لم تبالِ مناهجنا الدراسية المختلفة بتدريسنا عن شعراء الشرق , ولهذا فبالكاد نعرف شيئاً عن طاغور أو محمد إقبال أو ناظم حكمت أو سعدي أو حافظ شيرازي , مع أننا كنا ندرس أداب أمم كثيرة . أثناء دراستي الجامعية وكنت أعد ( سمنر ) عن أدب الشاعر الألماني ( گوته ) قرأت مجموعته الشعرية المسماة (( الديوان الشرقي للمؤلف الغربي )) وهي مجموعة أشعار في الصوفية والفلسفة والحكمة .. عرفت وقتها أن ( گوته ) وهو الدارس للكثير من اللغات الشرقية وبضمنها العربية والفارسية , والحافظ عن ظهر قلب , بعض آيات القرآن الكريم كان قد كتب ( الديوان الشرقي ) ليعارض به شاعراً فارسياً هو حافظ شيرازي في أشعار له جمعت له من قبل في ديوان أطلق عليه تسمية ( الديوان الغربي ) .
الخواجة شمس الدين محمد حافظ شيرازي , والمعروف كشاعر بإسم ( حافظ ) عاش بين عامي 1315- 1390 ميلادية , وهو واحد من أهم شعراء الفرس , ديوانه موجود في أغلب البيوت الفارسية التي يحفظ أهلها أشعاره عن ظهر قلب ويستعملونها كحكم وأمثال للتعبير عن واقع اليوم , رغم أنها كتبت في القرن 14 أي قبل حوالي سبعة قرون من الآن .
أغراض شعره الرئيسية هي الغزل والخمريات وكشف نفاق الذين يُنصِّبون أنفسهم حراساًً على البشر , وقضاة لتحكيم أخلاق الناس , معتقدين أنهم دون أخطاء ونماذج للإستقامة الأخلاقية .
يتجسد حافظ في الحياة اليومية الإيرانية اليوم من خلال إستعمال أشعاره لقراءة الطالع بما يسمى ( فال حافظ ) حيث ينوي صاحب الطالع نية ثم يفتح ديوان حافظ ويقرأ ما مكتوب في تلك الصفحة من أبيات ويشرحها تأويلاً على النية التي في قلبه .
بسبب الشاعر الألماني ( گوته ) عرفت أوربا حافظ شيرازي وتمت ترجمة أشعاره الى الكثير من اللغات الأوربية كالفرنسية والألمانية والإنكليزية .
رغم كل الشهرة الواسعة التي يحظى بها حافظ كشاعر , لكن تفاصيل حياته غير معروفة بدقة , وبعض الحكايات تتضمن إضافات ( أسطورية ) لا يمكن الوثوق بها أو الإعتماد عليها .
من الوثائق المبكرة التي تحكي عن حياته , مقدمة ديوانه التي كتبها شخصان أصبحا غير معروفين اليوم هما : محمد قزويني و قاسم غني . حيث تتفق معهما أغلب الكتابات عن حياته أنه عاش ما بين عامي 1315 _ 1390 ميلادية .
تعرف حافظ على ( الحجي زيني العطار ) الذي كان يعمل طبيباً في بلاط ( الشاه شجاع ) حاكم الدولة المظفرية بين عامي 1358 _ 1384 وبهذه الطريقة تعرف حافظ على الشاه شجاع نفسه , الذي إشتهر فيما بعد بأنه كان راعياً لحافظ شيرازي , حيث تمكن حافظ من الحصول وقتها على وظيفة معلم في المدرسة القرآنية , لكنه سرعان ما فقد وظيفته عند الإطاحة بشاه شجاع , ثم إستعادها لفترة قصيرة بعد عودة الشاه شجاع الى الحكم من جديد , لكنه إضطر للهرب من شيراز الى ( أصفهان ) ثم ( يزد ) حفاظاً على حياته من شخصيات دينية كان ينتقد في أشعاره سلوكياتها المعوّجة .
