حقائق

بعد ان انهينا المرحلة الثانوية بتفوق قدمنا الى العاصمة لاستكمال الدراسة في كلية الطب واستطعنا في الايام الاولى للدراسة تدبير امورنا بالنوم هنا وهناك او بالتسلل الى غرف المدينة الجامعية الخالية والنوم على الفرش المستهلكة البالية ريثما ندبر امر سكن مناسب . في المحاضرات الاولى كنا نشعر بعدم ارتياح وقلق ننظر حولنا ونرى اختلاف الوجوه وبروز لهجات دمشق وحمص وغيرها من المحافظات المعروفة , كنا نشعر بشيء من الغربة ونتحرج من سؤالنا : انتم من اية محافظة ؟ لان معظمهم لا يعرف السويداء وعندما تقول له من السويداء كان يبتسم ويبتعد كمن التقط سرا خافيا ويريد ان يكون اول من يخبر به أصدقائه لم ننشئ صداقات مع الأخرين الا بالمراحل الدراسية الاخيرة حين تكرر الحديث بيننا واعتادت الوجوه على بعضها وصارت لنا أفكارنا الخاصة وللأسف كانت كل صداقاتنا من الطوائف الاخرى أو من المسيحيين . ,كان الطلبة يعرفون السويداء انها في الجنوب ويعرفون انها التجمع الاساسي في سوريا للدروز وينظرون اليها بنمطية دينية اجتماعية سلوكية معينة ويدللون على معرفتهم بتكرار اسم ايقونة الدروز سلطان الاطرش .. انها بلد سلطان .. وكنا كالطفل الذي يستطلع الاشياء الجديدة ننظر الى غرفتين خصصتهما الكلية مسجدين واحد للذكور واخر للإناث يعاود الدخول والخروج منهما شبابا بلحى فتية خفيفة وشابات يرتدين الحجاب السميك والمانطو الطويل وتساءلنا بين انفسنا عن هذه الخاصية التي تجعل الكلية او الدولة تخصص مكانا لممارسة شعائر الاعتقاد لدين معين داخل مبنى المدرجات ؟ اذا كان الامر كذلك فيجب عليها كذلك ان تخصص كنيسة صغيرة لمن يريد التعبد من المسيحين ؟ ومكان لقاء ديني للإسماعيليين وللدروز والعلويين ؟ هذا هو العدل وهذا هو المنطق في بلد شبه علماني يساوي بين الجميع كما كنا تعتقد ؟! .

