تحالفت بريطانيا العظمى مع الإمبراطوريه الروسيه سنة 1907 وهذا معناه تطويق أوربا من الشرق الى الغرب بوجه المصالح الأمريكية المتعاظمة في القاره , ولهذا فقد كانت مصلحة أمريكية ملحه أن تندلع الحرب العالمية الأولى لتدمير هذا التحالف .
ومن أجل أن تضمن الولايات المتحدة الأمريكيه عدم حصول أي تنسيق مستقبلي بين شرق القارة الأوربية وغربها فقد كان من أهم متطلبات إدامة مصلحتهم : تثبيت نظام بلشفي في روسيا لا يتعايش ولا يتحالف مع أي شكل من أشكال برجوازية أوربا الغربيه , وبناء على هذا تأسس الإتحاد السوفييتي .
لم تستسلم بريطانيا للأمر الواقع بل قاتلت منذ عام 1917 وحتى عام 1923 بما يعرف بالحرب الأهلية الروسيه بمشاركة جيوش 11 دولة عداها , ضد كل ما هو بلشفي مدعوم من قبل الأمريكان , ولم تكتف بالجهد العسكري المبذول , لكن جهودها الدبلوماسيه أفلحت في العام 1919 بتأسيس ( عصبة الأمم ) بمقاعد دائمه لكل من : بريطانيا , إيطاليا , فرنسا واليابان .
الولايات المتحدة الأمريكيه رفضت التوقيع على أي وثيقة من وثائق عصبة الأمم لأنها كانت تريد لنفسها دوراً أكبر في تلك العصبه , ويعتبر هذا الموقف الأمريكي واحداً من أهم الأسباب التي أدت الى وقوع الحرب العالمية الثانيه , حيث سيضمن فيها الأمريكان تدمير عصبة الأمم , إضافة الى مكاسب أخرى .
في الفتره ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانيه كان الأمريكان قد نجحوا بزرع الماركسية الماويه في الصين وبذلك قطعوا أصابع البريطانيين واليابانيين عن التشبث بهذا البلد الآسيوي المأهول بالسكان الجاهزين للإستعباد .
كما نجح الأمريكان في دحر الحزب الفاشي الذي أسسته المخابرات البريطانية في ايطاليا للوقوف بوجه المد البلشفي في القاره الأوربيه وجعلوا إيطاليا توقع على معاهدة إستسلام مذله , لا تقل مذلة عن معاهدة استسلام اليابان .
فرنسا التي سقطت باريسها تحت الإحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانيه , كان عليها مغادرة الكثير من مستعمراتها ثمناً للتحرير الذي حققه جنود أمريكان قاتلوا الألمان على الأرض الفرنسيه .
إستطاع الأمريكان تحقيق نقلة ثمينه على رقعة الشطرنج الأوربيه , حين تمكنوا من زرع نظام ماركسي في خاصرة أوربا الرخوه المطلة على 5 بحار والتي تحتل الساحل الشرقي من بحر الأدرياتيك وذلك بتنصيب تيتو رئيساً جمهورياً فيدرالياً ماركسياً على قلب أوربا الذي كان يعرف بمملكة يوغسلافيا , هذه النقله ضمنت للأمريكان بقاءهم الدائم في أوربا حتى لو تحالفت ضدهم جميع أمم أوربا , وهذه الجمهورية الفيدراليه الماركسيه هي التي ستتزعم حركة تسليم العالم النامي الى عبودية الأمم المتحده .. ومالكها الأمريكي .. وكما سنرى .
بعد كل الحروب الضروس على جميع الدول الدائمة العضويه في عصبة الأمم , لم تبق غير بريطانيا التي وجدت نفسها مضطرة الى حل العصبة والدخول في تشكيل دولي جديد يدعى ( هيئة الأمم المتحده ) تم تأسيسها من قبل الولايات المتحدة الأمريكيه وبريطانيا … ثم دُعِيَّت اليها بقية الدول تحت صفات مختلفه : مراقبين أو مستمعين أو حتى لمجرد ( تسقيط فرض ) ملء كراسي جلسات الهيئه , لكن أصحاب القرار الحقيقيين في هيئة الأمم المتحده هم : الأمريكان , مع هامش قرار تافه للبريطانيين .
