دأبت المعلومات والتحقيقات، التي تناولت تنظيم داعش في سوريا على القول إن التنظيم دخيل على سوريا في تنظيمه وفي أهدافه وسياساته وممارساته. وتكررت في هذا السياق، معطيات حول أصول أعضاء التنظيم ومقاتليه، الذين اقتربت جنسياتهم من نحو مائة جنسية، تتوزع عبر قارات العالم المختلفة، لا يجمعهم سوى التطرف، وتبني الإرهاب لتحقيق أهدافهم، التي قيل إنها لنصرة الشعب السوري، لكنها في الواقع العملي، أدت إلى نتائج عكسية، وهذا لم يكن من باب أخطاء «داعش»، إنما كان في سياق أهدافه العملية. فقد خدم وجود «داعش» وممارساته نظام الأسد، وأساء بصورة عميقة للسوريين وقضيتهم، أكثر مما سببته سياسات وممارسات النظام بسبب الاهتمام الدولي الخاص بالإرهاب وتطرف تنظيماته، التي يحتل «داعش» المرتبة الأولى في قائمتها.
لقد بدا «داعش» من خلال قياداته وأعضائه، ومن خلال آيديولوجيته المتطرفة، وممارساته الدموية، غريبًا عن الواقع السوري وتنظيماته المسلحة، التي أنتجها التحول إلى الصراع المسلح، وأحد عوامل الغربة، يمثله الدور الخارجي في تمكين «داعش» من دخول سوريا، ثم مساعدته في تأمين إمكانات مادية كبيرة عبر تمرير المقاتلين والقيادات، وتوفير الأسلحة والذخيرة والأموال للتنظيم لتثبيت وجوده، ثم الانتشار والتمدد، ولا سيما في شمال وشرق سوريا، حيث لم يكن هذا التمدد مصادفة، بل كان نتيجة عوامل وظروف واقعية محلية، ساعدت بترسيخه القوى الخارجية، وفرضته على السوريين.
إن دور الخارج وخاصة العراقي والإيراني والتركي في موضوع وجود وتطور «داعش» وتمدده في سوريا مؤكد وملموس. فالعراق في ظل رئاسة نوري المالكي سهل هروب قيادات وكوادر متطرفة، ولا سيما من سجن أبو غريب، شكلت قوة «داعش» الأساسية في سوريا، ثم مررت لها الأموال والأسلحة والذخائر من الجيش العراقي، وقد تواطأت السلطات العراقية مع «داعش» في استيلائه على الموصل وغيرها في العام الماضي، مما وفّر مزيدا من الأسلحة والذخائر والأموال، عززت قدرات «داعش»، وجعلت حكومة العراق الموالية لإيران من العراق ممرًا لدعم استخباري إيراني، وفّر متطوعين وأسلحة وأموالا، عززت وجود «داعش» في سوريا، وكله جرى بالتوازي مع صيرورة تركيا ممرًا لقيادات وكوادر متطرفة، تسلل أغلبها للانضمام إلى «داعش»، وعمل بعضها على بناء خلايا وتنظيمات، تتبع «داعش» في تركيا.
وبدا من الطبيعي، بعد عامين على وجود «داعش» وتمدده في سوريا، وانطلاق الحرب التركية على «داعش»، وتنامي الصراع معه في العراق، وما فرضه ذلك من تغييرات في العلاقة مع «داعش» وحوله في الجوار العراقي – التركي، تعززت عملية توطين «داعش» في سوريا، وهو أمر تم عبر ثلاثة مجريات أساسية.
أولها توفير قدرات مالية جديدة للتنظيم، جاء في إطاره، استيلاء التنظيم على حقول النفط والغاز، ووضع اليد على الممتلكات العامة، والاستيلاء على ممتلكات شخصية لمواطنين غادروا، أو وصفوا بالعداء للتنظيم، إضافة إلى فرض الرسوم والضرائب على السكان، وكلها وفرت مصادر ضخمة لتمويل «داعش» وعملياته، بدل الاعتماد على المصادر الخارجية أو بالإضافة إليها.
والثاني، توفير الأسلحة والذخائر، وقد تم عبر مسارين اثنين، الأول ما يوصف بأنه «غنائم» عسكرية، حصل عليها التنظيم في معارك ضد خصومه في قوات الحماية الشعبية والجيش الحر، وتشكيلات إسلامية منها جبهة النصرة. أما المسار الثاني لتوفير الأسلحة والذخائر، فكان من نظام الأسد، وقد ترك أسلحة وذخائر بعد معارك شكلية كما حدث مؤخرًا في معارك تدمر، التي تضم ثاني أكبر مستودعات عسكرية لجيش الأسد، أو عبر انسحاب قوات الأسد من مواقع دون مواجهات مع ميليشيات «داعش» وهذا ما حصل في منطقة أبو الشامات بعد معارك تدمر الأخيرة، وقبله حصل شيء قريب في عملية تسليم مطار الطبقة لـ«داعش» العام الماضي، بما فيه من مخازن أسلحة وذخائر.
أما الثالث وهو الأهم في خطوات توطين «داعش». فيتعلق بالامتداد البشري للتنظيم الذي كان في بدايته يعتمد أساسًا على المهاجرين، وقد شكلوا الأساس في قياداته ومقاتليه، وهذا الأمر لم يعد ممكنًا استمراره لظروف متعددة، مما دفع التنظيم للاعتماد على موارد بشرية محلية، ففتح الباب أمام متطوعين سوريين ولا سيما في ريف حمص الشرقي والرقة، ليكونوا في صفوف المقاتلين، كما شجّع عمليات تزويج المهاجرين بنساء محليات، لتعزيز الامتداد البشري للتنظيم في مناطق سيطرة «داعش».
إن مسار توطين «داعش» على نحو ما تتضمنه المجريات الثلاثة، يلعب دورًا أساسيًا في تقوية «داعش» في سوريا، رغم الحرب عليه. وكلما مرّ مزيد من الوقت على وجود التنظيم في سوريا، وتمدده فيها، سيتوالى ظهور مزيد من العقبات والصعوبات في محاربته واستئصاله من الواقع السوري.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”