بالنسبة لنا كان الدين منقطه صغيرة في عقولنا مزيج من كلام قديم واسماء وتواريخ غابرة وآخر اهتماماتنا الفكرية والعملية , يثير النكت والضحك بيننا في احيان كثيرة خاصة ما يتعلق منها بأسماء واماكن المزارات والمقامات المنتشرة عندنا فلا أحد يدري من هو السيد عبدمار وكيف جاء عمار بن ياسر لينصب له الدروز مقاما على سفح تله في اللجاة وكيف قدر للنبي شيت ان يتذكره اهل قرية منسية على طريق دمشق السويداء؟ . فنحن لا نعرف عنه الا ما كنا نسمع شذرات من الكلام من هنا وهناك وكانت والدتي ان تحدثت بالدين مع أحدهم لا تتحدث امامي وتصمت ان دخلت فجأة , كانت تقول لا يصح الحديث بالدين أمام الصغار لان عقلهم غير مهيئ للفهم , الدين لمن تخطى سن الاربعين ولمن طلبه لنفسة واراد ان يصبح متدينا – شيخاً – لنتخيل معاً لو ان هذا المبدأ يطبق على عموم سوريا : لا حديث بالدين امام الصغار الى أن يكبروا الى سن معين ! . وكانت تصوم سرا في الايام العشرة التي تسبق عيد الاضحى ولا تجيب على سؤالنا ان سألناها هل انت صائمة ولا ادري بالحقيقة من اين جاء الدروز بهذه الشعيرة وكيف دخلت عليهم فهم لا يحجون ولا يصومون في شهر رمضان هذا ان تذكروه اصلا ولا يصلون صلاة السنة على الاطلاق وليس هناك كتب دين في المنازل وكان في السويداء جامعا واحداً لا اذكر اني اقتربت من سوره طيلة حياتي وكان له امام يسكن قريبا من حارتنا كنت التقي به أحياناً خارجا من البيت وانا ذاهب الى السوق او السينما فيرجف قلبي خوفاً منه وانا اتخيله وبيده سيفا يقطع الرؤوس بوجه دون تعابير كانه ينجز عملا عاديا فكتبنا ومنذ المرحلة الابتدائية كانت تحوي الكثير من القصص عن الغزوات والانتقام من الاخر بقطع الرأس . يصح دون مواربة ان نسمي الطائفة الدرزية كما يقولون عنها الان دينا درزيا مستقلا فللدروز عقيدة مستقلة جمعية تميزهم عن غيرهم و طقوس خاصة قليلة يتداخل فيها الاجتماعي مع الديني مع اساطير وحكايا خرافية مثل غيرهم , وشباب وشابات االدروز والإسماعيليون والعلويون منفتحون ميالون االى حب الحياة والتحضر لا يتحدثون عن الدين ولا يبشرون به ولا يهمهم زيادة اعدادهم . ومن التناقضات غير المفهومة ان الدولة تعترف بالدروز ظاهريا كطائفة مستقلة مسلمة وتسميها طائفة المسلمين الموحدين وتخصص لها محكمة خاصة للاحوال الشخصية لكن إن اراد مسلما موحدا ان يتزوج من مسلمة سنية وأو شيعية حصراً تلزمه الدولة ان يكتب على نفسه اقرارا يفيد انه عاد الى السنية او الشيعية أي ان الدولة قانونا لا تعترف الا بالسنة او الشيعة اسلاما وتعتبر بقية الطوائف الحاقا شكليا هامشيا يفيد الدولة في احيان كثيرة ولا يضرها يخدمون في الجيش وتختار منهم الأخرس والاطرش لمناصب غير هامه استكمالا للوحة الدولة الشاملة . أورثتنا الدولة الخجل من عقائدنا وطوائفنا هل سمعت يوما عن نادي او جمعية تكتب علنا جمعية او ناد الشباب الدرزي او العلوي مثلا ؟ ربما تراها في استراليا وكندا وليس في سوريا . بعد مضي اكثر من خمسين سنة من التعليم الديني في المدارس لم يتحول احد من الطوائف المعروفة في سوريا الى -الدين – السني ولولا التبرعات المشبوهة واتصال البدو وغيرهم مع اغنياء من خارج سوريا لبقي في السويداء مسجدا واحدا اثريا لا يدري به احد ولم يذكر التاريخ فيما اعلم ان احدا من العلويين او الدروز أو الإسماعيليين دخل الى كلية الشريعة وتخرج منها شيخا او مدرسا للتربية الاسلامية , وكانت كل الآيات والاحاديث التي تطلب منا المدرسة حفظها تمحى من الذاكرة فورا بكلمة من الام او تعليق من الاب . الان تكرر الدولة سياسة الماضي وكان شيئا لم يتغير في هذه البلاد وتعيد الينا التعليم الديني في المدارس كما كان , لقد جرى الكثير من الكلام والنقد العلني حول جدوى وكتب التعليم الديني , التعليم الحكومي يجب ان يكون مستقلا , الدين والاعتقاد من اختصاص المنزل واماكن العبادات والمعاهد الخاصة المتخصصة . اذا كانت الدولة لا تستطيع تخطي التعليم الديني الحكومي ولا يوجد شجاع يستطيع كما يقولون ان يعلق الجرس براس القط عليها من الناحية الاخرى ان تسمح بسياسة منفتحة للتعليم الخاص تعادل الكفة قليلا وتخلق جيلا مختلفا منها مثلا :
– السماح بافتتاح مدارس خاصة ابتدائية مختلطة تتبنى منهجا تعليميا مستقلا واسلوب تعليمي متطور يمزج بين الاستمتاع والقراءة يمارس فيها الاولاد عمليا عادات الطعام المتحضرة وغسيل الوجه وفرشاة الاسنان ويتعلمون اناقة الملبس ونظافته
-السماح بافتتاح مدارس ثانوية مميزة مختلطة خاصة لها منهجها الدراسي ولها سياسة تعليمية وتثقيفية مستقلة مثل عدم السماح بوضع الرموز الدينية والحجاب ناهيك عن النقاب وتشجيع المعسكرات العلمية والترفيهية المختلطة وتعويد الشباب والشابات على الاختلاط والحديث والمنافسة – عسى ان تُغسل عقُولهم من تراكمات فقه – المراة المكرمة –
-توسيع وزيادة عدد الجامعات الخاصة وفق رؤية جامعية متحضرة لا تتدخل بها الدولة وتعطيها استقلالا ماديا وعلميا لاتسمح بالنقاب أوالحجاب والرموز الدينية وتتبنى منهجا متطورا يعتمد على النقاش وتبادل الآراء والبحث والقراءة المستمرة ترتبط مع جامعات العالم بالتبادل الطلابي والزيارات .

About مروان الشامي

أنا مروان الشامي طبيب سوري مهتم بالمدنية والتحضر أعمل خارج سوريا حاليا
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.