الشرق الاوسط: هيو روبرتسون
حظيت الشهر الماضي بشرف تعييني وزيرا للدولة للشؤون الخارجية والكومنولث، بعد عملي السابق وزيرا لأولمبياد لندن 2012. وتأتي منطقة الشرق الأوسط ضمن مهام منصبي، وأكتب هذا المقال عقب عودتي من أول زيارة رسمية لي إلى المنطقة، زرت فيها إسرائيل والأراضي المحتلة والأردن.
وتحدوني رغبة شديدة لأن أطلع قارئ هذه الصحيفة على الكثير من التحديات الدبلوماسية التي يواجهها المشهد السياسي في الشرق الأوسط. بيد أنه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لا يوجد ما هو أكثر أهمية أو إشكالا من الصراع الأكثر إثارة للمخاوف الدائر في سوريا. فما يقرب من 6.5 مليون شخص لا يزالون داخل سوريا نزحوا من منازلهم، وأكثر من مليوني شخص أجبروا على الفرار من سوريا ذاتها. وقد قمت يوم الخميس بزيارة إلى مخيم الزعتري، الذي يضم نحو 800 ألف شخص، والذي يتميز بكونه رابع أضخم تجمع في الأردن. ومن المروع قول هذا، لكنهم ربما يكونون محظوظين في بعض النواحي الأخرى، فقد وجدوا الأمن في مخيم قادر على تلبية متطلباتهم. غير أن هناك الكثير من اللاجئين الآخرين، المحتجزين داخل سوريا، مع اقتراب فصل الشتاء، يحمل المستقبل القريب احتمالية البؤس والمعاناة من الجوع والبرد.
وأعتقد أن المجتمع الدولي لم يقدم اعترافا كافيا بما تقوم به السلطات في بلدان مثل الأردن ولبنان، وتركيا أو العراق من جهود دؤوبة، وتكلفة ضخمة، للاعتناء بهؤلاء اللاجئين في وقت الحاجة. أنا أعي جيدا أن بلدا مثل المملكة المتحدة، في نهاية المطاف، حرة في تقديم المساعدة الإنسانية من عدمه، لكننا نفعل ذلك بسبب الحتمية الأخلاقية، وأنا فخور جدا بأن تتبرع المملكة المتحدة بتقديم المزيد من المساعدات لسوريا من أي قضية أخرى من هذا القبيل في ماضينا، بلغت نصف مليار جنيه حتى الآن. لكن جيران سوريا لم يحظوا برفاهية هذا الاختيار، فكان عليهم التعامل مع واقع 2.2 مليون شخص يبحثون عن ملاذ من العنف الذي مورس عندما قرر الأسد إطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين في عام 2011.
وكما قلت، قدمت المملكة المتحدة الكثير من المال لمساعدة جهود الإغاثة. وكانت الكثير من البلدان الأخرى، بعض منها في منطقة الشرق الأوسط، سخية جدا، أيضا. بيد أن المأساة تكمن في أنه بغض النظر عن كم المال الذي أنفق، إلا أنه بلا جدوى ما لم يصل الطعام والأدوية والخيام إلى الأفراد الذين هم في أمس الحاجة إليها. لقد كان نظام الأسد مسؤولا عن الكثير من الأعمال المروعة، التي لم تتوقف عند القنابل والرصاص وغاز السارين الذي يقتل السوريين. فعدم السماح لوكالات المعونة الدولية، المحايدة، بوصول المساعدات إلى الأماكن التي في أمس الحاجة إليها يقتل الأفراد أيضا. وتظهر قدرة مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على الوصول بأمان إلى 21 من أصل 23 موقعا للأسلحة الكيماوية، ما يمكن للنظام القيام به عندما يكون مستعدا لذلك. والرفض المتكرر أو التأخير في إصدار التأشيرات لعمال الإغاثة الأجانب، الذي ينتمون إلى وكالات إغاثة إنسانية محترمة، يظهر أنهم غير مستعدين في كثير من الأحيان للقيام بهذا. آخر الأخبار المروعة التقارير التي أشارت إلى انتشار مرض شلل الأطفال، الذي يمكن مواجهته بسهولة عبر اللقاحات الحديثة، داخل سوريا.
يحتاج المجتمع الدولي إلى التحرك سريعا لتمكين عمال الإغاثة من متابعة عملهم. ونحن هنا في المملكة المتحدة نؤكد للمعارضة المعتدلة، بغض النظر عن مدى صعوبة الظروف على أرض الواقع، أن عليهم بذل كل جهد ممكن لضمان قيام قواتهم بكل ما في وسعهم لمساعدة جهود الإغاثة والسماح للعاملين في المجال الإنساني بالوصول الكامل والآمن ومن دون عوائق. ونحن على ثقة من أن الروس يمارسون ضغوطا مماثلة على أصدقائهم في النظام، نظرا لحتمية وصول المساعدات إلى الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. وقد بذلت البارونة آموس، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، جهودا دؤوبة لتحسين الوصول عبر سوريا، ونحن نقدم لها دعمنا الصادق.
لكن السبيل الحقيقية الوحيدة لإنهاء هذه المعاناة هي السعي بطبيعة الحال لإنهاء الصراع ذاته. وفي نهاية الأسبوع الماضي، أيدت جامعة الدول العربية بالإجماع عملية جنيف الثانية، أو بعبارة أخرى، جمع الأطراف المختلفة معا للتفاوض على الانتقال إلى تسوية سياسية دائمة، من دون الأسد، تضمن المساواة والتمثيل لكل عناصر المجتمع السوري. وهذا لن يكون سهلا، كما أنه لن يكون سريعا؛ فقد تستغرق المفاوضات عدة أشهر. ولكن ما هي البدائل؟ لا يوجد أي احتمال بشأن قدرة أي من الطرفين على تحقيق انتصار عسكري. وإن لم نغتنم هذه الفرص، رغم صعوبتها، لإيجاد حل سلمي، فإننا بذلك نحكم على الشعب السوري بشهور وربما سنوات من إراقة المزيد من الدماء والبؤس. فقد رأيت بنفسي يوم الخميس، في مخيم واحد فقط ثمانين ألف سبب تقف وراء حاجة الشعب السوري الماسة للفرصة التي تتيحها «جنيف 2».
* وزير الدولة البريطاني
لشؤون الشرق الأوسط