ج 11 / غرباء في هذا الكون! قراءة في كتاب سحر الواقع

ج 11 / غرباء في هذا الكون !dawkinsrichard
قراءة في كتاب سحر الواقع The Magic of Reality
عالم البايولوجي البريطاني (الموسوعي) / د. ريتشارد داوكنز !

مقدمة :
لا غرابة من إيمان عامة البشر (بالخرافات) التي لم يقُم يوماً دليل واحد عليها .نتفهّم ذلك نتيجة تناقل الناس عبر الأجيال حكايات (ماقبل النوم) للأطفال .لكن هذا كان فعّالاً تقريباً في الماضي في رسم وتوجيه خيال المرء .إنّما الغريب في الأمر لايزال حتى وقتنا الراهن ,رغم كلّ هذه النهضة التكنلوجية والإتصالات والإعلام والنشر ,هناك ناس متعلمين خريجي جامعات ,حتى من بينهم أطبّاء يؤمنون بالطالع والحظّ والأبراج والجان والأرواح الشريرة وما شابه !
من جهة ثانية ,ما هو رأيّ العِلم بوجود كائنات أخرى تعيش في هذا الكون
خارج كوكبنا الأرضي ؟
هذا ما سيتناوله هذا الجزء الـ (11) , فكرة إحتمال وجود (حياة حقيقية) على كواكب أخرى سوى الارض ,والشروط والعوامل التي تحتاجها تلك الحياة إن وجدت !
***
ص 185 / الفصل التاسع / هل نحنُ بمفردنا ؟
لاتوجد أساطيرَ عديدة حول حياةٍ بشرية على كواكب أخرى !
تفسير ذلك بسيط ,هو أنّ فكرة (الكون الشاسع) لم تكن معروفة حتى القرن الـ 16 عندما أدرك العُلماء (كوبرنيكوس كان رائداً في هذا المجال) ,أنّ الأرضَ تدور حول الشمس ,وأنّ هناك كواكبَ أخرى تفعل ذلك أيضاً !
لكن فيما يخص المسافة الهائلة بين الكواكب وعدد النجوم اللامنتهي ناهيك عن المجرّات الأخرى ,فقد كانت أموراً مجهولة لم تخطر على بال بشر حتى العصور الحديثة نسبياً !
في الماضي كان الناس يعتبرون تعبير (نحو الأعلى) ,هو إتجاه واحد دائماً وفي كل مكان ,ينظرون إليه على أنّهُ (سكن) الآلهة عالياً في السماء !
إنّما لم يمضِ وقت طويل حتى تحقّق الناس للمرّة الأولى من أنّ الإتجاه الذي نعتبره مستقيماً نحو الأعلى في جزءٍ معيّن من العالَم (عندما نكون في بوميو مثلاً) ,هو نفسه سيكون مستقيم نحو الأسفل عندما نكون في جزء آخر من العالَم (في البرازيل مثلاً) !
هناك ثمّةً أساطير ومُعتقدات دامت زمناً طويلاً (ومازال البعض يؤمن بها) حول كائنات خارجية غريبة في متناول اليد :
(ملائكة ,شياطين ,جان ,عفاريت ,أرواح شريرة ,أشباح ,قُرناء ..الخ) !
لكنّي عندما أسأل في هذا الفصل : هل نحنُ بمفردنا ؟
فأنا لا أفكر بكلّ هذا الهراء ,بل أقصد بالضبط ,هل هناك أشكال غريبة من الحياة في عوالِم أخرى تشغل مكان آخر من الكون ؟
إنّ الأساطير حول الغرباء بهذا المعنى نادرة بين القبائل البدائية ,لكنّها تشيع بين سكان المُدن الجُدّدْ .وتتسّم هذه الأساطير الحديثة بالإثارة ,لأنّها (بخلاف الأساطير القديمة) نستطيع مراقبتها وهي في بداية نشأتها .فنحنُ نرى الأساطير وهي تردُ في أحلامنا ,لذلك ستكون أساطير هذا الفصل من النوع الحديث !
***
ص 188 / طائفة بوابة السماء !
في مارس 1997 حدثت في كاليفورنيا نهاية كارثيّة لطائفة دينية تدعى بوابة السماء
Heaven’s Gate
عندما تجرّع أعضاؤها الـ 39 السُم !
