بدأ الصراع الأمريكي _ البريطاني للإستحواذ على مصر منذ حفر قناة السويس , لهذا ففي العام 1882 قامت بريطانيا وكانت وقتها بأوج قوتها بحسم هذا الصراع بإحتلال مصر عسكريا ً
الولايات المتحده الأمريكيه هي التي أوقعت الثورة الفرنسيه في أوربا كما رأينا في الموضوع المنشور السابق , وهي التي دفعت نابليون بونابرت الأول الى إحتلال ايطاليا وألمانيا لترسيخ الروح القوميه لدى شعوب أوربا , وهي التي أشعلت ربيع الثورات الأوربيه عام 1848 لنفس الغرض , وخلال طول الفتره منذ بداية الثورة الفرنسيه وحتى نهاية ربيع الثورات الأوربيه كانت قد فتحت باب الهجره الى الولايات المتحده الأمريكيه دون قيد أو شرط أمام جميع الأوربيين , الذين تشكلت منهم جاليه أوربيه في الولايات المتحده تم تأهيلها مادياً وعلمياً وثقافياً لتعود الى أوربا على شكل بنوك وجامعات ومؤسسات ثقافيه لخدمة الهدف الأمريكي بالتغلغل في قارة اوربا
قلنا إن بريطانيا إحتلت مصر ( قناة السويس ) عام 1882 , بوصولنا الى عام 1897 عقد الأمريكان المؤتمر الصهيوني الأول وكان المؤتمر الافتتاحي لتأسيس الحركه الصهيونية ، عقد بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 آب 1897 دعي فيه أغنياء اليهود الى جمع المال لتأسيس وطن قومي لليهود في مكان ما من العالم .. لكن اليهود مستقرون في بلدانهم ولهم مصالحهم وأعمالهم لهذا لم يتحمس لمشروع هرتزل أحد .. وكانت قلة الحماس هي عز الطلب , لأنها كانت المبرر الذي من أجله سيدعو تيودور هرتزل لفكرة عودة اليهود الى أرض الميعاد في فلسطين .. المكان الذي يجسد الحلم الأمريكي الواقع على الضفة الشرقيه من قناة السويس والذي من أجله تم تأسيس الحركه الصهيونيه
لغرض التشويش أمريكياً على الإحتلال البريطاني لقناة السويس قام الأمريكان بدراسة خارطة المنطقه فوجدوا أرض نجد والحجاز تحتل أطول ساحل على البحر الأحمر فتم البحث عمن تبقى من آل سعود المنفيين الى الكويت بعد تدمير مملكتهم من قبل خديوي مصر وإرسالهم مكبلين الى آل عثمان الذي أعدمهم في إحتفال عام أطلقت فيه الألعاب الناريه , فوجدوا شيخهم عبد العزيز آل سعود يعيش لاجئاً في الكويت فأمدوه بالدعم المطلوب , عندها قام في كانون الثاني 1902 باصطحاب حوالي 70 رجلاً وعاد بهم متسللاً الى الرياض
القبائل التي خضعت لحكم آل سعود وجدت نفسها مضطره الى تبني المذهب الوهابي الصارم التعليمات والذي يعتقد أتباعه أنهم وحدهم الذين يعرفون معنى ( التوحيد ) كما أمر به النبي محمد
آل سعود وحلفاؤهم الوهابيه ومن أجل السيطرة على الناس بأسلوب محكم قرروا إصدار تعاليمهم السياسية الى الناس بصيغ دينيه لا يمكن أن يعصاها أحد وإلا أتهم بالكفر الوخيم العواقب
تأدية الصلاة في الإسلام تتطلب الوضوء وبسبب شحة المياه في أرض نجد كان وضوء المؤمنين منقوصاً حسبما رأى الوهابيون لذلك قاموا بتشجيع القبائل أو إجبارها على هجر أماكنها والإستقرار مجتمعين في واحات جديده ( هُجُر ) تدار بتعاليم الوهابيه وإدعوا على الناس أن هجراتهم هذه لها عند الله نفس الأجر الذي ناله الأولون في هجرتهم مع محمد من مكة الى المدينه