بعد حوالي عشرين عاماً أي حين كان عمره 52 سنة إستطاع العودة الى البلاط من جديد حيث أرسل الشاه شجاع في طلبه . وبعد موت الشاه شجاع حصل حافظ على وظيفة أرفع في بلاط الشاه منصور .. لكن ذلك لم يدم طويلاً فقد هاجم تيمورلنك المملكة وقام بأسر وقتل الشاه منصور .
مما يروى عن حافظ أثناء وجود تيمورلنك في شيراز أن حافظ كان معجباً بجارية شيرازية تدعى ( تُرك ) قال فيها تغزلاً :
اگر آن ترک شيرازی بدستآرد دل مارا
به خال هندويش بخشم سمرقند و بخارا را
ومعنى ذلك بالعربية : لو أن ( تُرك ) تأخذ قلبي بين يديها .. لوهَبْتُ سمرقند وبخارى لرب الهندوس .
حين سمع تيمورلنك بذلك إستدعاه وقال له : لقد فتحتُ العالم ليكون في خدمة سمرقند وبخارى عاصمتي ملكي , وأنت تهبهما لرب الهنود من أجل حسناء شيراز ؟
فأحنى حافظ رأسه بشدة وقال : للأسف يا أمير .. بسبب هذا التبذير حالي بائس الى هذا الحد .
فضحك تيمورلنك من هذا الجواب , وعفا عنه وأمر له بهدية .
ومما يحكى عن حافظ , أنه قبل أن يلتقي بالحجي زيني العطار ويتعرف بواسطته على الشاه شجاع , كان يعمل في دكان خبّاز , حيث يقوم يومياً بأخذ الخبز وإيصاله الى بيوت الموسرين في حي الأثرياء بشيراز , وفي أحد هذه البيوت رأى ( شاه نبات ) وهي إمرأة آسرة الحسن أحبها من طرف واحد وأراد أن يقابل جمالها بالحب , لكنه وجد أن جمالها أكبر من كل حب , لذلك أحبها بطريقة أفلاطونية تسعى الى تحقيق الوحدة بين ما هو ( روحي ) مع ما هو ( إلهي ) فسعى الى الطرق الصوفية لتحقيق هذا التوازن , حيث لا توجد تجربة مثيلة .. إلا في حب الشاعر الإيطالي ( دانتي ) لحبيبته ( بياتريس ) , وكانت أغلب غزليات حافظ ذات الإطار الصوفي تحكي عن ( شاه نبات ) .
يحكى عن حافظ أن والده أو أسرته كانوا أول من أطلق عليه تسمية ( حافظ ) مع أن إسمه ( شمس الدين محمد ) وذلك لسرعته في الحفظ , لكنه رغم هذا إمتنع عن تنفيذ رغبة والده في حفظ القرآن عن ظهر قلب منذ سن مبكرة ودون أن يفهم معناه , رغم أنه كان يحفظ ذلك الوقت أشعار : جلال الدين الرومي , سعدي , فريد الدين , ونظمي . لأن معنى حفظ الشعر شيء .. ومعنى حفظ القرآن شيء آخر .
من بركات محبته ل ( شاه نبات ) أنه حين أصبح في الستين من عمره , أخذ طريقة صوفية جديدة تعرف بالفارسية بإسم ( چله نشينی ) حيث يقوم المتصوف بنفسه برسم دائرة على الأرض ثم يجلس داخلها أربعين يوماً وليلة دون أكل أو شرب أو نوم , يبقى ساكناً متأملاً فقط حيث يدعي حافظ أنه وصل بهذه الخـلوة الى درجة ( الوعي الكوني ) وبعد ان أتم هذه الأيام والليالي الأربعين إلتقى بصاحبه القديم الحجي زيني العطار الذي قدم له كأساً من النبيذ , فكان تعليق حافظ أنه لكي يعرف المرء معنى النبيذ يجب عليه قبلها أن ( يجلس ) أربعين يومأً وليلة .
توفي حافظ ودفن في حديقة ( المصلى ) في شيراز تاركاً للناس ديوانه الذي يضم 994 قصيدة تشهد على عقلية رجل , وروحية إنسان , عشقت الحياة وتفاعلت معها فكانت عصية على الموت . ميسون البياتي – مفكر حر؟