فاطمة ناعوت
لم تأت في مجمل روايات نجيب محفوظ واقعةُ أن يواقعَ رجلٌ ناضجٌ رضيعةً في عامها الأول مواقعة جسدية. لم يسعفه خيالُه الروائيّ (المُحرّض على الرذيلة كما قال عنه الوهابيون ونفرٌ ضيئل من البرلمان المصري)، لم يسعفه ذلك الخيال ليبتدع تلك الصورة الدرامية المثيرة للغثيان. فماذا نحن فاعلون اليوم:
هل سيبرئُ تجارُ الدين ذلك الروائيَّ الذي أثبت الزمنُ أن فحشاءَ الواقع أكثرُ ثراءً وفُحشًا من خيال رواياته؟
أم هل يُقدّم نجيب محفوظ إلى محكمة الفن متهمًا، حتى يُحاسَب على فقر خياله الذي تفوّق عليه الواقعُ الإنساني التعس؟
–
قبل عشر سنوات، كنت ضيفةً على برنامج “مثير للجدل” بقناة أبو ظبي الذي تقدّمه المذيعة “فضيلة سويسي”. كذلك كان الناقد يوسف القعيد ضيفًا هو الآخر، وكنّا معًا نشكّل فريقَ دفاع عن أدب نجيب محفوظ، وما يحتاجُ دفاعًا، ضد أحد الذين نصّبوا أنفسهم آلهةً على الأرض، يُثيبون ويُدينون وفق أهوائهم. والأخطر، وفق أفقِهم الضيق وفهمهم السطحي لماهية الفنون والآداب. حيث لا تُمكّنهم ثقافاتُهم المحدودة على ولوج عوالمها الثرية.
قال ذلك الرجل، الذي نسيتُ اسمَه، لكن الحلقة موجودة على يوتيوب لمن شاء أن يتابع، قال إن نجيب محفوظ، الذي عرف العالمُ كلُّه قيمتَه، قبل أن ندركها، للأسف، نحن المصريين، يحضُّ على الفسوق والرذيلة. بكلمات أخرى، يرى هذا الرجل، ومن سار على دربه الساذج، أن المجتمع المصري، في الثلاثينيات والأربعينيات، وحتى اليوم، كان ملائكيًّا عفيفًا، حتى ظهرت روايات نجيب محفوظ، فبدأ الفاسقون (الذين عادةً لا يقرأون ولا يكتبون) في تعلّم الرذيلة من تلك الروايات، أو حتى من الأفلام التي بُنيت على روايات محفوظ!
وعبثًا حاولنا إفهام الرجل أن الروائيَّ، والشاعرَ والنحّات والتشكيليّ، وكل من عداهم من مبدعين، لا يخترعون واقعًا غير موجود، إنما يستقون مفرداتهم من الواقع ثم يبدأون في بناء شخوصهم وغزل دراماهم على نول ذلك الواقع! ولم يفهم كلامنا. وعبثًا حاولنا إفهامه أن الواقع يحمل ما هو أشرس وأعنف وأكثر بذاءة مما تحمل الروايات والقصائد، ولكنه لم يصدّقنا. وجاء الزمنُ ليثبت له ما قلنا، وأيضًا لن يصدق عينيه، لا هو ولا أضرابُه ممن اختاروا أن يعيشوا في ضلالاتهم وهم يوهمون الناسَ أنهم طوباويون أطهار خلقهم اللهُ لهداية البشرية، بينما يعرفون جيدًّا أنهم ليسوا إلا منافقين يدّعون ما ليس فيهم، ليداروا سوءة أرواحهم وما يصنعون.
سألتُه في الحلقة سؤالا لم يُجب عنه حتى اليوم. وأعيد السؤال اليوم: ما هي الفضيلة؟ ما هي الرذيلة؟ هل الرذيلة تقتصر في مفهومهم على رجل وامرأة وفراش؟ وماذا عن السرقة؟ وماذا عن خيانة الوطن؟ وماذا عن الرشوة؟ وماذا عن الكذب؟ هل تلك رذائل؟ لا. للأسف لا يعدّونها رذائلَ. الرذيلة تبدأ وتنتهي عند سيقان النساء، وفقط. سألته: “ماذا في أدب نجيب محفوظ يحضّ على الرذيلة في تقديره؟” فأجاب فورًا: “العاهرة زبيدة”. فسألته: “ألم ير في اللص والكلاب تحريضًا على الذيلة بوجود “لصٍّ” قد يحرّض الناس على السرقة؟” ولم يُجب. لماذا؟ لأنه مُبرمج على أن الرذيلة هي الجسد. لكن رذائل النفس ودنس الروح كالنصب والكذب والسرقة والخيانة ليست رذائل. هو لم ير في “السيد أحمد عبد الجواد” داعيًا للفجور والفسوق والرذيلة حين كان يخون زوجته أمينة. لكن عينيه توقفتا عند نهدي زبيدة وساقيها، وفقط. لماذا؟ لأن المرأة هي المشكلة. المرأة هي محنتهم وأزمتهم في الدنيا وفي الآخرة. يشتهونها فيكرهونها. يعشقونها فيمقتونها. إنها هوسهم ومأساتهم التي يفجّرون أنفسهم بأحزمة ناسفة حتى يطالونها في السماء حورَ عين دائماتِ العذرية.
أولئك لا يختلفون كثيرًا عن الرجل الذي خلع بامبرز الطفلة حتى يواقعها جسديًّا، ثم يتهمها بأن البامبرز كان يكشف عن ساقيها، فأغوته
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر