رغم أنني في هذه الأيام أمر بمشكلة عصيبة ولست مؤهلا لا للقراءة ولا للكتابة إلا أنني لم أستطع أن أخفي فرحتي بالجائزة التي استلمتها الإعلامية نادين البدير في البحرين(جائزة الإعلام السياسي في تشجيع ثقافة الاختلاف), هي وبرنامجها(اتجاهات) فهذا البرنامج لطالما شغل عقول المثقفين حيث يعتبر الأول من نوعه على مستوى الخليج العربي, هذا البرنامج ينمو ويتصاعد نجمه في مجتمع لم يكن ليؤمن في يومٍ من الأيام إلا بالرأي الواحد, مجتمع منغلق على نفسه, لا يتقبل الآخر ولا يؤمن بالتعايش مع الآخر ولا يقبل بتواجد ثقافة الآخر حيث الاختلاف في نظره كفر والاقتراب أو تقريب وجهات النظر بين المختلفين من وجهة نظره رياء ونفاق, ولكن برنامج اتجاهات قلب الآية رأسا على عقب تماما كما قلب كارل ماركس فلسفة هيغل المثالية رأسا على عقب, هذا برنامج يعتبر مثل الحد الفاصل بين الرياضات الحديثة والرياضيات الإقليدية.
دعوني أن أضرب لكم مثلا عن برنامج إتجاهات, يقال بأن مندوب مبيعات هو ومندوب مبيعات آخر قد أخذا زجاجات من العطر لبيعها في المدينة, وكانت المدينة المقترح فيها البيع تنقسم إلى قسمين واحد شعبي وفقير جدا والآخر ثري جدا وبرجوازي حتى النخاع الشوكي, فباع الأول 10 زجاجات في الحي الفقير جدا على حساب 100-$- لكل زجاجة, بينما الآخر باع 20 زجاجة في الحي الثري والبرجوازي جدا, بالنسبة لمدير الشركة فقد اعتبر الذي باع 10زجاجات في حي فقير جدا بسعر 100-$- لكل عبوة تاجرا ناجحا أكثر من الذي باع 20 زجاجة في مجتمع ثري, والحكمة من الموضوع: إذ كيف أقنع هذا المندوب الفقراء على شراء عطر باهض الثمن وهم لا يملكون ثمن الخبز؟ علما أنه باع 10 عبوات, أما الآخر فليس كثيرا أن يبيع 20 عشرين عبوة في حي راقي وثري بل لا يعتبر هذا نجاحا إذ كان من الواجب عليه أن يبيع 100عُلبة عطر وليس عشرين.
وبرنامج مدام نادين البدير يشبه هذه القصة, فكيف مثلا هذا البرنامج يلاقي رواجا ونجاحا كبيرا في مجتمع لا يتقبل فيه الرجل ولا حتى رأي ابنه حتى وإن كان وحيده! في مجتمع لا يتقبل فيه الرجل رأي زوجته ولا حتى أمه, فعندنا في مجتمعاتنا العربية عندما يبلغ الطفل 15 عاما أو 14 عاما يبدأ بالتحكم بالأم والبنات ولا يتقبل في البيت رأيا إلا رأيه… كيف نجح برنامج مدام نادين في مجتمع هو أصلا لم يسمع يوما بمصطلح(ثقافة الاختلاف) أو بمصطلح(الرأي والرأي الآخر)!و بمصطلح(ثقافة التواصل) أو تعميق ثقافة الإتصال وتشبيك العلاقات بين مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع المحلي والأفراد والجماعات.
برنامج اتجاهات اعطى المواطن العربي حقنه كمقدمة له في أن يقبل بعد 50 عام ثقافة المجتمعات الأخرى, فنحن اليوم لا نعيش قي دولة منغلقة على نفسها, نحن نعيش ضمن عالم أشبه ما يكون بقرية صغيرة جدا, فعلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية تجد فيها أكبر بلد في العالم فيه تعدد ديانات وثقافات مختلفة من الألف إلى الياء, والوطن العربي مهيأ أو يتم تهيئته ليكون مثل المجتمع الأمريكي, فهذه دُبي ومعظم مدن الإمارات فيها الكثير من الجنسيات المختلفة على اختلاف ثقافاتها وعاداتها (الإثنية) وأديانها, فيها المسلم والمسيحي والصيني والخليجي والأفريقي والهند أوروبي واللاتيني والملحد والمؤمن والمتشكك واللاأدريه وعلى الدولة والمجتمع أن تتقبل هؤلاء الناس وتتقبل ثقافاتهم المختلفة وكل إنسان حرٌ بالذي يؤمن به, عدى عن ذلك هنالك اليوم تحولات ثقافية تحدث بشكل سريع جدا أسرع من أي وقتٍ مضى وهي أن تجد انسانا قد تحول بدينه من الإسلام إلى المسيحية ومن المسيحية إلى الاسلام أو من الشيوعية إلى الليبرالية البراغماتية أو الاشتراكية الفابية أو الماركسية اللينينية, أو قد تحول بسرعة من رومنسي إلى إنسان يؤمن فقط بالواقعية الجديدة التي ألهبت أقلام الكتاب وكاميرات السينما في الثمانينيات بجمهورية مصر, وعليه يجب على الأسرة داخل المجتمع الواحد أن تؤمن بضرورة الاختلاف وأن لا تعادي الفرد في الأسرة إن كان مسلما وتحول إلى مسيحي أو مسيحيا تحول إلى مسلم.
