ثورة أهل الجحيم- ج 2

جميل صدقي الزهاوي؛ نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929

مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6

خاص: موقع المُفكِّر الحُرّ

ثانيًا: حوار بين الزهاوي وبين أقسى المَلَكَين، ما يُشبهُ تحقيقًا في حادثة

 

قال من أنت وهو يَنظُرُ شَزْرًا * قلتُ شيخٌ في لحْدِهِ مقبورُ

قال ماذا أتيت إذ كنت حيًّا * قلت كلُّ الذي أتيتُ حقيرُ

ليس في أعمالي التي كنت آتيها على وجه الأرض أمْرٌ خطيرُ

قال في أيٍّ من ضروب الصناعات تخصّصْتَ إنهُنَّ كثيرُ

قلت مارست الشِّعْـر أرعى به الحقَّ وقد لا يفُوتُني التصويرُ

قال ما دِينُكَ الذي كنت في الدنيا عليه وأنت شيخٌ كبيرُ

قلت كان الإسلام دينيَ فيها * وهْو دينٌ بالاحترام جديرُ

قال من ذا الذي عبدتَ فقلت اللهَ ربِّي وهْو السَّميعُ البصيرُ

قال ما ذا كانت حياتُك قبْلًـا * يومَ أنتَ الحرُّ الطليق الغريرُ

قلت لا تسألنّني عن حياة * لمْ يكن في غضونها لي حُبور

كنت عبدًا مُسَيَّرًا غيرَ حرٍّ * لا خَيارٌ له ولا تخييرُ

ما حَبَوني شيئًا مِن الحَول والقدرة حتى أديرَ ما لا يدورُ

كان خيرًا مني الحجارة تُثوى * حيث لا آمِرٌ ولا مأمورُ

قال هلا كسَبْتَ غير المعاصي * قلت إن لم اكسب فربّي غفورُ

كان إثميْ أنِّيْ إذا سألوني * لم أقلْ ما يقوله الجمهورُ

إنّهُمْ مِن أوهامِهمْ في إسارٍ * ولقد لا يُرضيهُمُ التحريرُ

وإذا لم يكن هنالك رأي * لِيَ أفضي بهِ فلا أستعيرُ

رُبَّ أمر يقول في شأنه العقل نقِيضُ الذي يقولُ الضميرُ

ثمَرات الأحراث لا تتساوى * هذهِ حنطةٌ وهذا شعيرُ

وقشورٌ وما هناك لُبابٌ * ولبابٌ وما هناك قشورُ

يتبع الجاهل الهويُّ أخاه * مثلما يتبع الضَّريرَ الضريرُ

قال هل صدَّقتَ النبيِّين فيما * بلّغوهُ ولم يَعُقْكَ الغُرورُ؟

والكتابَ الذي من الله قد جاء فأدلى به البشيرُ النذيرُ

قلتُ في خَشْيَةٍ: بلى
وفؤادي * مِن شُعاعٍ بهِ يكاد يطيرُ

إنهُ مُنزَلٌ من الله يهدي الناس طرًّا فهْوَ السّراجُ المنيرُ

قال هل كنتَ للصلاة مُقيمًا * قلتُ عنها ما أن عَراني فتورُ

إنما في اقتناء حُورٍ حِسانٍ * بصلاةٍ تجارةٌ لا تبورُ

قال هلْ صُمتَ الشَّهْرَ مِن رَمَضانٍ * قلتُ قد صُمتُهُ وطابَ الفطورُ

قال هل كنت للزكاة بمُؤتٍ * قلت ما كان لي بها تأخيرُ

قال والحجّ ما جوابُك فيهِ؟ * قلت قد كان لي بحجّيْ سُرورُ

قال هل كُنت للجهاد خفيفًا * قلت إني لبالجهادِ فخورُ

قال هل كنت قائلًـا بنشورٍ * قلت ربّي على النشور قديرُ

فإذا شاء للعباد نُشورًا * فمِن السّهل أن يكون نشورُ

قال ماذا تقول في الحَشْر والميزان ثم الحساب وهْوَ عسيرُ؟

والسؤالِ الدقيق عن كُلِّ شيء * والصِّراطِ الذي عليه العُبورُ

والجنانِ التي بها العَسَل الماذيُّ قد صفّوهُ وفيها الحُورُ

وبها ألـبـانٌ تفيضُ ولهوٌ وأباريقُ ثرَّةٌ وخُمورُ

وبها رُمّانٌ ونخْلٌ وأعنابٌ وطَلْحٌ تشدو عليه الطيورُ

ليس فيها أذىً ولا مُوبِقاتٌ * ليس فيها شمسٌ ولا زمهريرُ

والجحيم التي بها النار تذكو * في دهور وراءهنَّ دُهورُ

إنما المُهْلُ ماؤها فهْوَ يغلي * والهواءُ الذي يهبُّ الحَرُورُ

تلك فيها للمُجرمين عَذابٌ * تلك فيها للكافرين سَعِيرُ

إنّ مَن كان كافرًا فهْوَ فيها * وإن اعتاد أن يبرَّ خسِيرُ

هو في نارها الشديدة حَرَّانُ وفي زمهريرها مقرورُ

