صار من شبه المحسوم أن أكثر المتخوفين من وصول ميشال عون الى بعبدا هما نبيه بري ووليد جنبلاط. فالرجلان ارتعدا من الإشارات “غير السلبية” التي أرسلها سعد الحريري إلى الرابية. ويبدو أن “مسيحيّاً قوياً” أيقظ ذاكرات كانت طوتها سنوات الانقسام المستجد (الشيعي والسنّي). جنبلاط يُمثّل له عون استيقاظ الطموحات المسيحية بتصدر التمثيل الجبلي، وبري بدأ يستشف طموحات نفطية لدى الجنرال وصهره.
الحريري التقط على ما يبدو ذبذبات التوتر، فقال للزعيمين الشيعي والدرزي، عليكما أن تخوضا معركة رفض الجنرال وأن تدفعا ثمنها، في حين يُراهن صاحبا المعركة على أن تأتي تعليمات سعودية لكتلة المستقبل برفض ترشيح الجنرال، فيتخففا هما من دفع الأثمان.
“حزب الله” من جهته في موقع مُشابه لموقعي جنبلاط وبري، لكنه في وضع أكثر حساسية، فهو حليف الجنرال، لكن وصول الأخير الى الرئاسة خسارة أكيدة له. فبالنسبة إلى الحزب يبدو عون حليفاً لأن طموحه لم يتحقق، وهو أيضاً حليف لأن عُزلة دولية وإقليمية مضروبة حوله. لا شيء مضموناً إذا ما استعاد الجنرال عافيته وإذا ما فُكت العزلة من حوله. ثم إن رئيساً للجمهورية من نوع قائد الجيش مثلاً لا يُضرّ بالحزب، ويُبقي على الحليف المسيحي كما هو، حليفاً ومسانداً ولكن من دون طموحات فعلية في القيادة وفي الشراكة.
مرشّح بري وجنبلاط، على ما يتسرّب من “مجالسهما” اليوم هو النائب روبير غانم، والرجل هو امتداد لنوع من الرؤساء الذين تعاقبوا على كرسي الرئاسة منذ عام 1990، وكانوا الشريك الضعيف في السلطة.
هذا المشهد يوحي فعلاً بوجود فرصة لأن يكون للبنانيين دور حاسم في اختيار رئيسهم. ربما مثّل كلٌّ من حسن نصر الله وسعد الحريري إرادات غير لبنانية في تحديد في هذه المسألة، لكنّ الرجلين يُمثلان في نهاية الأمر شيئاً ليس هامشياً في التركيبة اللبنانية.
في السابق كان الرئيس يأتي بقرار سوري كامل. فقد قال غازي كنعان للنواب علناً وفي مناسبة عامة “عليكم أن تصوتوا للتمديد للرئيس الياس الهراوي علناً وبرفع الأيدي”! ففعلوا، وكرر رستم غزالي الأمر نفسه خلال التمديد للرئيس أميل لحود، فكرر نوابنا الأحرار طقس الامتثال.
الأمر مختلف اليوم. وستكون لتبديد الفرصة ارتدادات كبيرة على مستقبل المسيحيين في لبنان، لن تقلّ عمّا أصابهم خلال حربَي الجبل والإلغاء، مع فارق يتمثل في أنهم هذه المرة سيتحملون هم مسؤولية تبديد الفرصة أكثر من غيرهم. الانقسام قاتل فعلاً هذه المرة، والعلاقة المستحيلة بين سمير جعجع وميشال عون ستكون مسؤولة عن انتكاسة جديدة في مستقبل الجماعة.
يقول قطب في “8 آذار” إن الحريري طلب من عون التزامات خطية تجاه جعجع حتى يسعى لإقناعه بتسوية. ويبدو أن هذه “التسريبة” هدفها القول إن عون سيكون رئيساً مقيداً بالتزامات خطية تجاه جعجع ولن يكون مرشح “8 آذار”، فهو مرشحها إذا كان مقيداً بتفاهم “مار مخايل”.
جعجع محق في طلب ضمانات خطية، فتاريخ العلاقة بين الرجلين يستدعي هذا الطلب. وعلى عون أن يكون مقيداً بضمانات لرجل لن يكون رئيساً من دون تسوية معه. هذا حرفياً ما ستبني عليه “8 آذار” رفضها عون رئيساً.
وفي النهاية يبدو أن التسوية مستحيلة، وكاتب هذه السطور ما إن يذهب بسيناريو وصول عون إلى بعبدا إلى آخره، حتى يختنق بمشهد العونيين هناك، ثم يعود ويتنفس الصعداء عندما يشعر بصعوبة أن يتحقق هذا السيناريو الخيالي.
التسوية صعبة الى حد الإختناق… لكنها ضرورية