أعترف بأن الموضوع صدمني اليوم صدمة قاسيه حين طالعته على صحيفة الغارديان البريطانيه أونلاين .. لأني أعرف أننا حين نذكر الهند فهناك من يتشدق بأنها ( أكبر ديمقراطيه في العالم ) وغيره يتشدق بأنها ( قوة نووية كبرى في العالم ) لكن لا أحد يذكر أن ما يزيد على نصف مليار هندي .. 564 مليون هندي بالتحديد .. ما زالوا حتى اليوم يقضون حاجتهم على قارعة الطريق .. ببساطه شديده لأنه لا توجد في بيوتهم مرحاض
ثارت قصة المرحاض في الهند حين قامت عروس هنديه صغيره تدعى ( أنيتا نار ) بترك بيت الزوجيه بعد يومين من زواجها إحتجاجاً على خلو بيتها من مرحاض تقضي فيه حاجتها ورفضت العودة إليه حتى يبني زوجها هذا المرحاض .. إنتشرت قصتها في الهند كالنار في الهشيم , فلا أحد قبلها قد تصرف بهذا الشكل إزاء قضية إعتاد عليها الجميع طيلة حياتهم ولم يعد فيها مأخذ على أحد منهم
موقف أنيتا نار تحول الى فيلم سينمائي يحمل عنوان ( تواليت ) إخراج ( أكشاي كومار ) الذي قال : لم يكن لي حتى التقيت نار وغيرها من النساء مثلها أنني فهمت الحجم الحقيقي للقضية . خلال بحثي للفيلم , لم أكن أعرف ما يعنيه ذلك لملايين النساء في جميع أنحاء البلاد . لم يكن لدي أي فكرة عن الخوف الذي تواجهه النساء في كل مرة يخرجن لقضاء حاجتهن في العراء حيث أن الكثير من النساء تواجه الاعتداء والتحرش والاغتصاب أثناء ذلك
ويعني تهديد العنف وتحرش الرجال أن تنتظر معظم النساء حتى حلول الليل قبل أن يخرجن لقضاء حاجتهن في العراء . وتتحمل الكثيرات منهن حبس إرادتهن الإنسانيه البحته مدة تصل إلى 13 ساعة قبل التبول أو التبرز مما يعرضهم لالتهابات الأمعاء والمسالك البولية والمشاكل الصحية الأخرى
هذه ليست النتيجة الفظيعة الوحيدة لنقص المراحيض في الهند . التغوط والتبول في العراء ينشر المرض ويلوث مياه الشرب ، مما يضر صحة الملايين من المواطنين . ومن بين مليار و700 مليون شخص عدد سكان الهند يموت سنوياً بسبب سوء الصرف الصحي والمياه غير المأمونة أكثر من 600 ألف شخص في الهند , ويؤدي إلى قتل المزيد من الأطفال الهنود دون سن الخامسة أكبر من أي سبب آخر , وكثيرا ما ينمو الذين يبقون على قيد الحياة وهم يعانون من سوء التغذية والتقزم بسبب الإسهال والتيفوئيد والإصابة بالدود
ثم يقول المخرج أكشاي كومار : الفيلم يحكي قصة زوجة ترفض العودة إلى زوجها حتى يبني لها مرحاض . من خلال جلب قضية التغوط مفتوحة لشاشة بوليوود الملونه ، وآمل أن تلهم الملايين من الناس لمعالجة المشكلة التي تحطم الكثير من الأرواح وتحرم النساء والرجال من سلامتهم وكرامتهم الأساسية وخصوصيتهم الشخصيه
تنفق حكومة الهند حالياً حوالي 29 مليار دولار أمريكي ( 24 مليار جنيه استرليني ) على بناء الملايين من المراحيض العامه ، في محاولة للتخلص من التغوط في العراء بحلول عام 2019
المشكلة هي في عقيدة الناس لأن الكثير من الهنود يعتقدون أن بناء المراحيض داخل المنازل – حيث تغسل وتطهى وتعبد – هو شيء قذر . إن تغيير عقول الناس يصبح ضروريا لمعالجة أزمة الصرف الصحي ، ولهذا فالحل الحالي أمام هذه العقيده هو قيام الحكومه ببناء أكثر من مرحاض عام في كل حي للتخلص من هذه الظاهره
الحكومة الهندية والمنظمات غير الحكومية والقادة المحليين بحاجة إلى العمل مع الناس لشرح مخاطر التغوط في العراء والفوائد التي تجلبها المراحيض . ولكن حتى هذا لن يكون كافيا لتغيير عقول الناس . المراحيض التي تبنى تحتاج إلى أن تكون متصله بخطوط الصرف الصحي المناسبة لتجنب تلوث مصادر المياه النقيه ومياه الشرب
فى ديسمبر هذا العام يجتمع زعماء العالم فى كينيا فى ( جمعية البيئة التابعة للامم المتحدة ) لايجاد سبل مكافحة تلوث المياه . وتشكل الأمراض المنقولة عن طريق المياه مثل الإسهال سببا رئيسيا للوفاة ، ولا سيما في البلدان النامية . وتقدر الأمم المتحدة أن ما يصل إلى ثلث الأنهار ملوثة بمسببات الأمراض من سوء الصرف الصحي ، وأن 3.4 مليون شخص على الأقل معظمهم من الأطفال يموتون كل عام بسبب المياه الملوثة
حجر الزاوية في الحياة على كوكبنا هي المياه التي تؤثر على جميع واقعنا وليس على صحتنا فقط , ويؤدي نقص المياه إلى زيادة الفقر وعدم المساواة والجوع .
تلوث المياه يؤدي الى العطش البيئي الذي يضر بحق الطفل في الحصول على تعليم لائق ومعيشة لائقه لأن الطفل هو الحلقة الأضعف في المجتمع
وإذا أردنا أن نخلق عالما أكثر صحة وإنصافا ، فمن الضروري أن نعمل معا من أجل تزويد الجميع بإمكانية الحصول على مياه نظيفة ومرافق صحية أفضل . وهذا هو بالضبط ما سيفعله القادة العالميون في الجمعية عندما يلتزمون بمكافحة التلوث الذي يصيب الماء والتربة والهواء الذي نتشاطره جميعا
ليست الحكومات وحدها التي تحتاج إلى تصعيد الجهود . كل الناس يمكن أن يحدثوا تغييراً هائلا
هل يمكن أن تعيش الهند دون ديمقراطيه ؟ وأن تعيش دون قوة نوويه ؟
نعم تستطيع اذا كان لديها 564 مليون إنسان يتغوطون ويتبولون يومياً في الشوارع منذ مئات السنين … آآآآه كم هو متناقض هذا العالم