لكنّ الزهاوي تضايق من كثرة الأسئلة وتذمّر فقال

قلتُ مَهْلًـا يا أيها المَلَكُ المُلحِف مهلًـا فإنّ هذا كثيرُ

كان إيمانيْ في شبابيَ جَمًّا * ما بهِ نُزْرة ولا تقصيرُ

غيْرَ أنّ الشُّكوك هبّتْ تُلاحيني فلمْ يستقرّ مني الشّعورُ

ثم عاد الإيمان يومًا إلى أنْ * سَلَّهُ الشيطانُ الرَّجيمُ الغَرورُ

ثمّ آمنتُ ثم ألحَدْتُ حتى * قيل هذا مُذبذَبٌ مَمْرورُ

ثم دافعتُ عنهُ بعد يقين * مثلما يَدفعُ الكميُّ الجَسورُ

وتعمَّقتُ في العقائد حتى * قيل هذا علّـامةٌ نِحْريرُ

ثُمَّ أنِّي في الوقت هذا لخَوفي * لستُ أدري ماذا اٌعتقادي الأخيرُ

¤ ¤ ¤ ¤ ¤

معاني المفردات من قواميس اللغة- بتصرّف المُراجِع

الغَرير: المَغْرور، قليل التجارب¤ حُبور: سُرور¤ حَباهُ يَحْبُوهُ: أعْطاهُ بلا جَزاءٍ ولا مَنٍّ¤ تُثوى؛ ثَوَى- عن ابن برِّي: أَقام في قبره¤ الإِسارُ: القيد¤ الهويّ؛ قال الأصمعيّ: هَوى بالفتح يَهْوي هُوِيًّا، أي سقط إلى أسفل، كذلك الهُوِيُّ في السير إذا مضى¤ عَراني الأَمْرُ يَعْرُوني عَرْوًا واعْتَراني: غَشِيَني وأصابَني¤ البَوارُ: الكَسَاد، بارَتِ السُّوقُ إِذا كَسَدَتْ تَبُورُ¤ النشور؛ أَنْشَره الله: أَحياه؛ منه يوم النُّشُور¤ الماذِيُّ: العَسَلُ الأَبْيَضُ أو الجديدُ أو خالصهُ أو جَيِّدُه¤ الزَّمْهَرِيرُ: شدة البرد؛ قال الأعشى- من المتقارب: مِن القاصِراتِ سُجُوفَ الحِجالِ لم تَرَ شَمْسًا ولا زَمْهَرِيرَا¤ ذَكَتِ النارُ تَذْكو ذُكُوًّا وذكًا واسْتَذْكَتْ: اشْتَدَّ لهَبُها واشْتَعلت، نارٌ ذكِيَّةٌ على النَّسب¤ المُهْلُ: اسمٌ يجمع مَعـدِنِيَّات الجواهر، ما ذاب من صُفْرٍ (ضرْب من النُّحاس) أو حديد¤ الحَرُورُ: حَرّ الشمس، قيل أيضًا: استيقاد الحرّ ولَفْحُه، قد يكون بالنهار والليل¤ خَسَـرَ: ضَلَّ، فهو خاسِرٌ وخَسِيرٌ وخَيْسَرَى، خَسَـرَ التاجِرُ: وُضِعَ في تِجارَتِهِ أو غُبِن¤ المُلحِف في السؤال: المُكثِر، المُرَعْدِد الذي أوعَدَ أو تَهَدَّدَ¤ النَّزْر: القليل التافِه؛ نَزُرَ الشيء يَنْزُرُ نَزْرًا ونُزْرَة، نَزَّر عطاءه: قَلَّلَهُ. تُلاحيني: لاحَى فلان فلانًا مُلاحاة إِذا استقصَى عليه؛ يُحكى عن الأَصمعي أَنه قال المُلاحاة: المُلاوَمة والمُباغَضَة¤ سَلَّه يَسُلُّه سَلًّـا: انتزعَهُ وأخرجَهُ في رِفْق¤ الغَرورُ: ما غَرّك من إِنسان وشيطان وغيرهما. المَمْرُور: الذي غلبت عليه المِرَّةُ وهي مِزاجٌ من أَمْزِجَةِ البدن. الكَمِيُّ: الشجاع المُتَكَمِّي في سِلاحه لأَنه كَمَى نفسه أَي ستَرها بالدِّرع والبَيْضة، ج الكُماة. النِّحْرير: الفطِن البصيرُ بكل شيء

About جميل صدقي الزهاوي

جميل صدقي الزهاوي : شاعر وفيلسوف عراقي كردي الأصل، وقد عرف بالزهاوي .منسوبا إلى بلدة زهاو ولد جميل الزهاوي في بغداد عام 1863م، وعين مدرسا في مدرسة السليمانية ببغداد عام 1885م، وهو شاب ثم عين عضوا في مجلس المعارف عام 1887م، ثم مديرا لمطبعة الولاية ومحررا لجريدة الزوراء عام 1890م، وبعدها عين عضوا في محكمة استئناف بغداد عام 1892م، وسافر إلى إستانبول عام 1896م، فأعجب برجالها ومفكريها، عين أستاذا للفلسفة الإسلامية في دار الفنون بإستانبول ثم عاد لبغداد، وعين أستاذا في مدرسة الحقوق، وعند تأسيس الحكومة العراقية عين عضوا في مجلس الأعيان. توفي الزهاوي عام 1936م.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.