الذين يقدمون للعيش في الواحات الجديده كان عليهم ترديد قسم الأخوه فيصبحون ( أخوان ) بحفاظهم على تقاليد الإسلام و ( جهادهم ) ضد الزنادقة والكفار الذين يهددون وجود مستقراتهم الجديده , وكانت تلك هي النواة التي أسست : الإخوان المسلمين
منذ العام 1913 كان آل سعود والوهابيه قد بدأوا وبواسطة ( جهاد الأخوان ) بالتوسع فإحتلوا مواقع مهمه في منطقة الخليج , وبوصولنا الى عام 1924 سنراهم يتوجهون الى الحجاز ويحتلون مدينة الطائف المرتفعة المشرفه على مكه , والمجازر التي أوقعوها في الطائف لا تقل وحشية عما فعلوه في مجازر كربلاء . ومن أجل السيطرة على مكة والمدينه فرضوا شروطهم وتهديدهم على جميع الحجاج من غير جماعات الإخوان , وتم تحاشي التعامل مع الشيعه سواء منهم الذين يقطنون في شرق المملكه أو في ايران
بريطانيا التي كانت قد تحالفت مع الشريف حسين بن علي شريف مكه عام 1915 بعد مراسلات ( حسين _ مكماهون ) وجدت نفسها مضطره الى نكث عهدها معه بتعيينه ملكاً على العرب بعد نهاية الحرب العالمية الأولى , وهي ترى الأمريكان قد أصبحوا على مشارف مكه من خلال آل سعود والوهابيه
إكتشاف الأمريكان لكميات هائله من النفط في السعوديه كان يفرض عليهم التواجد على الأرض من أجل إستخراجه وتصديره والسيطرة على مقدراته .. فكيف يتواجدون على أرض يراهم فيها الإخوان بنفس العين التي ينظرون بها الى البريطانيين ؟ لهذا كان ينبغي قمع الإخوان في نجد والحجاز لتتاح للأمريكان حرية الحركه
من أجل قمع الإخوان في نجد والحجاز قام الملك عبد العزيز بتحريم الجهاد ضد الزنادقه والكفار.. اذ لا داعي لذلك مادام الملك يرى منتجات شيطانيه لم يرها الرسول أو الأولون من قبل .. أشياء من قبيل : التلغراف , التلفون . الراديو , والسياره , بدع يمكن أن تنقل مكر الزنادقة والكفار الى ديار المسلمين , دون حاجة أولئك الكفار الى التواجد على أرض الإسلام
عام 1928 طالب الإخوان الملك عبد العزيز بتفسير لماذا يحرم عليهم الجهاد ؟ قالوا له أنهم يخافون من الله أكثر من خوفهم من الملك , وأن الجهاد حد من حدود الله فلماذا يعطل عليهم هذا الحد ؟ لكن الملك أصر على السلام , وبطبيعة الحال كان الأخوان يرون الأمريكان وهم يقومون بالحفر في أنحاء بلادهم ويعرفون ما القادم , لذلك لم يقنعهم إصرار الملك على السلام عندها وقعت الحرب بينهم وبين الملك في آذار 1929
قاد فرق جيش الملك أولاده الأمراء , بينما قاد فرقتي جيش الإخوان كل من ( فيصل الدويش ) و ( سلطان البجاد ) , وكان الحظ الى جانب الملك وأولاده , ففي اللحظات الأولى من القتال أصيب فيصل الدويش في معدته فتقهقرت جماعته تلاحقها نيران الرشاشات الآليه , عندها دب الرعب في نفوس جيش سلطان البجاد فتفرقوا جماعات واعتصموا كجيوب مقاتله في أماكن متفرقه تمت تصفيتها ودحرها حتى نهاية العام , ثم ألقي القبض على فيصل الدويش وسلطان البجاد وألقيا في السجن حيث ماتا بعد فترة قصيره
بعد أن إستتب الأمن في المملكه وتم التأكد أن لا أحد يتمكن من فتح فمه مطالباً من جديد بحمل السلاح من أجل الجهاد …. قدم الى المملكة آلاف من الأمريكيين مع عوائلهم للعمل في شركة النفط الأمريكية السعوديه ( أرامكو ) التي تم تأسيسها عام 1933