في الواقع أغلب زُعماء الطوائف الدينيّة ,لايؤمنون حقّاً بما يُعلنوه من مباديء وتعاليم .فهُم يُمارسون عملهم من مُنطلق البزنس فقط .وقد يتوصلون إلى إمتلاك أتباعهم من الإناث !
لكن (مارشال أپل وايت)
Marshal Applewhite
زعيم تلك الطائفة ربّما كان يؤمن بالهُراء الذي عَلّمهُ لأتباعهِ !
فقد كان واحداً من أتباع الطائفة الذين تمّ إخصائهم (برغبتهم) ,في فترة مُبكرّة .ما يعني أنّ الجنس لم يكن يشغل تفكيره .وتلك حالة تستدعي العجب لشذوذها عن القاعدة السائدة عموماً !
على كلٍّ ,كان أعضاء تلك الطائفة يعتقدون أنّ (يوفو)
UFO
سيصل من الفضاء الخارجي ويأخذ أرواحهم الى عالَم آخر !
في ذلك الوقت كان مُذنّب متألّق يدعى (هيل ـ بوب) يظهر بوضوح في السماء .فإعتقدت الطائفة (لأنّ زعيمهم الروحي قال لهم ذلك) أنّ مركبة فضاء خارجية كانت تُرافق المُذنّب في رحلته !
فإبتاعوا تلسكوباً لمراقبته .لكنّهم أعادوه للمتجر بعد فترة كونه لايعمل !
وكيف عرفوا أنّه لا يعمل ؟ لأنّهم لم يروا مركبة الفضاء من خلاله !
إحدى الأمور التي يبدو أنّها تشيع بين هؤلاء الناس لأقصى درجة هو حبّهم لقصص الخيال العِلمي .وكان برنامج
Star Trek
يستحوذ على إهتمام الطائفة !
***
ص 189 / الخطف على يدِ الغرباء !
بالطبع ليس هناك تقصير من جانب قصص الخيال العِلمي بشأن الغُرباء لكن معظمنا يدرك أنّها ليست سوى قصص خياليّة وهميّة مُخترعة لاتُعبّر عن أحداث وقعت بالفعل !
إنّما هناك عدد لا بأسَ به من الناس يعتقدون بحزم ,مخلصين وبلا تردّد أنّهم وقعوا شخصيّاً في الأسر (تعرّضوا للخطف) ,على يدِ غُرباء من الفضاء الخارجي .وهم في إعتقادهم هذا شديدوا الحماس الى حدّ أنّهم يقولون ذلك مع أدّلة لا يشوبها أيّ شك !
كان أحدهم علي سبيل المثال يعتقد أنّه قد تعرّض للخطف لا لسبب واضح سوى أنّه دائماً ما يُصاب بنزيف في أنفه .كانت نظريته تقول أنّ الغرباء ربّما وضعوا جهاز إرسال يعمل بموجات الراديو في أنفه للتجسّس عليه !
كما كان يعتقد أنّه قد يكون نفسه (من الغرباء) ,لكون لونه أغمق قليلاً من لون والديه !
الغريب في الأمر أنّ عدداً لا يُستهان به من الأمريكيين (أغلبهم في حالة طبيعيّة) يعتقدون على نحوٍ جازم أنّهم اُخذوا على متنِ طبقٍ طائر ,وأنّهم كانوا ضحايا تجارب مُروّعة أجراها رِجال قصار القامة بلون رمادي ورؤوس كبيرة وعيون هائلة جاحظة !
وهناك ميثولوجيا كاملة عن (الخطف على يد الغرباء) ,تحوي تفاصيل تُعادِل ماكان لدى اليونانيين القدماء وآلهة جبل الأولمب .
ويمكنك أن تلتقي بأناس يعتقدون أنّهم تعرضوا للإختطاف وشاهدوا الغرباء وتحدثوا معهم (بالإنكليزية طبعاً) !
***
ص 190 / رأي علم النفس !
سوزان كلانسي واحدة من عُلماء النفس الذين أجروا دراسات تفصيلية عمّن يزعمون أنّهم تعرّضوا للإختطاف من الغرباء !
لا توجد لديهم جميعاً ذكريات واضحة عن الحدث ,ويُعلّلون ذلك بالقول :
أنّ الغرباء لابدّ إستخدموا تكنيكاً شيطانيّاً لمحو ذاكرتهم تماماً بعد الإنتهاء من تجاربهم على أجسادهم !
وأحيانا يستعينون بمنوّم مغناطيسي لإستعادة تلك الذكريات المفقودة !
