توهّج الطرب الإباحي في عشرينات القرن الماضي في مصر

سلوى عمار  : رصيف 22
 توهّج الطرب الإباحي في عشرينات القرن الماضي في مصر
تتضمن إحدى الأسطوانات النادرة حواراً بين الست بهية المحلاوية وسي توفيق، تتخلله ضحكات خليعة لـ”العالمة” والمطربة الشهيرة، وطلبها لـ”سيجارة حشيش”، قبل أن تبدأ بالغناء الزاخر بإشارات الغنج التي اشتهرت بها، ثمّ تستطرد في وصف “عمّ عبده”، وعضوه الذكري…

العشرينات وبداية طفرة الفن الإباحي
شهدت حقبتا العشرينات والثلاثينات ضهور العديد من الأغنيات التي وُصفت بالخليعة أو الإباحية، مع بضع رائدات لهذا اللون من الفن، مثل منيرة المهدية، نعيمة المصرية، رتيبة أحمد، بهية المحلاوية، حبيبة مسيكة، وغيرهن.

وكان لبعض المطربين والمطربات، تجارب تجاري الحالة الفنية الدارجة، مثل أم كلثوم، “الخلاعة مذهبي” التي عادت وعدلت في كلماتها لتصبح “اللطافة مذهبي”، وسيد درويش، “وأنا مالي هي اللي قالتلي روح إسكر وتعالى”، ونجيب الريحاني. وكان رائد كتابة هذه الأغنيات هو شيخ المؤلفين المصريين، محمد يونس القاضي، ومن الملحنين، زكريا أحمد ومحمد القصبجي وسواهما.

ومن أهم الأغاني الخليعة التي نالت شهرةً في القرن الماضي كانت أغنية منيرة المهدية: “ارخي الستارة”.

مع بداية اللقاء، وبدلع ملحوظ، تطلب السيدة منيرة المهدية من حبيبها أن يسدل ستار المنزل، كي لا يراهما الجيران وهما يمارسان الجنس، فيقطعوا عليهما نشوة الحب. وبعد إتمام اللقاء الحميم تغني المهدية “دلوقت بس أنا اللي ارتحت، لا حد فوق ولا حد تحت، يا مبسوطين ياه يا مفرفشين قوي يا احنا”…

وفي مقطع غنائي آخر، تستخدم الست نعيمة المصرية دلالها لتحظى بنزهة مع حبيبها “الشاطر” في القناطر، وحتى يحلو لقاؤهما تطلب منه أن يحضر “الإزازة”، وهي نوع من الخمور، فتغني ” هنيني بخفتك واسقيني بذمتك”…

سيد درويش وحياة صبري جمعهما “دويتو”، وهو حوار بين حبيب يطلب من حبيبته قبلة: “شفتي بتاكلني أنا في عرضك خليها تسلم على خدك”، لترد عليه الحبيبة بدلع “يووه يا دين النبي تنك سايح ماشبعتش من ليلة امبارح”، فيجيب هو “أما دي حقاً كانت ليلة”…

سرير نوم الست آسيا ندى كان ضيقاً جداً، وهو أمر كان يزعجها، لذا تغني “نوم يا دي النوم يا سرير النوم ضيق يا نا”، وتتسلسل في وصف السرير وجهوزيته للقاء الحميمي، وتنتقل في غنائها من وجهها إلى جسدها، “سرير النوم ضيق وردي، متحطش إيدك على خدي، سرير النوم ضيق قرفة، متحطش إيدك ع الشفة، سرير النوم ضيق عودي، متحطش إيدك على نهودي، سرير النوم ضيق قطني، متحطش إيدك على بطني”…

كيف انتشر فن الأغاني الإباحية؟
بعتبر الكثيرون هذا الفن مرآةً للوضع القائم في تلك الفترة. بحسب أيمن عثمان، الباحث في التراث المصري وكاتب “موسوعة تراث مصري”، “بدأ انتشار هذه النوعية من الأغنيات بعد فشل ثورة 1919، وشعور المواطنين بأن الفشل يخيم على البلاد. الجميع تحت سطوة الاحتلال، فجاءت الأغاني الساخنة كردة فعل على هذا الانحلال”.

