تهافت العقل على النقل

jihadalawnaيقول (الشهرستاني) في كتاب(المِللْ والنِحلْ): بأن إبليس هو أول من عمل بالعقل,حين قاس عقله على عقل آدم ورفض السجود له,وبعض الناس لا يدركون ما هو مصطلح(العقل والنقل) وللتوضيح نقول: إذا قرأت رواية أو حديثا نبويا أو آية قرآنية فهذا نسميه (النقل) وإذا فكرت أنت فيما تقرأه ورفضه عقلك فهذا نعتبره (العقل) ومن هنا برز مصطلح:(العقل والنقل) وهي ظاهرة نقدية معروفة من جملة مسائل النقد الأدبي للنص وللتناص حتى في الجملة التوليدية في منظومة النقد البنيوي والمسألة لا تتوقف عند هذا الحد وإنما تتفرع عن هذه المسألة أمورٌ أخرى وهي: إذا تطابق العقل مع النقل فهذا معناه أن إيماننا سليم عقيلا,وأيضا أيهما نقدمه على الآخر في حال اختلف العقل مع النقل؟ هل نؤمن بالنقل وحده ونرفض العقل؟أم نؤمن بالعقل ونرفض النقل؟ طبعا الإسلاميون كلهم جملة وتفصيلا يقدمون النقل على العقل كما حدث ذلك مع علي بن أبي طالب حين قال:لو كانت المسألة بالرأي لكان مسح الخفين من الأسفل أولى من مسحهما من الأعلى كما ورد هذا التقليد عن مسح الخفين في اثناء الاستعداد للصلاة وقت الوضوء, ومسألة النقل والعقل في القرآن لا تُختصرُ على القرآن نفسه لأنها ظاهرة أدبية معروفة في مجمل الآداب العالمية من شعر وقصة ورواية ومعروفة في الشعر أكثر كون الشعر لغة مكثفة تهتم بجانب المبالغة في الوصف والتعبير لدرجة لا يمكن للعقل من خلالها أن يصدق الصفة والموصوف خصوصا في العشق وأيضا في اسلوب كتابة الشعر العالمي الحديث حيث يلجأ الأديب إلى الغموض وإلى تجنب الصورة المباشرة.
وكذلك حدثت قصة العقل والنقل مع جعفر الصادق الذي اعتبر أن البول أنجس من (المني) ومع ذلك العقيدة الإسلامية تفرض الاغتسال من الجنابة بالكامل في حال نزول المني وغسل العضو الذكري أو الأنثوي في حالة التبول,وهنا لا يجوز لنا أن نعمل بالعقل بل بالنقل ذلك أن مبرر الفقهاء في ذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله وسيأتي يوم على الناس تفهم فيه لماذا وجبت عملية الاغتسال من الممارسة الجنسية ولم يوجبها الدين والشرع والعقيدة في حالة التبول علما أن البول فيه مايكروبات والمنى ماء طاهر جدا.