إستعادة الذكريات المفقودة قصة أخرى كاملة ,تعتمد أحياناً على مايمكن أن يزرعه داخلنا (من ذكريات مزيّفة) ,مُعالجين لا ضمير لهم !
في الواقع (متلازمة الذاكرة الزائفة) تساعدنا في فهم مشاعر البعض الذين يعتقدون أنّهم تعرّضوا للإختطاف على يدِ غرباء !
مايحدث عادةً هو أن يقع الشخص أسيراً للغُرباء من خلال قراءته قصص في الصحف حول عمليّات إختطاف مزعومة أخرى !
وكما قلتُ دائماً مايكون هؤلاء الناس من مُشاهدي
Star Trek
أو غيره من روايات الخيال العِلمي .بحيث يصفون الغرباء المُفترضين الذين إلتقوهم ,بكونهم يشبهون شخصيّات تلك الروايات !
***
ص 191 / شلل النوم !
الشيء الثاني الذي قد يحدث أنّ الشخص يُبتلى بواقعة مُرعبة تسمى (شلل النوم) .هذه ليست شائعة الحدوث لكن ربّما تكون أنت قد جربتها بنفسك !
في هذه الحال أتمنّى أن تكون أقلّ رعباً عندما تحدث لك في المرّة القادمة.
في العادة عندما تكون نائماً وتستغرق في حُلم ,يكون جسمكَ في حالة شلل.
أظنّ ذلك يحدث لأجل إيقاف عضلاتك عن العمل بتناغم مع الحُلم ,كي لا تمشي أو تصفع مثلاً ,(رغم أنّ هذا يحدث للبعض) !
عادةً عندما تستيقظ وينتهي الحُلُم يذهب الشلل وتستطيع تحريك عضلاتك.
لكن أحياناً تكون هناك (فترة تأخير) مابين عقلكَ في عودته الى الوعي وعضلاتك لإستعادة حيويتها .ويسمى هذا بالشلل المُصاحب للنوم !
إنّهُ لأمر مرعب (إذا إستطعت تخيّله) أن تكون في إحدى درجات اليقظة ويمكنك رؤية حجرة النوم وكلّ مافيها ,لكنّك عاجز عن الحركة .وغالباً مايكون (شلل النوم) مصحوب بهلاوس تبعث على الرُعب .ويشعر الناس أنّهم أسرى إحساس بالخطر الداهم لكن لايقدرون على تحديد إسماً له !
بالطبع أثناء هلاوس شلل النوم سنرى أشخاص يشبهون شخصيّات الخيال العِلمي (قصار القامة غامقي اللون برؤوس ضخمة وعيون جاحظة ..الخ)
لكن في الماضي (قبل أن تبدأ قصص الخيال العِلمي) ,ربّما كان الناس يرون عفاريت أو جان من نوع آخر قد تحولوا الى ذئاب ومصاصي دماء.
وإن كانوا محظوظين فسوف يرون ملائكة بأجنحة جميلة !
القضيّة أنّ الصور التي يراها الناس الذين يُصابون بشلل النوم لاوجود لها في الواقع ,لكن يتّم إستدعاؤها الى العقل من المخاوف القديمة والأساطير والقصص الخياليّة !
بعض ضحايا شلل النوم بعد إستيقاظهم ,يعتقدون غالباً أن شيئاً مرعباً قد حدثَ لهم (إختطفوا ومُحيت ذاكرتهم من الغرباء مثلاً) !
الأمر الثاني الذي قد يحدث على نحوٍ نموذجي لضحايا شلل النوم هو إعادة تشكيل مرعبة زائفة لذاكرتهم عبر أسئلة الأهل الأقارب الأصدقاء ,وحتى المُعالجين النفسيين .بحيث تحفزهم تلك الأسئلة على تخيّل (توّهم) مارأوه.
أسئلة من قبيل هل هناك ثمّة غرباء؟ هل كان لونهم غامق؟ قصار القامة ؟ عيونهم جاحظة؟ … الخ
عندما تسمع مثل تلك الأسئلة ,لن يكون من المثير للدهشة معرفة أنّ إستطلاعاً للرأي أُجريّ عام 1992 أظهر أنّ نحو أربعة ملايين أمريكي يعتقدون أنّهم تعرّضوا للإختطاف على يدِ غُرباء !
