنا الآسيوي في كتابه تاريخ الكنيسة.
الصورة: حنية كنيسة قصر المنذر بن الحارث في مدينة الرصافة (سيرجيوبوليس) وهي مدينة بناها والده الحارث بن جبلة على شرف شفيع الغساسنة القديس سيرجيوس.