يردد الاخوة المسيحيون كثيرا العبارة الشهيرة (الله محبة) ويركزون عليها في نشاطات الكرازة والدعاية الدينية لعقيدتهم, ويحاولون من خلال اضفاء نوع من الرومانسية الايمانية على هذه العبارة ايهام المتلقي بان الاله في الايمان المسيحي هو (محبة) مطلقة عامة وشاملة, ليكون بذلك متميزا ومتفوقا على مفهوم وتصور الاله المعبود لدى غيرهم من خلال الايحاء بان معبودهم هو (كراهية وبغض).
فهل هذا التصوير المسيحي للاله صحيح ضمن المنظومة اللاهوتية المسيحية؟
عبارة ( الله محبة) لم ترد ضمن اعلانات الله عن نفسه في الكتاب المقدس ولا على لسان اي من انبياء العهد القديم ولا حتى على لسان السيد المسيح, وانما وردت فقط ضمن رسالة لشخص مسيحي مجهول قالوا فيما بعد انه (يوحنا) احد تلاميذ المسيح ونسبوا له كتابة انجيل يوحنا والرسائل الثلاث المعروفة باسمه من دون وجود جزم او تأكيد حول شخصية هذا الرجل!
وقبل الذهاب لمناقشة عبارة يوحنا الشهيرة في رسالته علينا التوقف اولا عند العهد القديم لنتفحص ونرى هل الله في العهد القديم كان(محبة) بالمعنى المطلق الشامل الذي يحاول الاخوة المسيحيون تصويره لنا؟
اله العهد القديم (والذي هو نفسه اله المسيحيين لكن بنسخة محدثة) اعلن بشكل واضح ان محبته وهبها لفئة محددة من البشر, وهم بنو اسرائيل والنصوص في هذا المعنى واضحة جلية لاتقبل التأويل
(وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ) ارميا 30-3
(بل من محبة الله إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم) تثنية 7-8:6
(اذ صرت عزيزا في عيني مكرما وأنا قد احببتك اعطي اناسا عوضك وشعوبا عوض نفسك) اشعيا4:43
فالعهد القديم يخبرنا ان الرب هو الذي اختار بني اسرائيل وخصهم بمحبته (الابدية) ورحمته (الدائمة).
دعي شعب إسرائيل ابن الله أو أبناء الله لانهم كانوا موضوع محبته الخاصة وعنايته. وقد
مقابل هذا الاعلان الواضح باختصاص الرب بمحبته لعنصر محدد من البشر,لم ترد في العهد القديم اي عبارة تدل على ان الرب هو محبة عامة شاملة لكل البشر ولم يذكر هذا المعنى اي نبي من انبياء العهد القديم.
وبالعودة الى صاحب العبارة الشهيرة (الله محبة) نجد السيد يوحنا في رسالته الاولى يوجه خطابه الى (الاحباء) الذين يشاركونه نفس المعتقد, ويعمد الى تقسيم الناس الى فئتين: (نحن) و (هم)!
حيث نجد يوحنا يصنف نفسه مع احباءه ضمن فئة(نحن) الذين اعترفوا بالمسيح فاصبحوا من(الله) ليميزوا انفسهم عن باقي الناس(هم) الذين اعتبرهم ليسوا من (الله) لانهم روح ضد المسيح!
ونجد يوحنا يخاطب احباءه الذين يشاركوه في معتقده قائلا
(نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا)
ثم يخصص يوحنا كلامه اكثر فيقول:
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ
وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ
بعد ذلك مباشرة ياتي السيد يوحنا الى بيت القصيد:
(بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ) رسالة يوحنا الاولى 4
يتضح من هذا العرض ان يوحنا خصص محبة الله في فئته لانهم من (الله) فكانت محبة الله لهم وفيهم!
وبذلك يكون العهد الجديد قد نقل (اختصاص) محبة الله من الاسرائليين- رغم تأكيد الله المسبق لهم بانها (ابدية) في العهد القديم- الى فئة جديدة وهم المؤمنون بالعقيدة المسيحية القائمة على فكرة تجسد الله والفداء.
الاخوة المسيحيون في نشاطاتهم التبشيرية يتعمدون اخفاء هذا المعنى الواضح في النص ويلجأون لعملية الاجتزاء والمراوغة اللفظية للايحاء للمتلقي بمعنى رومانسي جذاب يشعره ان الايمان المسيحي يقوم على الاعتقاد بان الله هو محبة للجميع بشكل مطلق وشامل بخلاف الهة الاخرين التي تتصف بالكراهية وتعاقب البشر وتنتقم منهم, وهذا مع الاسف نوع من انواع الخديعة والمراوغة المعتمدة في الدعاية التبشيرية.