تشير صديقتي عالمة النفس (سو بلاكمور) الى أنّ شلل النوم هو السبب الأكثر إحتمالاً لحدوث المخاوف المُتخيّلة المُبكرة حتى قبل أن تشيع فكرة غرباء الفضاء !
في العصور الوسطى كان الناس يزعمون أنّ روحاً شريرة تقوم بزيارتهم في منتصف الليل ,(عفريت ذكر يزور ضحيّة إنثى ويمارس الجنس معها)
أو ( عفريت اُنثى تزور ضحيّة ذكر وتمارس الجنس معه) !
وتتحدّث الإسطورة في (نيوفاوندلند) عن عرّافة عجوز تزور الناس في الليل وتضغط على صدورهم .
وثمّة إسطورة في الهند الصينية عن (شبح داكن اللون) يزور الناس مع حلول الظلام ويصيبهم بالشلل .وهكذا فنحنُ نمتلك فهماً مناسباً عن سبب إعتقاد الناس بتعرّضهم للإختطاف على يدِ غرباء .ويمكننا الربط مابين الأساطير الحديثة لخطف الأغراب ,مع الأساطير المُبكرة عن الأرواح الشريرة القاتلة والشياطين المفترسة ومصّاصي الدماء بأنيابهم الطويلة.
لكن عمليّاً لا يوجد دليل واحد مؤكّد على أنّ هذا الكوكب قد زاره غرباء من الفضاء الخارجي في أيّ وقت على الإطلاق ! حتى لو كان الغرباء بشكل أرواح أو ملائكة أو شياطين أو عفاريت أو جان .. أو ماشابه !
لكن السؤال مازال مطروحاً أمامنا عن وجود كائنات حيّة على الكواكب الأخرى ؟ فليس معنى عدم قيامها بزيارتنا ,أنّها غير موجودة أصلاً !
وهل يمكن لنفس عمليّة التطوّر التي حدثت على كوكبنا (أو حتى عملية مختلفة لكن تُماثل نوع التطوّر لدينا على نحوٍ ما) ,تكون قد حدثت على كواكب أخرى أيضاً مثلنا ؟
***
ص 193 / هل ثمّة وجود لحياة حقّاً على كواكب أخرى ؟
لا أحد يعرف بالدّقة الجواب هذا السؤال !
إنّما لو أجبرتني على طرح رأيي بطريقة ما ,فلعلّي أقول نعم توجد حياة ,
ومن المحتمل وجودها على ملايين الكواكب ! لكن مَنْ يهتم برأيٍ مهما كان أمر صاحبه ,إذا لم تقُم لدينا دلائل مباشرة ؟
من فضائل العِلم العظيمة أنّ العُلماء يعرفون توقيت الإجابة عن الشيء الذي لا يعرفونه .ومن دواعي السرور أنّ عدم معرفة الإجابة يُمثّل تحديّاً مُثيراً لمحاولة التوصّل إليها !
وقد نتحصّل يوماً على دلائل مُحدّدة عن وجود حياة على كواكب أخرى !
حينها فقط نكون قد عرفنا الجواب على وجه اليقين !
أمّا الآن فأفضل ما يُمكن (للعالِم) تقديمة ,هو تسجيل المعلومات وتقديمها للمساعدة في تسهيل التخمين .وهذا أمر ينطوي على الإثارة والتحدّي يتعيّن إنجازه .وأوّل سؤال ينبغي طرحه يخص عدد الكواكب الموجودة ؟
في هذه الأيام لدينا دلائل على أنّ عدداً كبيراً من (النجوم كالشمس) تدور حولها (كواكب) ,ويتّم إكتشاف المزيد منها خارج المجموعة الشمسيّة!
طريقة إكتشاف كوكب خارج المجموعة الشمسيّة
Extrasolar
لايتّم 
بمشاهدته مباشرة بالتلسكوب .فالكواكب لا تومض من تلقاء نفسها إنّما تعكس نور النجم التابعة له .ونظراً لبُعدها الشديد فهي تبلغ حدّاً من الضآلة يستحيل رؤيتها مباشرةً ,لذا نحنُ نلجأ الى وسائل غير مباشرة .
***
ص 195 / منظار الطيف !
