حاول أن تفهم شيئا من هذه الحياة وحاول أن تعطينا فيها معنى الفرح ومعنى السرور وحاول أن تضحكنا حتى لو لجأت إلى السخرية من نفسك ومنا, المهم أن نفرح فيها وأن نضحك فيها وأن تحلوا لنا فيها أوقاتنا .. .. قد تعيش حياتك بالطول وبالعرض وتغادرنا إلى الأبد دون أن تفهم شيئا من هذه الحياة, قد تودعنا بكلمات جميلة ولها رنين وبريق كبريق البرق وكلمعان الذهب, ولكن لن تقدر أن تقول لنا بأنك قد فهمت هذه الحياة جيدا, أنت لم تفهم شيئا من هذه الحياة ولم تدرك معنى وجودك الحقيقي فيها, أنت حتى هذه اللحظة لم تتعلم فيها ومنها إلا النط والقفز فوق الحواجز والركض في الشوارع وقيادة السيارات والطيارات, ولكنك حتى اللحظة لم تقل لنا شيئا عن هذه الحياة ولم تفسر لنا معانيها, لم تقل لنا في بعض الأيام غير كلمتين فقط لا غير وفي مناسبات مختلفة فمرة كنت تقول عنها بأنها جميلة ومرة كنت تقول عنها بأنها قبيحة, وأحيانا تقول عن نفسك أنك جميل وأحيانا تقول عن نفسك بأنك قبيح, كلمات سجلتها على الورق وكتبتها على الحيطان ولكن لم تكتب لنا كلمة واحدة تفسر لنا فيها هذه الحياة الدنيا وما معنى الوجود, لم تقل لنا إلا الصباحات والمساءات الجميلة وكنت تعطر وجودنا ببعض الروائح التي نحبها صبحا أو مساء, هذه الحياة بكل ما فيها من عنف كانت وما زالت كريمة مع بعض الناس وبخيلة مع الأغلبية الساحقة , أنظر حولك وتفقد المكان جيدا وحاول أن تبحث عن إبرة بكومة قش وفتش عن نقطة حبر في بركة ماء واسحب أنفك إلى مصدر الرائحة التي تأتي من السماء وحاول أن تغسل وجهك بنور الله وامسك بكلتا يديك جيدا بقدرك ولا تحاول أن تفلت منه وفتش عن ترنيمة عاطفية تجعل موقفك من الإنسانية أكثر صلابة من أي وقتٍ مضى وكن كالعود لينا وكن كماء البحر لك موجات قصيرات وطويلات ولك زبد إذا رضيت وإذا غضبت وبداخلك تعيش كثيرٌ من الكائنات الحية وإذا خرجت من بيتك إلى الهواء حاول أن تعشق الطبيعة من حولك وانظر في فلسفة الجمال وكيف خلق الله هذه الأرض الطيبة التي تمشي أنت عليها والتي مشى عليها من قبلك أجدادك وأسلافك من البشر وكن نجما في السماء يعشقه كل العالم من حولك وحاول أن تفهم شيئا من هذه الحياة, حاول أن ترصد تحركات البشر وحاول أن تفهم رموزها وأحلامها وفسر لنا تفسيرا منطقيا وصحيحا لحلم واحد شاهدته في حياتك.