في العقيدة المسيحية نجد ان محبة الله (مشروطة بالايمان) لان من سينتفع من هذه المحبة هم المؤمنون فقط.
(لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة ُ) يوحنا 16:3
فالذي يشارك الاخوة المسيحيين عقيدتهم هم فقط الناجون الذين سيتلذذون بمحبة الله والحياة الابدية ,اما بقية مليارات البشر الذين لايشاركوهم نفس الايمان فسيكون مصيرهم الهلاك في (جهنم) حيث يخلدون الى جنب الشياطين لينعموا ب(محبة) الرب يسوع الذي قذفهم هناك لانهم لم يقتنعوا او لم يسمعوا بالوهيته حتى وان كانوا قد قضوا كل حياتهم في اعمال البر والخير, فكل ذلك لن ينفعهم عند رب (المحبة) الذي جعل نتائج محبته وثمرتها مقصورة على الذين قبلوا به ربا بغض النظر عما اقترفوه في حياتهم من شرور واثام او اذى لبني البشر!
ومن ذلك يتضح لنا ان المحبة (الدعائية) التي يكرر العزف على اسطوانتها اخوتنا المسيحيون هي محبة (عوراء) وفارغة المضمون لانها محبة (متحيزة) لفئة محددة وبنفس الوقت (ناسفة) لمبدأ العدالة الالهية التي هي مبدأ بديهي يتفق عليه جميع البشر.
وللحديث صلة في حلقة قادمة.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
للعزيز د جعفر الحكيم …؟
١: كقاري للكتب الثلاث لم توفق في طرحك تماماً ، فما قلته هو نصف الحقيقة ونصف الحقيقة أخطر من الحقيقة كلها ؟
٢: للعلم ان السيد يوحنا (القديس يوحنا) هو الوحيد الباقي حياً من حواري المسيح ومات عن عمر 103عام منفياً في جزيرة بطمس ؟
٣: نعم محبة الله هى مشروطة فهل من المنطق أن يساوي بين الأتقياء والقديسين وبين السفلة والمجرمين ، حتى المنطق الاسلامي لفهم الله مشروط ، كما جافيا الحقيقة التي تقول { من أمن واعتمد خلص … ومن لم يؤمن بدان} فكيف تدعي أنه سيلقيهم في جنهم حسب هواه ، وحتى الذين ليس لهم ناموس (أي شريعة) فيدافعون بشريعة ضميرهم
٤: لنفترض أن ماتدعيه صحيح عن السيد يوحنا وعن اله المسيحيين (السيد المسيح) والذي في شرعك مجرد نبي ، فبالمنطق والعقل وانت دكتور وحكيم أليس أفضل من نبي سالب وناهب وغازي وغاصب وقاتل وهاتك ؟
٥: وأخيراً …؟
نعم الحياة كما الشرائع والطبائع تتغير وتتطور ولكن نحو الاسمى والأفضل والأرقى وليس نحو الاقدر والاسوأ ، صح ، ، لذا فمحبة عوراء أفضل من محبة تطبق بحد السيف وعمياء ، لذا كونو منصفين في طرحكم لان ليس كل البشر سذج وعمى وأغبياء ، وللحديث كما قلت بقية والى اللقاء ، سلام ؟
الاخ العزيز السندي
شكرا لحضرتك على ملاحظاتك
واشكرك على الاتفاق معي بان (محبة الله) في الايمان المسيحي (مشروطة) و (عوراء) وهذا ماحاولت توضيحه في المقال
خلافا لادعاءات المكرزين ومحاولاتهم اضفاء الرومانسية على هذا المفهوم وتصويره بشكل جذاب
بالنسبة ليوحنا : فالمقال ليس حول شصية يوحنا (التلميذ) لكني فقط اشرت الى ان كاتب انجيل يوحنا شخصية ليس مقطوع بمعرفة هويتها ونسبة الانجيل ليوحنا التلميذ امر غير مؤكد
المقال مجرد مقدمة لسلسلة متكاملة , لكنها ليست في مجال مقارنة المسيحية باديان اخرى كالاسلام او غيره وانما دراسة نقدية للنص المسيحي وحسب
بقية تساؤلاتك ستجد اجابات لها في الحلقات القادمة فارجو ان لاتستعجل
تقبل مني جزيل الشكر ووافر الاحترام
مع المحبة والود