لا تستطيع اي امة ان تتجاوز ازماتها و مشاكلها بشكلها العام والمطلق إلا بعد ان تكون قادرة على امتلاك زمام ذاتها وقرارها والتصرف بحرية وامتلاك خياراتها وتجاوز الموانع الداخلية والخارجية التي تقف بالضد من هذا الامتلاك.ليس مقدراً علينا ان نجعل التاريخ يعيد نفسه فعندما يعيد التاريخ نفسة هذا يعني اننا نعيد اخطاءنا نفسها لان الاحداث التاريخية يصنعها الانسان نفسه. ونبقى تحت رحمة القدر الذي يرسمه لنا اعداءنا.الامم الحية هي التي توجه التاريخ الى الوجهة التي تريدها ولا تنتظر القدر الذي رُسم من قبل غيرها لها.البقاء تحت رحمة القدر والانتظار السلبي لا يزيد الوضع إلا تأزماً والمجتمع تفككاً والفكر بلادة وجمود وتعيش الامة عصر الانحطاط وعدم مواكبة العصر وحتى عدم اللحاق بتطور التاريخ نفسه لأن التاريخ الحقيقي الذي يسجل بناء الامم وشموخها هو التاريخ الذي ينبعث من الروح الانسانية والعقل البشري المبدع والإرادة الواعية للانسان نفسه التاريخ في حقيقته هو انعدام الزمن ليتلاقى الماضي مع المستقبل وتصبح الحقيقة واحدة في كل الازمنة .فالتاريخ كان ولا يزال صراعاً مريراً بين الاستبداد والحرية وبين الظلم والعدل وبين الحق والباطل وبهذ المعنى لا نزال نخوض هذه المعارك بشكل او آخر .
ففي كل الازمنة والعصور كان نظام الاستبداد يواجه اهم مشكلة وهي مشكلة الشرعية التي يستند اليها في تجاوزاته مهما امتلك نظام الاستبداد من قوة يبقى ضعيفا وقلقاً يبحث عن الاستقرار والديمومة(ايقاف حركة التاريخ) لانها عكس حركة التاريخ كما أنها تقف على أرضية رخوة غير ثابته طالما هناك من يريد ان يرفع الغبن عن كاهله من اجل الحصول على الحرية ومن اجل العدل والحقوق المغتصبة .
(اذا كانت مسيرة حركة التاريخ في تقدم مستمر رغم ما يطفو على السطح من صراعات وحروب وطفرات وتناقضات وانكسارات) .فقد تجل هذا التقدم للتاريخ من خلال طي صفحات من تاريخ البشرية كحقبة الرق وبعدها حقبة العبيد واستطاع طوي مرحلة الاقطاع الذي كان يعيش الحاضر وينظر الى المستقبل بهيئة الماضي وما طرأ على النظرة والموقف من المرأة وحقوقها التي ما زالت تناضل من اجل تحقيق المساواة الكاملة في المجتمعات المتخلفة في هذا المجال.ونتيجة للتقدم في مسيرة التاريخ استطاع العالم ان يطوي صفحة الاستعمار المباشر الى حد ما من الحقبة الرأسمالية.رغم ان بعض الامم ما زالت تعاني من الاستعمار والاحتلال المباشر وهي امم قليلة تلك التي تخلفت او لم تستطع ان تواكب حركة مسيرة التاريخ والمستوى الذي وصل اليه نتيجة لظروفها الذاتية الغير مهيأة وعدم تسلحها بادوات العصر بشكل جيد وعدم اقتناص الفرص المناسبة نتيجة الجهل والتخلف والفرقة ولانها اي الامم لم تستطع ان تتجاوز ما رسم لها من قبل الاعداء خارج مسيرة التاريخ وبالتالي لم تتمكن هذه الامم خلق الظروف المناسبة للتاثير على الاحداث التاريخية وتغيير المسار باتجاه الانعتاق والتحرر لذلك بقيت نضالاتها وثوراتها مستمرة الى الان وتحاول بكل السبل ان تواكب حركة التاريخ لطي حقبة الاستعمار وتبقى هذه الحالات من المتناقضات مع منطق حركة التاريخ حالها كحال (بعض القبائل الافريقية المعزولة التي بقيت على حياتها البدائية تاكل وتلبس مما توهبها لها الطبيعة وتعزل نفسها عن العصر الحاضر ولا تستفيد من وسائل وادوات ومفاهيم وقيم العصر الحديث )وتتحمل هذه الامم المسؤلية عن تخلفها بالاضافة الى العقبات والقيود التي وضعتها الدول المستعمَرة و تبقى هذه الحالات شواذ على صفحة مسيرة التاريخ وحركته المتقدمة باستمرار وستزول هذه الحالات عندما تاخذ هذه الامم زمام المبادرة وتبدأ بازالة العقبات الذاتية والمصنعة التي وضعت امام تقدمها خاصة ان العدو يفتقد الى الشرعية التي تسلبه كل اسباب الانتصار مهما امتلك من قوة مادية .حتى الشرائح المهمشة اجتماعيا استطاعت ان تحصل على بعض الحقوق والحريات كالمثليين وغيرهم نتيجة التقدم الذي طرأ على مسيرة حركة التاريخ المتقدمة وبذلك يمكن القول ان حركة التاريخ انصفت الى حد ما بعض شرائح المهمشين الذين لا يمتلكون اسباب القوة بل استفادو مما ساد من قيم ومفاهيم وادوات عصرهم كقيم الحرية والعدل الذي ساد العالم نتيجة الصراع التاريخي بين هذه القيم من جهة وبين متناقضاتها على الضفة الاخرى .
ان الامم التي مازالت تناقش وتفكر في حقها بالاستقلال في الحقبة التاريخة التي طوت مرحلة الاستعمار المباشر(الاحتلال) و ينتظروا ويرجوا ان يهبهم العالم الاستقلال والحرية على طبق من ذهب سيكون مصيرهم كما حال تلك القبائل البدائية التي تعيش في ادغال افريقيا يبقون كنماذج وشواهد للامم التي لم تواكب عصرها وامثلة للدراسات على حقبة تاريخية سادت في مرحلة ما من مراحل تطور البشرية.
عبدالقادر عمر
12.03.2016
a.kadir-1959@hotmail.com