كن نورا يمشي في هذا الكون ويشق طريقه في الظلمات, كن عود ثقاب ينير النفق في بدايته وفي نهايته, كن مسطرة تمشي عليها الناس, كن مثالا يحتذي به البشر, كن ترابا يدافع عنه الجنود والعمال والمزارعون الذين يفلحون الأرض , حاول أن تكون شيئا, لا تغادر هذه الحياة من قبل أن تكون فيها شيئا مهما يتذكرك به الناس كلما نظروا إليه..كن شجرة تجلس الناس في ظلها ويأكلون من ثمرها, كن عطرا, كُن مسبحة يسبّحُ فيها كل المتدينين على وجه الأرض , كن مطرا يروي الأرض وكن نبع ماءٍ يشرب منه الإنسانُ والحيوان, وكن لغزا محيرا تحاول كشفه كل الناس وكن ورقة عنب أو ورقة توت , حاول أن تفهم, أنا أعرف بأنك حتى هذه اللحظة لم تفهم شيئا من هذه الحياة, الناسُ مرّوا من جانبك وغادروا الحياة من غير أن تفهم سلوكهم وتصرفاتهم معك, عاشوا في جوارك وإلى جوارك عشرات السنين ورغم كل ذلك لم تفهمهم جيدا ولم تكن تعرف منهم من هو الذي يكرهك ومن هو الذي كان يحبك, الحياة صعبة ومملة بالنسبة للكثيرين ولكنها ورقة رابحة بالنسبة للأغبياء الذين عاشوا مترفين دون أن يحاولوا أن يفهموا الحياة جيدا, فمن غير أن يفهموها جيدا كانت تأتيهم أرزاقهم بالملايين وكانت تأتيهم الأموال والأرباح دون أن يسعوا خلفها, أما أنت فقد سعيت خلف المال ولم تنل منه شيئا وسعيت نحو الطعام ولم تأكل منه شيئا, تعبتَ كثيرا ومشيت وركضتَ كثيرا دون أن تفهم الحياة جيدا, دون أن تعطينا ولو تفسيرا واحدا عنها , حاول أن تفهم ما يجري حولك من مجريات, حاول أن تعرف سر وجودك على الأرض ولماذا أنت ها هنا, حاول من خلال حياتك القصيرة حتى لو عشت 1000 ألفَ عامٍ أن ترسم البسمة على شفاه الأطفال والثكلى والحزانى , المهم أن تبحث عن سر وجودك, المهم أن تفهم شيئا أو أن تلمس شيئا ملموسا بيدك عن هذه الحياة, المهم أن تكون إنسانا بمشاعر الإنسان الحقيقي, المهم أن تفهم وأن تحس بوجعك وبأوجاع كل الناس وكل الحيوانات والمخلوقات وحتى الحشرات وأن تحافظ على كيان الناس وكل المخلوقات وأن لا تتسبب بالأذى لأي واحدة منها حتى ولو كانت حشرة ضارة, حاول أن تكون إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معنى, حاول أن تفسر لنا سبب وجودك ووجودنا وأن تخبرنا أين من الممكن أن نجد طريق السعادة حتى لو كان عنوانها في زقاقٍ ضيق المهم أن تفهم الحياة جيدا فحتى هذه اللحظة لم يكشف الفلاسفة عن سر وجودنا وأغلبهم ماتوا والحسرة ما زالت في قلوبهم والدمعة ما زالت في أحداقهم تتشكل من جديد في كل ساعة, حاول أن تفهم أي شيء وحاول أن تعطر أي مكان تجلس فيه بالكلمات الطيبة, حاول أن تضحك وحاول أن ترسم وحاول أن تخلق الفرح, وحاول أن تستوعب مجريات الأحداث, في لحظة واحدة قد تتحول حياتك إلى لا شيء, فورا من الممكن أن تقضي بقية حياتك في السجن بجرة قلم من قاضي مبتدأ في محكمة صغيرة, ومن الممكن أن تنهي حياتك سيارة مسرعة, ومع كل هذا ستغادر الحياة دون أن تفهم شيئا فقط من الممكن أن ننظر ونتذكر كم من الأشياء التي وضعت عليها إعجابك دون أن تقدر على ثمن شرائها, من الممكن أن نستذكر جلوسك بيننا هنا وهناك وأن نسامحك نطلب من الله أن يغفر لك خطاياك, ومع كل شيء وبرغم كل ما جرى وسيجري أنا متأكد أنك عشت طوال حياتك دون أن تفهم شيئا عن سر بقائك في هذه الحياة