إن الله عندما خلق الكون وأعطانا العقول لم يعطنا عقولا متساوية في التفكير مع بعضها البعض فلكل انسان طبيعة تفكير مختلفة عن الأخرى ولكل إنسان مزاجه العام والخاص ومن حق كل انسان أن يعيش على مزاجه شريطة عدم الحاق الأذى بالآخرين, وأعبد ما شئت وكن ما شئت ولكن لا تتسبب بالأذى للآخرين, كُن كما قال إخوان الصفا وخلان الوفا في رسائلهم: عربي الدين عيسوي الأخلاق.
إن ثقافة الاختلاف اليوم مطلوبة على كل المستويات والتعددية في إطار الوحدة مطلوبة كأن نتعدد في الأديان والثقافات ونكون كلنا بنفس الوقت تحت حكم القوانين المدنية التي تراعي ظروف نشأة المعايير الأخلاقية الجديدة, فاتجاهات أيضا يؤسس نظرية جديدة للأخلاق وهي أن الأخلاق تتغير بتغير المكان والزمان والمزاج العام, فما أراه أن عيبا في مجتمعي قد أراه طبيعيا في مجتمع آخر مثال على ذلك الملابس وخصوصا ملابس النساء فهذه لها معايير تختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن ثقافة (إثنية) إلى ثقافة (إثنية) أخرى, ونحن مثلا حين نمشي في الشارع ونقود سياراتنا نراعي كافة قواعد المرور والسلامة العامة ولو لم نفعل ذلك لتسببنا بكوارث عديدة فأنا لست وحدي من يمشي على الطريق, وكذلك الثقافات والأديان المختلفة والاتجاهات المختلفة في الرأي والرأي الآخر يجب علينا مراعاة الآخرين واحترام حياتهم الشخصية حين يغلق كل إنسان الباب على نفسه ويمارس ثقافته في بيته مع أولاده وبهذا نحافظ على خصوصياتنا وعلى خصوصيات الآخرين, وأنا لا أطلب منك أن تتحول من مسلم إلى مسيحي ولا من مسيحي إلى مسلم أنا أطلب منك في هذا الوقت على الأقل أن تتقبل في بيتك رجلا أو امرأة غير دينه أو عادات لبسه وتقاليده يجب علينا أن نتقبل الآخرين على اختلاف أرائهم ومعتقداتهم.
هنيئا لبرنامج مدام نادين البدير هذا النجاح وهذا التقدم, فلقد احتمل الراديو 50 خمسين عاما حتى وصل إلى 50 مليون مستمع وأظن بأن اتجاهات عمره أقل من خمس سنوات منذ الربيع العربي وحقق أكثر من 100مليون مشاهدة, فلطالما إستشف وجدي هذا البرنامج, وكما قلت لكم أنا في هذه الأيام متعب وشبه منهار ولكن هذا الخبر أعادني إلى الحياة الطبيعية.
هنيئا لنادين البدير الرائعة والمحترمة والأنيقة والحساسة والانسانة الطيبة بهذه الجائزة,وهنيئا لنادين ببرنامجه برنامج اتجاهات, وهنيئا للروتانا خليجية بنادين البدير, وهنيئا للخليج العربي بولادة ثقافة جديدة تؤمن بأن الاختلاف أمر واقع مفروض علينا من عند الله عز وجل حين خلق للناس عقولا متفاوة ورحم الله جدي حين قال: كل إنسان عقله براسه مدينه, نعم, نحن مختلفون ولكننا نتعايش معا ونحترم بعضنا البعض على اختلاف عاداتنا وتقاليدنا وثقفاتنا ودياناتنا.