الوسيلة المُثلى للإحساس بوجود الكواكب البعيدة جداً ,هي الإستفادة من منظار الطيف ,وهذه فكرة عمله :
عندما يدور جسم سماوي حول آخر يماثله في الحجم تقريباً ,فسوف يدور كلاً منهما حول الآخر ,لأنّ كلّ واحد منهم يبذل قوّة تجاذب على الثاني مساوية تقريباً للأخرى .وفعلاً فالعديد من النجوم التي نشاهدها عندما نتطلّع الى الأعلى تتكوّن من نجمين ,تسمى (الثنائيّات) !
لكن عندما يكون أحدها أصغر كثيراً من الآخر (مثلاً كوكب ونجمه) ,
فيكون الحال أنّ الجُرم الصغير يدور دائماً حول الجُرم الكبير ,وهذا الأكبر يؤّدي فقط حركات رمزية صغيرة كإستجابة لقوى جاذبية الأصغر .كما في حالة دوران كوكب الأرض حول نجمه الشمس ,فهذا صحيح لكن من المؤّكد أنّ الشمس تؤّدي تحركات ضئيلة إستجابةً لجاذبية الأرض !
والطريقة التي نكتشف بها هذه التحركات تنطوي على إثارة نابعة منها .
فالنجم البعيد عنّا كثيراً الى درجة لا يمكننا رؤيته (وهو يتحرّك) حتى بإستخدام تلسكوب قوي ,يمكننا قياس سرعة تحركهِ .قد يبدو ذلك غريباً لكن هذا هو مجال عمل منظار الطيف بالضبط !
تحدثنا في الفصل الثامن من هذا الكتاب عن (تأثير دوبلر) !
عندما تكون حركة النجم في إتجاه يبتعد عنّا ,يكون الضوء الصادر عنه في الإزاحةِ الحمراء .بينما عندما تكون حركته بإتجاهنا يكون ضؤءهِ في الإزاحة الزرقاء !
وبالتالي إذا كان للنجم كوكب يدور حوله سيرينا (منظار الطيف) شكلاً لإزاحة حمراء ـ زرقاء ـ حمراء ـ زرقاء ,في نبضات متناغمة !
توقيت هذه الإزاحات المُنتظمة يُخبرنا عن طول سنة الكوكب !
(تفسير ذلك أنّ الإزاحة الحمراء تعني أنّها قادمة من النجم نفسه ,بينما الإزاحة الزرقاء تعني لحظة مرور الكوكب التابع له أمام التلسكوب .
وهذا سيقود بالطبع الى تقدير طول سنة ذلك الكوكب)!
وسوف يكون الامر مُعقداً لو كان هناك أكثر من كوكب يدور حول النجم المُتباعد عنّا .لكن عُلماء الفلك يجيدون إستخدام الرياضيّات و بمقدروهم
التعامل مع تلك التعقيدات !
في وقت تأليف هذا الكتاب (مايو 2012) تمّ بهذه الوسيلة إكتشاف 701 كوكب تدور حول 559 نجم .وحتماً سيكون هناك المزيد منها عندما يصلك هذا الكتاب !
***
ص 196 / مجرّات ونجوم !
في مجرتنا (درب التبّانة) ,الغالبية العظمى من النجوم التي بحثنا فيها عن كواكب تابعة لها ,ثبت أنّ لديها بعضاً منها .وبإفتراض أنّ مجرتنا هي في وضع نموذجي وتمثّل حال أغلب المجرات .فبإستطاعتنا إستنتاج إحتمالية وجود كواكب تدور في مدارات أغلب النجوم !
يبلغ عدد نجوم مجرتنا حوالي 100 بليون نجم .وتقريباً يوجد نفس العدد من المجرّات في الكون .ما يعني بحدود 10 آلاف بليون بليون نجم !
قدّم العلماء وصفاً لـ 10% من النجوم المعروفة بإعتبارها تشبه الشمس!
بينما النجوم المختلفة بدرجة كبيرة عن الشمس (حتى لو كان لديها كواكب تابعة) من المحتمل ألّا تساعد في وجود حياة على تلك الكواكب لأسباب متنوّعة : فعلى سبيل المثال فإنّ النجوم الأكبر من الشمس بكثير لاتميل الى البقاء طويلاً قبل إنفجارها !
لكن حتى لو حصرنا تفكيرنا في الكواكب التي تدور حول نجوم شبيهه بشمسنا (وهي بالتأكيد بلايين البلايين) .
حسناً ,كم عدد تلك الكواكب الدائرة حول (النوع المُناسب من النجوم) ,
بحيث من المحتمل وجود حياة عليها ؟
في الواقع معظم الكواكب التي تدور حول نجوم وتمّ إكتشافها حتى الآن هي من نوع كوكب المشتري !!!