أما الدكتورة ياسمين فراج، الأستاذة بأكاديمية الفنون المصرية والناقدة الموسيقية وكاتبة “الغناء والسياسة في تاريخ مصر”، فتذهب لاعتبار أن لانتشار هذه الموسيقى جانب مُشرّف، وتقول لرصيف22 إن هذا النوع من الفن ظهر في وقت كانت تعاني فيه مصر من الاحتلال، وكان لا بد من استخدام الخلاعة والإباحية لجذب المحتل.

بحسب فراج “يقوم المطرب أو المطربة باستدراج أفراد من جيش الاحتلال، في أجواء يملؤها الغناء والرقص المتسمان بالخلاعة، وذلك للحصول على معلومات بعد تسكيرهم”، وما يدلل على ذلك برأيها هو أن لدى هؤلاء الفنانين/ الفنانات سجلاً واسعاً من الأغنيات الوطنية، مثل سيد درويش ومنيرة المهدية وغيرهما.

ساهم في انتشار هذا النوع من الموسيقى أيضاً، بحسب عثمان، وجود العديد من الجنسيات المختلفة من المطربات والمطربين في مصر. فبرغم الاحتلال، اشتهرت مصر بتقدمها الفني منذ العشرينات وبأنها مجتمع متعدد الأعراق.

هل تقبل الجمهور هذا الفن حينها؟
يرفض قطاع كبير من جمهور اليوم الأغنيات الجريئة بكلماتها ومعانيها. فكيف كان تقبل جمهور العشرينات والثلاثينات لمثل هذه النوعية من الأغنيات؟ بحسب الدكتورة فراج، الجمهور ليس كتلة واحدة، وهذا ما يدركه المطربون، فمنيرة المهدية مثلاً كانت تقدم أغنيات وطنية في مسرحها، ولكن في العوامة التي تملكها كانت تقدم أغنيات تتسم بالخلاعة.

والأمر نفسه ينطبق على سيد درويش، فأغنياته التي كان يقدمها في المقاهي والسهرات، تختلف تماماً عن الأغنيات التي قدمها لطلاب المدارس، وفي مسرحياته مثل يا بلح زغلول، التي قُدمت بمناسبة نفي سعد زغلول. تقول فراج “إن الجمهور حينها كان ينقسم بين جمهور مصري يريد أن يسمع أغنيات ذات طابع قومي لشحذ همته، وجمهور يضم جنوداً أجانب، ينجذب إلى هذا النوع من الموسيقى، وتُقدم له أغنيات خليعة بهدف استنزاف جيبه وجلب عملة صعبة إلى مصر”.

هل كانت السوق بلا رقابة؟
يشير عثمان إلى أنه في تلك فترة، لم يكن هناك ما يُسمى بالرقابة، فالحكومة لم يكن لديها إذاعة، وكان الاعتماد في الاستماع للأغنيات على الإذاعات الأهلية، مثل محطة راديو فيولا وإذاعة سابو. ويرى عثمان أن الإذاعات كانت تبث الأغنيات في منطقة محددة، فيستمع إليها سكان المنطقة فقط، إذ كان لكل منطقة إذاعة، مثل شبرا.

اندثار فن الخلاعة
بدأ نجم فنون الخلاعة يندثر شيئاً فشيئاً، مع ما أسماه عثمان بثورة سيد درويش الغنائية، وظهور عبدالرحيم مسلوب، وعبده الحامولي، ومع تقلّد محمد يونس القاضي منصب رقيب المصنفات الفنية في عام 1943، ليبدأ بنفسه، ويمنع إذاعة الأغنيات التي تحمل توقيعه.

ولكن لا يختلف الماضي كثيراً عن الحاضر، فالفن الجريء ينتشر اليوم بين فئات معينة من الجمهور. يقول عثمان: “اليوم هنالك جمهور واسع يفضل أغنيات المهرجانات الشعبية على حساب أقطاب الطرب مثل علي الحجار ومحمد الحلو، مثالاً”.

This entry was posted in الأدب والفن, يوتيوب. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.