“حزب الله” يسلب اللبنانيين أعزّ ما لديهم

صمد لبنان طويلا. أي بلد في العالم يتعرّض لبعض ما تعرّض له لبنان، في أقلّ من نصف قرن، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969، يتفكّك وينهار ويتحوّل الى دولة فاشلة.

صمد لبنان أكثر بكثير مما يظن البعض. ولا يزال الى اليوم صامدا على الرغم من ظهور علامات تشير الى أنّ شيئا ما سيتغيّر فيه. للمرّة الاولى، هناك شعور في بيروت والمدن والمناطق اللبنانية بأنّ اللبنانيين فقدوا أعزّ ما لديهم. فقدوا الأمل الذي سلبهم ايّاه الحزب الايراني، خصوصا في ظلّ النجاح الذي حقّقه النظام السوري، العلماني ظاهرا، في جعل قسم من اللبنانيين يتحوّلون الى مدافعين عنه من منطلق مذهبي.

حصل ذلك نتيجة استثمار ايراني في «حزب الله». عمر هذا الاستثمار يزيد على ثلاثين عاما… وحصل دائما بتسهيل سوري ومن منطلق مذهبي ضيق بحت.

ادى هذا الاستثمار الى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية والصيغة اللبنانية على مراحل. استهدف قبل كلّ شيء تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان. هذا المجتمع ما زال يقاوم، ولكن من يضمن استمرار هذه المقاومة بعد الذي حصل قبل أيّام أمام السفارة الايرانية؟

قتل أمام السفارة شاب شيعي اسمه هاشم السلمان لمجرّد أنه اعترض على السياسة الايرانية في سورية وتورّط الميليشيا الايرانية المسمّاة «حزب الله» في الحرب التي يشنها النظام على الشعب السوري! 

لم يعد في لبنان من يلاحق القاتل. لم تعد هناك مؤسسة قادرة على فتح تحقيق في جريمة واضحة ابطالها معروفون جيّدا، وربّما أكثر من اللزوم. صار لبنان دولة شريعة الغاب. لم يعد هناك من يحمي اللبنانيين من سطوة «حزب الله» وجبروته. صار كلّ لبناني مجبرا على الخضوع لما يريد الحزب ومن خلفه ايران، بما في ذلك القبول بأن تسمّي طهران رئيس مجلس الوزراء السنّي، كما حصل مع نجيب ميقاتي. اضطر نجيب ميقاتي الى تشكيل حكومة ليس فيها سوى تابعين لـ«حزب الله». تنكّر لطائفته، كما تنكّر للمسيحيين الذين حصر تمثيلهم بأداة ايرانية اسمها النائب ميشال عون. هل من اذلال اكبر من هذا الاذلال يمكن أن يلحق بالسنّة والمسيحيين والدروز؟

حتّى نجيب ميقاتي، اضطر في النهاية الى الاستقالة. جاء تمّام سلام. ممنوع الآن على تمّام سلام، رمز الاعتدال والتعقل، تشكيل حكومة لا تكون تابعة لـ«حزب الله»، أي لايران. نتيجة ما نشهده حاليا في لبنان هو تدمير مؤسسة مجلس الوزراء. يترافق ذلك مع تعطيل المجلس النيابي، تمهيدا للوصول في مرحلة لاحقة الى ايجاد فراغ في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش…

ما يفعله «حزب الله» حاليا بلبنان لا يقتصر على ازالة حدود الدولة اللبنانية بربطه منطقة بقاعية يسيطر عليها بالساحل السوري، حيث يعتقد أن هناك أكثرية علويّة. هناك ايضا محاولة واضحة لعزل لبنان عن محيطه العربي، خصوصا عن أهل الخليج الذين لم يقصّروا يوما في دعم الوطن الصغير.

منع «حزب الله» اهل الخليج من زيارة لبنان. فوق ذلك، صار كلّ لبناني يعمل في الخليج مهددا برزقه. ما يفعله الخليجيون هو الدفاع عن أمنهم في وجه حزب يعتبر نفسه مرتبطا بشكل عضوي بالسياسة الايرانية، بل ويفخر بتقديم مصلحة ايران على كل ما هو لبناني وعربي.

نتيجة ذلك كلّه، بات كل لبناني يشعر بأنه مهدد بمستقبله ومستقبل ابنائه. يشعر ايضا بأنّ كل المؤسسات اللبنانية تتداعى وأن لا أمل بلبنان بعد الآن. يشعر اللبناني بأن رهان ايران هو على الفراغ ولاشيء آخر غير الفراغ. مطلوب بكلّ بساطة نشر البؤس في الوطن الصغير. مطلوب نشر ثقافة الموت وتعميمها في كلّ الاراضي اللبنانية.

في النهاية، مطلوب رضوخ اللبنانيين لـ«القمصان السود»، أي لميليشيا «حزب الله». هذه الميليشيا هي التي جاءت بنجيب ميقاتي رئيسا للوزراء وهي التي تقتل كلّ لبناني، بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها، في حال قال كلمة حق، كما حصل اخيرا مع هاشم السلمان، ابن بلدة عدلون الجنوبية…

ما زال اللبنانيون يقاومون. المشكلة أن ليس هناك من يريد مساعدتهم في مواجهة ثقافة الموت التي تسعى ايران الى فرضها على بلدهم بالقوة من جهة وتغيير طبيعة المجتمع اللبناني بعد نجاحها في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي من جهة أخرى.

انتقل هذا المجتمع من مجتمع منفتح خلاّق متمسّك بثقافة الحياة الى مجتمع منغلق على نفسه، على الطريقة الايرانية وهو مجتمع مرفوض شعبيا في ايران نفسها.

هل من امل في استعادة اللبنانيين الأمل؟ من الصعب الاجابة عن السؤال. لكن الحاجة تبدو الى معجزة أكثر من أي شيء آخر. انها الحاجة الى بقاء لبنان كما هو بعد تغيير مجموعة مسلّحة فيه الحدود الجغرافية للبلد وفي ظلّ الاصرار على تكريس الفراغ سياسيا واقتصاديا وامنيا على كلّ المستويات.

يبقى أن ما يبعث على التمسّك بالامل، ولو ببصيص أمل، أن لبنان مرّ منذ 1969 في ظروف صعبة. من كان يصدّق أن القوات الفلسطينية يمكن ان تخرج يوما من لبنان؟ من كان يصدّق أن القوات السورية ستعود الى سورية؟ من كان يصدّق أن الميليشيات المختلفة ستحلّ ولن تبقى سوى ميليشيا واحدة تعتقد أن في استطاعتها السيطرة على البلد وتغيير حدوده وطبيعة العيش المشترك بين اللبنانيين وبين المذاهب بعد اختراق بيروت السنّية والمناطق المسيحية من كلّ الجهات وعلى كلّ المستويات. 

لا شكّ أن ما تشهده سورية حاليا منعطف تاريخي على الصعيد الاقليمي. فازمة سورية أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته. لماذا الاصرار الايراني على نقل أزمة الكيان السوري الى لبنان؟

* نقلا عن “الراي” الكويتية

About خيرالله خيرالله

كاتب صحفي ومحلل سياسي
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.