يعني عملاق غازي ,مكوّنة في غالبيتها من غازات تحت ضغط عالي !
وهذا ليس شيء باعث على الدهشة ,كون وسائلنا في إكتشاف الكواكب هي أصلاً ليست من الحساسيّة بما يكفي عادةً لملاحظة أيّ شيء أصغر من المشتري .وبالطبع الكواكب الغازيّة العملاقة (كالمشتري) ,ليست مناسبة للحياة كما نعرفها !
لكن ذلك لايعني أنّ الحياة التي نعرفها هي النوع الوحيد المُحتمَل للحياة !
***
ص 197 / البحث عن نطاق صالح للسكن !
تعتمدُ الحياة التي نعرفها على الماء .وعلماء البيولوجيا الفلكية يعتبرون الماء مسألة أساسيّة الى حدٍّ كبير!
(لكنّي أذكر ثانيةً ,بإحتمال وجود حياة تختلف عن التي نعرفها) !
جزء كبير من جهود العلماء مُنصّب في البحث عن أماكن حيوية كدليل على وجود الماء .وإكتشاف وجود الماء أسهل كثيراً من إكتشاف الحياة نفسها .مع ذلك إذا وجدنا الماء فلا يعني ذلك دليل أكيد على وجود الحياة ,
إنّما خطوة في الإتجاه الصحيح .ولكي يكون ثمّة وجود للحياة كما نعرفها يتعيّن على الأقل أن يكون هناك بعض المياه في الصورة السائلة .ولن تصلح الحالة الصلبة (الثلجيّة) ولا الغازية !
يبيّن الفحص الدقيق لكوكب المريخ أنّ ثمّة دلائل على وجود الماء السائل!
ولدى عدد كبير من الكواكب الاخرى على الأقل بعض الماء ,حتى لو لم يكن سائلاً ! وأحد أقمار المشتري المدعو (أوربا) مُغطى بالجليد !
وغالباً تحت ذلك الجليد بحر سائل .لقد إعتقد الناس في وقتٍ ما أنّ المريخَ هو أفضل مُرشّح لحياة دنيوية فائقة داخل المجموعة الشمسيّة .لكن في هذه الاوقات أخذ القمر (أوربا) مكان المريخ في تصدّرِ الإحتمالات !
و ماذا عن درجة الحرارة ؟
كيف يتكوّن التناغم الدقيق لدرجة حرارة كوكب ,إذا كان يتعيّن عليها أن تدعم إحتمال وجود حياة ؟
يتحدّث العلماء عمّا يُسمى النطاق الصالح للسكن
Goldilocks Zone
(مثل عصيدة دبٍ وليد) بين نقطتين متطرفتين خاطئتين,السخونة البالغة
(مثل عصيدة الدُب الأب),والبرودة الشديدة ( مثل عصيدة الدُبّة الأم) !
مدار الأرض (ملائم تماماً) للحياة,يعني ليس قريباً جداً من الشمس ,حيث يصل الماء الى درجة الغليان .وليس بعيداً جداً عن الشمس حيث تتجمد مياهه ,ولن يكون هناك مايكفي من ضوء الشمس لتغذية النباتات !
ورغمَ وجود بلايين البلايين من الكواكب ,فنحنُ لا نستطيع أن نتوقّع سوى عدد ضئيل منها لتكون ملائمة تماماً (أيّ صالحة للسكن) .
حيث يؤخذ في الإعتبار درجة الحرارة والمسافة بين الكوكب ونجمهِ !
***
ص 199 / إكتشاف مهم !
منذ وقتٍ قريب (مايو 2011) تمّ إكتشاف كوكب (في نطاق صالح للسكن)
يدور حول نجم إسمه (جلييز)
Gliese 581
,يبعدُ عنّا نحو 20 سنة ضوئية .(هذه في الواقع ليست مسافة كبيرة جداً بالنسبة للنجوم ,لكنّها بالطبع تبقى مسافة هائلة بمعايير البشر) !
هذا النجم جلييز هو (قزم أحمر) أصغر كثيراً من الشمس ,ومنطقتهِ المعتدلة بالتالي أكثر قرباً ,وله ست أقمار العديد منها كواكب صغيرة الحجم وصخرية مثل الأرض !