خلال هذه المناكفات بين الملك والأخوان قام الأمريكان بتصدير مفاهيم الإخوانيه الى الدول العربيه التي يتواجد فيها البريطانيون والفرنسيون , على الفور أسس حسن البنا خلية للإخوان في مصر عام 1928 كانت تناكف الحاكم المصري المتحالف مع البريطانيين
بوصولنا الى بداية الأربعينات من القرن الماضي سقطت باريس تحت الإحتلال الألماني فإستنجدت بالجيش الأمريكي لتحريرها وكان عليها أن تدفع ( عربون ) لذك التحرير بإنسحابها من سوريا ولبنان لتتحولا الى جمهوريتين امريكيتين منذ ذلك التاريخ . عندها أدركت بريطانيا أن صراعها في المرحلة المقبله مع الأمريكان سيكون حول سواحل البحر الأبيض المتوسط , ومن أجل أن تستخدم العرب ( بالنيابه ) في هذا الصراع قامت بتقديم مشروع تأسيس ( جامعة الدول المنتدبه ) بفتح التاء والدال والباء , من كل من العراق وفلسطين ومصر , والتي تحول إسمها عند تأسيسها الى ( جامعة الدول العربيه ) بعد إنضمام أعضاء من غير دول الإنتداب إليها وكان ذلك عام 1945
من قبل أن يقع أي قتال قرر الأمريكان أن بريطانيا لن تخرج من المنطقه إلا بقوة السلاح , فقامت على الفور بالإيعاز الى الجناح العسكري من جماعة الإخوان المسلمين في مصر بتأسيس منظومة الضباط الأحرار المصريه , فتشكلت المنظومه عام 1945 كخلايا مسلحه ضمن جماعة الأخوان المسلمين تحت قيادة ( الفريق الطيار عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل ) وكان من ضمن أفرادها كل من : جمال عبد الناصر , حسين حموده , خالد محي الدين , كمال الدين حسين , صلاح نصر , عبد الحكيم عامر , سعد حسن توفيق
عمل هؤلاء كخليه سريه من صغار ضباط الجيش بين عامي 1945 _ 1948 حين وقعت الحرب العربيه الإسرائيليه الأولى التي ساقت فيها بريطانيا العرب من خلال ( حكومات الإنتداب ) و ( الجامعه العربيه ) ليدافعوا عن مصالحها في البقاء في مستعمراتها , في وقت يظن هؤلاء المقاتلون أنهم يدافعون عن أرضهم وحقوقهم ومقدراتهم
بداية الحرب كانت في 15 مايس 1948 وتكونت من 4 معارك تخللتها فترات توقف عن القتال وإستمرت حتى 10 آذار 1949 مستغرقة مدة ( 9 أشهر و3 أسابيع ويومين ) بنهايتها طالب الجيش المصري بهدنه فعقدت مفاوضات الهدنه وقّعت الدول العربية المتحاربة مع إسرائيل ما عدا العراق على اتفاقيات هدنة مع إسرائيل . سميت هدنة رودس نسبة الى جزيرة رودس مقر اقامتها ، ووقعّت كل دولة على الاتفاق بشكل منفصل وبدأت المفاوضات بتوسط الأمم المتحدة بين إسرائيل من جانب وكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب آخر. تم التوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربعه بين 24 شباط و20 تموز 1949 وقعتّها مصر ثم لبنان ثم الأردن ثم سوريا على التوالي
انضم اللواء محمد نجيب الى منظومة الضباط الأحرار عام 1949 بعد نهاية الحرب وأصبح قائداً للمجموعه خلال المرحله الإنتقاليه بعد إنقلاب 1952 تلك المرحله التي إستمرت حتى عام 1953 بالإنهاء التام للملكيه في مصر
خلال مباحثات الهدنه تعرف ضابط المخابرات الأمريكي ( كيرمت روزفلت ) عن قرب على ( مجموعة الضباط الأحرار المصريين ) وكان وقتها يحمل صفة ( رئيس جمعية الصداقه الأمريكيه _ العربيه ) فقام الرجل بتطوير هذه الصداقه حتى تحولت الى إنقلاب امريكي في مصر عام 1952