البنك الدولي واحد من مؤسسات هيئة الأمم المتحده ويتكون البنك الدولي من خمس مؤسسات هي : البنك الدولي للإنشاء والتعمير , مؤسسة التنميه الدوليه , مؤسسة التمويل الدولي , وكالة ضمان الإستثمار متعدد الأطراف , والمركز الدولي لتسوية المنازعات الإستشاريه . وقد تأسس البنك كآليه من آليات الأمم المتحده عام 1945 .
صندوق النقد الدولي هو الآخر من آليات عمل هيئة الأمم المتحده تم تأسيسه عام 1945 ومهمته مراقبة إمكانية الدول المقترضه من الأمم المتحده على سداد ديونها وقروضها ورسم السياسات الخاصه بتلك الدول عن طريق الفرض عليها بتسجيل كل صغيرة وكبيرة داخل حدودها وجعله عرضة لإطلاع صندوق النقد الدولي لكي يتأكد الصندوق أن المال المقترض يصرف من أجل نفس الغاية التي تم منح القرض بسببها , وبطبيعة الحال أن الإطلاع يجري دوماً لأغراض وغايات بعيدة تماماً عن حاجة البنك ولأسباب سياسيه .
ومن أجل وضع آليه لتشغيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كان تأسيس حركة عدم الإنحياز أمراً لازما ً.
المباديء الأساسيه الخمسه التي قامت عليها حركة عدم الإنحياز هي :
# الأحترام المتبادل للسلامة الإقليميه للبلد الآخر وسلامته .
# عدم الإعتداء .
# عدم التدخل في الشؤون الداخليه للبلد الآخر بشكل متبادل .
# المساواة والمنفعه المتبادله .
# التعايش السلمي .
بطبيعة الحال … تأمل هذه المباديء الخمسه يجعلنا ندرك على الفور أنها ليست أكثر من خمس دعابات كبرى وهي ليست أكثر من حبر على ورق لأن أياً من هذه المبادي لم يحترم ولم يوضع موضع التنفيذ من قبل أية دولة عضو في هذه الحركه , غير أني أريد إلقاء المزيد من الضوء على النقطة الخامسة الخاصة بالتعايش السلمي .
عند نهاية الحرب العالمية الثانيه وإعلان الحرب البارده التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لتجميد أي شكل من أشكال العلاقه بين شرق القارة الأوربية وغربها – رغم أن ذلك ضد مصلحة الأوربيين أنفسهم – وحال الإعلان عن ( الستار الحديدي ) الذي يفصل شرق القارة عن غربها ودمار العلاقة الروسية البريطانيه , فكرت الولايات المتحدة الأمريكيه في مقدار النفع الإقتصادي الذي سيعود عليها من دول الإتحاد السوفييتي لو قامت بحلحلة الموقف مع الإتحاد من أجل إقراضه بعض المال الذي لن يتمكن أبداً من تسديده , وبذلك يضمن التأثير على قرار الحكومة السوفييتيه بشكل كبير , في تلك الفتره مات ستالين , وتسلم الحكم بعده خروشوف الذي أصبح يتكلم علناً عن نبذ اللينينيه والتقارب مع الغرب بما دعاه هو ب ( التعايش السلمي ) بينما الغرب كان يدعو العملية ب ( الإنفراج ) . من أول وأهم شروط التعايش السلمي أنه ليس تعايشاً بين الشعوب بل هو تعايش بين الحكومات فقط , أما الهيئات والمنظمات والنقابات فعليها مواصلة النضال الطبقي من أجل تحقيق أهدافها ولا يجوز لها أن تنسق فيما بينها كي تتعايش سلميا ( لأجل المزيد من التفاصيل أرجو العوده الى كتاب _ فودكا كولا _ للمؤلف جارلس ليفنسون ) .