من المعتقد أنّ واحداً منها هو
Glises 581d
يقع في منطقة معتدلة بالنسبة للماء .(يعني يُفترض وجود ماء ,لكن هذا ليس مؤكداً بعد)!
في حالة وجود الماء فغالباً سيكون في الحالة السائلة وليس الصلبة أو الغازية .ولم يقترح أحد أنّ هذا القمر يحتوي فعليّاً على حياة ,لكن حقيقة إكتشافهِ على الفور عقب النظر إليه ,تجعل المرء يُفكّر في إحتمال وجود عدد كبير من الكواكب المُعتدلة خارج كوكبنا !
***
ص 199 / ماذا عن حجم الكوكب ؟
هل يوجد حجم معتدل (ليس كبير جداً ولا صغيراً جداً ؟) مناسب للحياة ؟
حجم الكوكب (والأصحّ كتلته) له تأثير كبير على الحياة بسبب الجاذبيّة !
فالكوكب الذي يُماثل الأرض في طول القُطر ,لكنّه مكوّن في أغلبه من الذهب الصلب مثلاً ,تكون كتلته أكبر من 3 أمثال كتلة الأرض !
بالتالي تزداد قوّة جاذبيتهِ بأكثر من 3 أضعاف الجاذبية التي نحن معتادون عليها على الأرض,وكلّ ما يوجد عليه يزداد وزنه بمقدار يتجاوز 3 أمثال وزنه على الأرض .يشمل ذلك جميع الأجسام الحيّة على الكوكب ,بحيث تصبح عملية نقل قدم أمام الأخرى بمثابة مشقة كبرى !
وأي حيوان بحجم الفأر سيحتاج الى عظام أكثر سُمكاً لتدعم جسمه .
وسيضطر للمشي حجلاً مثل وحيد القرن الصغير .بينما أي حيوان في حجم وحيد القرن قد يعاني من الإختناق في ظلّ ثقل وزنه !
***
ص 200 / في حالة كتلة الكوكب الخفيفة !
إن كان الذهب أثقل من الحديد والنيكل والأشياء الأخرى التي تدخل في تركيب الأرض ,فإنّ الفحمَ أخفُّ منها كثيراً .وبالتالي فالكوكب الذي يُماثل الأرض في حجمها لكن يتكوّن في غالبيته من الفحم تصبح قوّة جاذبيته أقلّ من خُمس الجاذبية التي إعتدنا عليها !
عنذئذٍ أي حيوان في حجم وحيد القرن يمكنه أن ينزلق على سيقان نحيلة طويلة مثل الوطواط .لكن الحيوانات الأكبر حجماً بكثير من الديناصورات
تستطيع أن تتطوّر دون عوائق إذا ما توّفرت لها الشروط الأخرى على هذا الكوكب .
الجدير بالذكر أنّ الجاذبيّة على القمر تُعادل سُدس جاذبية الأرض !
وذلك هو السبب في أنّ روّاد الفضاء كانوا يتحركون في قفزاتٍ واسعة مُثيرة ,بدت كأنّها صور كوميدية في أرديتهم الفضائية !
وأيّ حيوان يُتاح له بالفعل أن يتطوّر على كوكب له مثل هذه الجاذبية الضعيفة ,سيكون بنيانه مختلف تماماً .فالإنتقاء الطبيعي سيتوافق مع شروط الحياة هناك !
أمّا إذا كانت قوّة الجاذبيّة كبيرة للغاية (كما هو الحال على نجم نيوتروني)
فسوف يستحيل وجود أيّ حياة هناك !
فالنجم النيوتروني هو نوع من النجوم المُنهارة ,تتكون مادته في الغالب من فضاء خالٍ .والمسافات بين النويّات الذريّة هائلة البُعد مقارنةً بحجم النويّات ذاتها !
لكن في النجم النيوتروني فإنّ (الإنهيار) يعني ألّا وجود للفراغات الخالية
وقد تكون كتلة النجم النيوتروني مساوية لكتلة الشمس ,لكن حجمه لن يزيد في هذه الحالة عن حجم مدينة ,بالتالي تصبح قوّة جاذبيّته هائلة بما لايُقاس
ولو حدثَ وإنجذبتَ الى نجم نيوتروني لأصبحَ وزنكَ يعادل 100 بليون وزنك وأنتَ على الأرض .وستصبح مجرد رقاقة مسطحة ولن تتمكن من الحركة .وقد لا يحتاج الكوكب إلّا الحصول على جزء ضئيل من قوّة جاذبية النجم النيوتروني كي تضعه خارج المنطقة المعتدلة (التي يمكن وجود حياة عليها) .ليس لمجرد الحياة كما نعرفها ,بل لحياة لا يُمكن لنا أن نتخيّلها !