منظومة الضباط الأحرار المصريه وهي فرع من فروع منظومة الضباط الأحرار العالميه التي تخدم مصالح الولايات المتحده الأمريكيه كان لها دور وتأثير على باقي مجاميع الضباط العرب في الأقطار العربية الأخرى من غير مصر , فقد تحولت ( جماعة الضباط الوطنيين في العراق ) بالتنسيق مع المجموعه المصريه الى ( منظومة الضباط الأحرار العراقيه ) التي قامت بقلب نظام الحكم الملكي وأخرجت بريطانيا من العراق لتحوله منذ عام 1958 الى مستعمرة امريكيه
ومثلما يحصل في كل المستعمرات الأمريكيه التي تعج بالإنقلابات فقد إنشقت منظومة الضباط الأحرار العراقيه على نفسها فقام الجناح القومي الناصري بالإنقلاب على عبد الكريم قاسم ليتولى عبد السلام عارف السلطه بمؤازرة من جمال عبد الناصر , ثم ينشق عبد السلام عارف على الضباط من جماعة حزب البعث ويطردهم خارج السلطه , ثم يتمكن الجناح البعثي من العوده الى السلطه بعد ذلك بسنوات , وبعد ايام من تسلمه السلطه يقوم بإقصاء آخر ما تبقى من خصومه في منظومة الضباط الأحرار , وسأكتب عن ذلك في موضوع منفصل
بمؤازرة جمال عبد الناصر قام الضباط القوميون السوريون وهم ( ناصريون , بعثيون ومستقلون ) بالإطاحه بحكومة ناظم القدسي في 17 / 4 / 1963 وتم الإعلان عن مشروع الوحده الثلاثيه بين مصر وسوريا والعراق , وهذه الأقطار الثلاثه هي مستعمرات امريكيه ( يجب ) أن تسود فيها الخلافات والنزاعات الفرديه ولهذا أعلن عبد الناصر في 26 / 7 / 1963 إنسحاب مصر من إتفاق الوحدة الثلاثية , وسأكتب عن ذلك في موضوع منفصل
منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي كان الأمريكان يستعدون لخوض الحرب في اليمن لطرد بريطانيا عن مستعمرة عدن بعد 129 عام من إحتلالها للمستعمره , ولغرض عسكرة ( المملكه العربيه السعوديه ) الى جانب الملكيين في اليمن وعسكرة ( الجمهوريه العربيه المتحده ) الى جانب الجمهوريين في اليمن , لإدامة القتال حتى تخرج بريطانيا من مستعمرة عدن , تم تشكيل ( منظومة ضباط أحرار سعوديه ) و ( منظومة أمراء أحرار سعوديه ) لشق الموقف بين كل من مصر والسعوديه , وسأكتب عن ذلك في موضوع منفصل
ساهمت منظومة الضباط الأحرار المصريه بشكل مباشر في قلب نظام حكم الملك محمد إدريس السنوسي في ليبيا بقيادة ضابط من منظومة الضباط الأحرار الليبيه هو معمر القذافي عام 1969 لتتحول ليبيا الى مستعمرة امريكيه منذ ذلك التاريخ وسأكتب عن ذلك بشكل منفصل
تنظيم آخر للضباط الأحرار تم تأسيسه في الأردن عام 1952 كانت مهمته إسناد الوضع داخل البلاد عند عزل الملك طلال بن عبد الله عن العرش وإجلاس إبنه الحسين بن طلال وسأكتب عن ذلك في موضوع منفصل
المهم من كل ما إستعرضته في هذا الموضوع هو التأكيد على أن الصراع الأمريكي البريطاني للسيطره على مقدرات الشرق الأوسط هو السبب في تأسيس دولنا وهيئاتنا وأحزابنا وأفكارنا , وفي الوقت الذي يظن البعض أنه يحقق غايات ( وطنيه ) فهو في حقيقة الأمر ليس أكثر من ( أداة ) لتحقيق غايات من يتسلطون عليه وعلى مقدراته