أثناء زيارتي للمكتبه عثرت على كتاب يحمل عنوان ( حرامية بغداد _ ضابط أمريكي عاشق للحضارات القديمه ورحلته لإنقاذ أعظم كنز عالمي مسروق ) . وهو من تأليف الكولونيل ماثيو بوغدانوس وزميله وليم باتريك . والكتاب من قطع كبير المتوسط يحتوي على 302 صفحه , مطابع بلومزبري . نيويورك , 2005
يذكر المؤلف أنه كان في المتحف العراقي يوم 2 مايس 2003 أي بعد أقل من شهر على سقوط بغداد يحقق في قضية سرقة المتحف العراقي ويصف الآثار المحطمه , وتدمير بناية المتحف نفسها ثم يأخذنا في رحله من معلوماته الخاصه عن حضارات العراق .
يعرج في الفصول التاليه على حياته العائلية وبعده عن أهله , وهو يتذكرهم وحده في شوارع بغداد التي مزقتها الحرب , بعد ذلك قامت مجموعته العسكريه بالتحقيقات وفتح وتفتيش المخازن ومراقبة أسواق بيع الآثار في العالم من عمّان الى زيوريخ الى ليون ولندن ونيويورك .. فأدى ذلك الى إعادة ما يزيد على 5000 قطعة آثار مسروقه .
الكولونيل بوغدانوس يتهم العراقيين بأنهم من سرق وباع آثار المتحف , وحمَّله كل ذلك التعب كي يعيد للعراق كنوزه العزيزه .. والحقيقة ليست هذه , من لا يعرف المكان ربما يصدق هذه الكذبه , لكن الذي يعرف المكان يدري بأن المتحف يبعد أقل من كيلومتر واحد عن بوابة القصر الجمهوري الواقعه في شارع أم العظام / تقاطع الشاكريه , وإذن من كان يستطيع التقرب من هذه المنطقة التي تملؤها الدبابات والمدرعات الأمريكيه ؟
من كان يستطيع حمل قطعة آثار ثقيله لو لم يكن ذلك بعلم وموافقة القوات الأمريكية الموجودة في المكان ؟ ربما فتحت أبواب المتحف لعامة الحراميه كي يدخلوا الى القاعات ويسرقوا ما تبقى فيها بعد أن أنهى ( خاصة الحراميه ) عملهم برفع التحف واللقى الثمينه وذات القيمة التاريخيه ونقلوها الى خارج العراق . وما عملية إدخال عامة الحراميه الى المتحف إلا لغرض محو بصمات عتاة الحراميه الذين دخلوا قبلهم .
أثناء مرحلة دراستي في الدكتوراه وتخصصي هو التاريخ , كنت دائمة التواجد في المتحف أو في مركز الوثائق والمخطوطات الذي يقع في بيت السويدي – بداية شارع حيفا / ساحة جمال عبد الناصر .
مركز الوثائق والمخطوطات حاله من حال المتحف لم يسلم من سرقة الأمريكان لكل الوثائق والمخطوطات الموجودة فيه وهي نفيسه وبالغة القيمه , على سبيل المثال رأيت بنفسي داخل هذا المركز نسخه من القرأن الكريم على رقاع من الجلد كتبت بيد الإمام علي بن أبي طالب الشريفه , منذ كان الحرف العربي خالياً من النقاط , هل تعتقدون ان هذه النسخة تقدر بثمن !!؟
ذات يوم بعد حوالي شهر من سقوط بغداد _ وفي نفس الفترة التي كان فيها الكولونيل بوغدانوس موجوداً في المتحف , جاء رتل من السيارات العسكريه الأمريكيه , ودخل أفراده الى مركز الوثائق والمخطوطات وطلبوا تفريغ جميع محتويات المركز في سياراتهم . مدير المركز والموظفون خرجوا الى الشارع صارخين مستنجدين بالناس من أجل حماية المركز من السرقه , حين تجمهر الناس حول المركز وبدأوا بالهتاف خرج لهم قائد المجموعة الأمريكية الذي أظنه هو نفس الكولونيل بوغدانوس مؤلف هذا الكتاب وقال لهم بكل برود : لماذا تصرخون هكذا .. أفضل من الصراخ تعالوا ساعدوا في حمل صناديق الوثائق والمخطوطات الى سياراتنا .. وسأعطي لكل واحد فيكم عشرة دولارات عن كل صندوق نخرجه .
عمليتا سرقة المتحف العراقي وسرقة مركز الوثائق والمخطوطات العراقي , عمليتان منظمتان قامت بهما القوات الأمريكيه وأخذت كل شيء الى خارج العراق , وماكان شيئاً ثميناً جداً فهو بدون أثر حتى لحظة قراءتكم لسطوري هذه , أما ما كان أقل أهمية من الآثار والمخطوطات فقد أعيد الى العراق بإعتباره مشترى من المصادر التي وصل إليها بعد سرقته وتهريبه … ونحسبها بالعقل أكثر من 5000 قطعة آثار كم على العراق أن يدفع الى الكولونيل بوغدانوس .. من أجل شرائها وإعادتها الى العراق .
أما تأليف كتاب حرامية بغداد .. فهذا هو الذي يسميه القانون بعملية الإمعان في القتل . أن تحتل بلدنا وتسرق آثارنا .. وتعيد بيعها علينا , ثم تؤلف كتاباً تتهمنا فيه بأننا حراميه سرقنا آثارنا فهذا هو الإمعان في القتل بعينه …
والإمعان في القتل ليس غريباً على المارينز الذين رأيناهم قبل حوالي أسبوعين يقتلون الناس في أفغانستان .. ثم يتبولون على جثث قتلاهم . ميسون البياتي – مفكر حر؟