***
ص 206 / ماذا عن المستقبل ؟
حتى بالرغم من أنّنا حتى اللحظة لم نكتشف وجود حياة على كواكب أخرى (و قد لا نصل الى ذلك أبداً) !
لكن أملي أن تكونوا قد رأيتم وتحفزتم للقدر الكبير الذي يمكن أن يقدمهُ لنا العِلم عن الكون !
إنّ بحثنا عن الحياة في كواكب إخرى ليس من باب العبث والعشوائية .
فمعارفنا الفيزيائية والكيميائية والبايولوجيّة ,تجعلنا مُهيئين للبحث عن معلومات مفيدة حول نجوم وكواكب سحيقة البُعدِ عنّا .إضافةً الى تحديد الكواكب التي (أقلّه) هي مُرشّح مُحتَمَل لتكون حاضنة لنوع من الحياة !
نعم لا يزال هناك الكثير من الغموض يكتنف هذا الكون الهائل في حجمه
وغالباً لن نستطيع كشف جميع أسرارهِ .لكننا مُتسلحين بالعِلم يمكننا على الأقل طرح أسئلة تتسّم بالمعقوليّة ,وتنطوي على معنى حول الكون .ثمّ نتعرّف على إجابات ذات مصداقيّة عندما نجدها .ولسنا مضطرين لإختراع حكايات فجّة غير قابلة للتصديق !
فلدينا ما نستمتع به ويثير دهشتنا من البحوث والإكتشافات العِلميّة التي تتفق مع تخيّلاتنا .وفي النهاية فإنّ هذه الامور أكثر إثارة من القصص الخيالية .ذلك هو سحر الواقع كما أظنّه !!!
***
الخلاصة :
من خلال معيشتي (في السويد) وقرائتي للكتب العلمية الغربية ,كذلك حديثي ونقاشي مع أصدقاء من أهل البلد ,أو عرب يعيشون في الغرب بعضهم في تماس مباشر مع سلوك الناس من خلال عملهِ ,فهمتُ مايلي :
في الغرب يُشجعون أيّ إنسان على قول رأيه الصريح وفكرته حول مسألة ما ,حتى لو كانت تبدو محض جنون !
أكثر من ذلك هم يدونون تلك الأفكار ويعرضونها (عند الحاجة) على الأطباء النفسيين وعلماء الإجتماع ,ليقارنوها مع السائد بين الناس !
أحياناً إذا كثرت أعداد البشر الذين يؤمنون بفكرة غريبة (ليست علميّة) تراهم يتابعونها بإهتمام ويسجلون كلّ حدث وسكنة وطرفة عن الموضوع حتى إنْ لم يتوصلوا الى حلّ مباشر في حينها !
[كما قرأنا عن وجود ميثولوجيا كاملة عن الخطف على يد الغرباء ,تضم تفاصيل تُعادِل ماكان لدى اليونانيين القدماء وآلهة جبل الأولمب] !
في ظنّي هم يفعلون ذلك كي ينقلوا للأجيال اللاحقة (بأمانة) ماكان يدور في أيامنا هذه ,حتى وإن كان بعضها خرافات لا علاقة لها بالعِلم !
ما وددتُ قوله ,أنّ طريقة العلماء الحقيقيين في كتابة التأريخ تميل الى ذكر الحقائق كما هي ,حتى إن كانت لاتعجبهم وضدّ مبادئهم وأفكارهم !
وهذا في الواقع هو عكس مايلجأ إليه (عُلماؤنا الأعلام) ,أو بالأحرى تُجّار الدين في بلادنا البائسة !
فهم مثلاً (لأجلِ تصويب قصتهم ونشر فكرتهم) ,يزورون أغلب أحداث ووقائع التأريخ القريب والبعيد .بحيث تصبح كتب التراث الصفراء محض قصص دونكيشوتية تحكي عن إنتصارات باهرة على الأعداء بعد الظلم والعدوان الذي نال المؤمنين منهم !
هل وصلت فكرتي ؟
إنْ لا ..فسوف أستمر على هذا المنهج حتى النهاية ,لعلّي أنجح يوماً !!!

تحياتي لكم
رعد الحافظ
21 سبتمبر 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.