حين تبنت حركة عدم الإنحياز مبدأ التعايش السلمي على هذا الأساس , رأينا تطبيقات مذهلة القسوه في جميع أنحاء العالم , لأن جميع دول العالم كانت قد خرجت من حربين مدمرتين ومعظم هذه الدول كانت خاضعه لدول إستعماريه قديمه , وعانت من القتال لتبدل مستعمرها القديم بالمستعمر الأمريكي الجديد .
حسب مبدأ التعايش السلمي الذي تبنته حركة عدم الإنحياز سنجد قادة هذه الدول وهم ليسوا أكثر من دمى أمريكية الصنع سيسعون الى الإقتراض من البنك الدولي , وبشروط صندوق النقد الدولي بما يجعل دولهم عرضه للمراقبه والتفتيش والتجسس والخضوع الى شروط الصندوق .
على سبيل المثال لا الحصر حين تقدمت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية بطلب قرض من البنك الدولي تم تخصيص مبلغ 250 مليون دولار لإقراضها .. لكن صندوق النقد الدولي أبلغ الحكومة الفرنسيه بأنه لكي يودع المال في حسابات الحكومه فإن عليها أن تطرد عددأً من طاقمها الحكومي لأنهم شيوعيون .
أما سوكارنو وهو عضو مؤسس في حركة عدم الإنحياز فقد سلم أندونيسيا الى البنك الدولي دولة مفلسة الى حد اليوم رغم أن عدد سكانها وصل الى حوالي 400 مليون نسمه منتوجهم القومي يذهب جميعه ليس الى تسديد قروض البنك الدولي .. ولكن الى تسديد فوائدها المتراكمة فقط … ويعترف البنك الدولي بأن فوائد دين البنك الى دول العالم تتراكم بشكل حولي بمعدل 20% للحول . حكومة سوكارنو وحدها التي تعايشت سلمياً مع الحكومة الأمريكيه والأمم المتحده , بينما النضال الطبقي داخل اندونيسيا سمح بذبح 3 ملايين شيوعي في مجازر مروعه لإنهاك هذا الشعب المسكين .
ماو تسي تونغ الذي أرعد وأزبد حين تكلم خروشوف عن التبرؤ من اللينينيه والتعايش السلمي لذلك شق معه العروة الشيوعيه الصينيه السوفييتيه , نراه هو الآخر يتعايش سلمياً داخل حركة عدم الإنحياز عن طريق وزير خارجيته شو إنلاي ( فعلا أمور لا تشبه بعضها على الإطلاق ) فيقترض للصين الشعبيه من البنك الدولي ويدخل بلاده في حملات ( عسكره ) لليد العامله وحملات تقشف عاليه كان ضحيتها على الفور 20 مليون قتيل بسبب الفاقه .
هناك كتاب صدر عام 2004 يحمل عنوان ( إعترافات إقتصادي – قاتل مأجور ) ألفه رجل الإقتصاد الأمريكي ( جون بركنز ) الكتاب من القطع المتوسط يحتوي على 250 صفحه هي اعترافات جون بيركنز عن طبيعة الأعمال التي كان يؤديها أثناء فترة عمله مع وكالة الأمن القومي الأمريكيه , لن أحدثكم كثيراً عن هذا الكتاب لكني سأضع لكم الرابط التالي لتشاهدوا جون بركنز بأنفسكم بماذا يعترف … وقد إخترت هذا المقطع لأنه مترجم الى اللغة العربيه وبإمكانكم مشاهدة المزيد لو إخترتم اللغة الإنكليزيه :
الرئيس الأول الذي انتخب لحركة عدم الإنحياز كان تيتو , الرئيس الأخير للحركه كان حسني مبارك , وعند طرده من الحكم تسلم مرسي رئاسة الحركه , التي لفشلها فقد بدأت برفض طلبات انضمام الدول حديثة التأسيس إليها كالدول التي تأسست عند تفكيك يوغسلافيا أو الإتحاد السوفييتي . الشيء الوحيد الذي نجحت فيه الحركه هو تسليم شعوب العالم الناميه الى عبودية البنك الدولي وصندوق النقد الدوليميسون البياتي – مفكر حر؟