, وهنا قرأت عن عدة علماء من علماء السنة قولهم بالإجماع: بأن الدين الإسلامي لا يختلف العقل فيه عن النقل ويعتبرون الدين الإسلامي كله دين عقلاني وواقعي ولا توجد أي آية قرآنية متعارضة مع العقل ولا أيضا أي حديث نبوي صحيح متعارض مع الواقع,أبداًً,الدين الإسلامي دين واقعي عقلاني,والسبب في هذا الإيمان هو أن الله أنزل القرآن على محمد (ص) وعرض الله القرآن على محمد(ص) ومحمداً خلق الله له عقلا كبيرا أكبر من كل العقول البشرية أي أنه سبق عصره وأوانه كما نقول اليوم نحن عن أصحاب المواهب بأنهم فلتةٌ من فلتات الطبيعة ولذلك صدقوا محمدا, وأضاف البعض حيث يقولون: نحن نتبع عقل محمد وهو أشرف الخلق أجمعين, ومعنى اشرف الخلق بنظرهم يعني أكثرهم عقلا ومنطقا ومن الصعب فهمه ومناقشته وبما أنهم يثقون بقدراته العقلية فإنهم بهذا اتبعوه على مبدأ النقل وليس العقل قياسا بعقولهم التي هي أقل من ناحية القدرات من عقل محمدٍ,ويقولون أيضا: بأن الله هو من خلق العقل وخلق كل العقول وأعطى محمدا عقلا أقوى من كل العقول,ومن ثم يعودون بنا إلى السخرية من أنفسهم ليس للتحقير وإنما من دافع قياس عقولهم على عقل محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون بالإجماع:نحن لا ننكر أن نستعمل عقولنا ولكن لا يجوز مطلقا أن نُقدم عقولنا على القرآن وعلى سنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم( على حسب تعبيرهم),ويقول ابن القيم في كتاب(مختصر الصواعق….في الرد على المعطلة): أن تقديم العقل على النقل هو أصل جميع المفاسد في العالم كله …وأن أتباع الشيطان هم وحدهم من يُقدم العقل على النقل. هنا نعود إلى مشكلة الصدوقيين والفريسيين الذين قدموا مصالحهم على مصالح جماعة المؤمنين وعلى الله نفسه وهم الصدوقيون والفريسيون الذين فضلوا أن يلتزموا الصمت ويحافظوا على دينهم, فإذا كانوا هم فعلوا ذلك فقد فعل إزاء ذلك صحابة محمد صلى الله عليه وسلم مسألة أخرى وهي أنهم قدموا النقل على العقل ورأوا في تقديم العقل مفاسد على الناس ذلك أن الشيطان هو أولُ من عمل بالعقل وبالقياس فوقع في الخطأ وطرده الله من رحمته, وهذه متفقٌ عليها في الأديان الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية ولا يوجد فيها أي جدال.

ويرفض اليوم أغلبية السلفيين أن يرضخ الدين لعقلك أنت أيها العاقل من منطلق أنهم يعرفون بأن عقلك أقل من عقل من نقلوا عنه لذلك إذا استعملت عقلك في الدين من حيث الفرائض والأركان فقد تقع في نفس الخطأ الذي وقع به الشيطان ومن أجل اتخاذ التدابير فقد جعلوا العقل يعمل في الأمور الأخرى بينما في الفرائض أوجبوا الاتباع بدل القياس, فهم على أغلبيتهم يؤكدون على ضرورة أن يخضع الدين للعقل ولكن ليس عقلك أنت,بل عقل(محمد ص) أو عقل الخلفاء الراشدين, وهذا معناه أنهم يجردونك من عقليتك وبالتالي فهم مع زعمهم هذا يؤكدون على رفض النقل إذا تعارض مع العقل ذلك أن عقليتهم جميعا تفضل النقل على العقل كما أوضحنا ذلك عن المذهب الحنفي في مقالات سابقة,ويسمى عندهم(الرأي) أي العقل,وكل علماء أهل السنة يؤكدون على منع الدين من مقارنته وقياسه بالعقل,وهم بهذا يقيمون تعارضا شديدا بين ما هو عقلي وما هو واقعي, فيزعمون أن كل ما هو نقل نجده مطابقا لعقليتهم فهم يقيسون عقلهم على قدر النقل,ويهملون عقلك إذا كان عقلك يتعارض مع كل ما هو غير عقلاني,أي أنهم ينفون العقل نفيا باتا ويتجاهلون كافة العقول.

في فلسفة (هيغل) تعلمنا أنه ليس من الضرورة أن يكون كل ما هو عقلي واقعي أو كل ما هو جديد ليس بالضرورة أن يكون أفضل من القديم,فأحيانا الأمور العقلية تحدث أمامنا ونشاهدها بأعيننا ولكننا نعتبرها غير واقعية ,ومن ذلك ما نسميه :خرق قوانين الطبيعة,فكثيرة هي تلك الأمور التي نشاهدها ونعتبرها شبيهة بالخرافية,وأحيانا ننسبها للخرافة أو للخدع البصرية,أي أننا نؤمن بأن هنالك أشياء غريبة غير مصدقة تحدثُ أمامنا ومع ذلك نعتبرُ أنفسنا مخدوعين فيها خداعا كبيرا.
المهم دائما في الدين أن ينتصر النقل على العقل,ولكن كيف يتم ذلك؟,هذا بنظرهم غير مهم والأهم من ذلك أن نقدم النقل على العقل, وعلى فكره: كل الأديان تقيم تعارضا شديدا بين مسألة النقل والعقل, أي أن كل الأديان تقدم النقل على العقل والرأي والقياس,ولم يقد ولا في أي يومٍ من الأيام العقل معركة ضد الدين إلا وكسب الدين المعركة.

وهنالك رواية وقصة عن أبي حنيفة النعمان والإمام الصادق ما يثبت أن الدين الإسلامي دين غير عقلاني أي لا يستوي فيه مفهوم النقل مع مفهوم العقل ولا يجوز فيه القياس مطلقا ,ففي بداية حياة أبي حنيفة النعمان كان يميل إلى العمل بالرأي وبالقياس مما أزعج الإمام الصادق حين بلغه عنه هذا فنهره في القصة التالية:

“يقول أبو زهرة: جاء في الكافي عن أبي حنيفة قال: استأذنت عليه (أي الإمام الصادق) فحجبني، وجاءه قوم من أهل الكوفة واستأذنوا، فأذن لهم، فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة، فنهيتهم أن يشتموا أصحاب

محمدَ (صلى الله عليه وسلم)، فإني تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال: لا يقبلون مني، فقلت: ومن لا يقبل منك، وأنت ابن رسول الله!!!!!؟؟؟؟؟؟؟!!!!.

فقال الصادق: أنت أول من لا يقبل مني، أولا: دخلت داري بغير أذني وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنك تقول بالقياس، فقلت: نعم.

فقال: ويحك يا نعمان، أول من قاس إبليس، حين أمر بالسجود لآدم فأبى، وقال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، أيهما أكبر يا نعمان، القتل أم الزنا؟
قلت: القتل.
قال: فلم جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزنا أربعة شهود أيقاس لك هذا؟.
قلت:لا.
قال: فأيهما أكبر البول أو المني؟ قلت: البول، قال فلم أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل، أيقاس لك هذا؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهما، أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: وقد بلغني أنك تقرأ آية في كتاب الله تعالى، وهي (لتسألن يومئذ عن النعيم)، أنه الطعام الطيب، والماء البارد في اليوم الصائف، قلت: نعم.

قال: لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيبا، وسقاك ماء باردا، ثم امتن به عليك،-أي سألك عن النعيم وامتن به عليك- ما كنت تنسبه؟، قلت: للبخل، قال: أفيبخل الله علينا؟، قلت: فما هو قال: حبنا أهل البيت.

وروى أبو زهرة رواية أخرى: عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (الصادق) فقال له، يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس؟
قال نعم، قال: لا تقس، فإن أول من قاس إبليس، حين قال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار، لعرف فضل ما بين النورين، وصفا أحدهما”.
إن القصة بكل ما فيها تشير إلى أن الدين كله لا يقوم على العقل والقياس والرأي أو الأخذ بالرأي, فمثلا الصلاة أعظم في الإسلام من الصوم ومع ذلك يفرض الإسلام على المرأة الحائض أن تقضي أيام الصوم ولا تقضي الصلاة, والبول نجس وماء المرأة والرجل غير نجس(المَني) ومع ذلك يفرض الإسلام على الرجل والمرأة أن يغتسلا من بعد كل معاشرة جنسية أي بعد كل لقاء حميمي بينهما,بينما البول يقضي فقط بغسل العضو الذكري والعضو الأنثوي منه, علما أن الواجب أن يغتسل الإنسان المسلم من البول اغتسالا كاملا وأن يغسل عضوه الذكري فقط لا غير بعد كل لقاء حميمي بين الذكر والأنثى ,وفي الميراث المرأة باعتراف الإسلام نفسه أضعف من الرجل لذلك يجب أن تأخذ من الميراث مثلها مثل الرجل أو أكثر منه كونها ضعيفة,ولكن جاء بالشريعة الإسلامية أن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل أي سهما واحدا, وفي حالة الزنا يطلب الإسلام أربعة شهود لإثبات وقوع الحادثة وفي القتل يطلب شاهدين علما أن جريمة القتل مقابل جريمة الزنا تعد لا شيء,قياسا على الضرر,فكل ما جاء به الإسلام هو غير عقلاني باعتراف القرآن والسنة والواجب هنا الإتباع بدل الابتداع أي دخول البدع من باب العقل والقياس, فكل ما ذكرناه متناقض للغاية ولا يقبله لا العقل ولا المنطق,مثله مثل قضية مسح الخف باليدين فلو كان كما قيل بالعقل لكان الأولى مسح أسفل الخف.وذلك في الرواية المشهورة عن علي بن أبي طالب.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.