كمقدمه للحديث عن تنظيم الضباط الأحرار في الأردن علينا أن نعرف أولاً من هو ( غلوب باشا ) حيث تذكر عنه الموسوعه البريطانيه أنه ولد في مدينة بريستون وتلقى تعليمه في كلية ( شلتنهام ) ثم قاتل في الحرب العالمية الأولى فأصابته إطلاقة حطمت فكه ومن هنا جاءت تسمية العرب له فيما بعد بلقب ( أبو حنيك ) . تم نقل خدماته الى العراق عام 1920 عند وقوع العراق تحت الإنتداب البريطاني وكان مقر عمله في مدينة الرمادي
عام 1922 قاد غلوب باشا لجنه من المهندسين البريطانيين لصيانة الجسر العائم على القوارب في الرمادي فوق نهر الفرات بتبليط الجسر بالقير ليصبح أكثر مقاومة للبقاء رغم فيضان نهر الفرات
عام 1930 تم نقله الى الأردن كضابط بريطاني وقام عام 1931 بتشكيل ( شرطة الباديه ) الأردنيه وهي قوة تشكلت من البدو حصراً مهمتها ملاحقة غارات البدو على قبائل بعضهم البعض لغرض التسليب , وبعد سنوات من عمله مع شرطة الباديه أرغم القبائل الأردنيه على الإمتناع من الإغارة على بعضها
عام 1939 نجح غلوب باشا في أن يخلف ( فردريك باشا ) في قيادة الفيلق العربي الذي عرف فيما بعد ب ( الجيش الملكي الأردني ) فقام بتدريب الجيش وقيادته للوقوف بوجه مهمات صعبه وكما سنرى
أول مهمه قتاليه واجهت غلوب باشا وهو في الأردن كانت عام 1941 في قيادة العمليات العسكريه البريطانيه لتسقيط حكومة رشيد عالي الكيلاني المتعاطفه مع النازيه تم خلالها قصف بغداد بالطائرات مما أجبر رشيد عالي وجماعته الى ترك مواقعهم والفرار الى طهران
المهمه القتاليه الثانيه التي واجهت غلوب باشا كانت عام 1948 حين قاد الجيوش العربيه التي جمعتها بريطانيا من مصر والعراق والأردن لتستعملهم بالنيابه للدفاع عن وجودها في فلسطين بعد قرار التقسيم الذي يجبرها على مغادرة واحده من أهم قلاعها على البحر الأبيض المتوسط , في صراعها مع غريمتها اللدود الولايات المتحده الأمريكيه التي أسست الحركه الصهيونيه عام 1897 وجمعت يهود العالم لتحتل بهم الضفه الشرقيه لقناة السويس بعد 50 عام من تأسيس الحركه الصهيونيه
الجيل الثاني من أبناء الشريف حسين بن علي شريف مكه جيل يتسم بالكثير من الغباء السياسي , ربما صدقوا أنفسهم أنهم ملوك ونسوا أنهم ليسوا أكثر من بيادق شطرنج وضعتهم بريطانيا كما وضعت آباءهم ملوكاً على العرب لتحكم هي من خلالهم . خذ على سبيل المثال الملك غازي ملك العراق .. حالما تأسس في عهده ( نادي المثنى ) الذي ضم نخباً من العراقيين المتعاطفين أو المؤمنين بالنازيه وضد مصالح بريطانيا في العراق حتى قامت بريطانيا بالتخلص من غازي في حادث سياره مفبرك
المصيبه الثانيه من أولاد الهواشم كان الملك طلال ملك الأردن . تسلم العرش بعد مقتل والده الملك عبد الله الأول الذي قتله فلسطيني لأن الملك عبد الله لم يكن همه إنصاف الفلسطينيين فيما لحق بهم بقدر ماكان همه تأسيس دوله هو يحكمها حتى لو كانت على أنقاضهم . بعد مقتل عبد الله تسلم إبنه طلال الحكم عام 1951 وبدون أي خبره سياسيه عالميه , وبدون تقدير أو تحسب لواقع الحال الذي يقول إن غلوب باشا هو قائد جيشه , وإن بريطانيا متغلغله في كل مفاصل مملكة الأردن , ومتناسياً أنه حين تعاطف مع النازيه في عهد والده عبد الله قام والده نفسه بإرساله الى مصحة عقليه ثم سجنه في البيت
( الفلحه ) الجديده التي قام بها طلال بعد تسلمه عرش الأردن هي ما كشفت عنه وثيقة بريطانية أطلقت حديثاً من مخابئها السريه تؤكد أنه حاول توحيد الأردن مع السعودية خلال الفترة القصيرة التي حكم فيها الأردن وأنه تقدم بطلب رسمي الى الملك عبد العزيز آل سعود بهذا الشأن وتمت الموافقة عليه ، وكشفت الوثيقة التي تحمل الرقم ( PR-FO 371/91798) أنه رفض طلباً مماثلاً كانت ترغبه بريطانيا بتوحيد الأردن مع العراق لأن كلا البلدين مستعمرتان بريطانيتان على عكس السعودية وهي مستعمره أمريكيه صرف منذ تأسيس شركة أرامكو على أراضيها عام 1933
هذه المره لم تستعمل بريطانيا أسلوب القتل بل ما هو أبشع منه , إجتمع البرلمان الأردني وقرر عزل الملك طلال عن العرش لأسباب تتعلق بسلامته العقليه وتم إرساله الى اسطنبول ليبقى فيها حتى وفاته عام 1972
نعود مرة أخرى الى غلوب باشا وهو لم يزل قائداً للجيش الأردني . تم إجلاس الملك حسين بن طلال على العرش وهو لم يزل طفل عمره 17 سنه وكان ذلك عام 1952 لهذا تم تشكيل مجلس وصايه على العرش لحين بلوغ الملك السن القانونيه لتولي العرش بنفسه . في هذا العام تم تشكيل حركة الضباط الأحرار الأردنيه لغرض حماية العرش مما قد يتهدده من أخطار قد تؤدي الى الإطاحه به فتخسر بريطانيا من ذلك تنفذها على خليج العقبه والبحر الأحمر
بارك الملك حسين أهداف وغايات تنظيم الضباط الأحرار في الأردن عام 1953 وإستمر التنظيم بالعمل مع تواجد غلوب باشا حتى آذار 1956 ولم تكن له أية أهداف تتعلق بالشأن الداخلي للبلاد أو تغيير نظام الحكم
قبيل قيام الولايات المتحده الأمريكيه بتأميم قناة السويس في 26 تموز 1956 والتي لبريطانيا حصه ( مشتراة بالمال ) كبيره فيها , وقبيل وقوع حرب السويس في 29 تشرين الأول 1956 التي تعني جلاء القوات البريطانيه عن مصر لتحويلها الى مستعمره أمريكيه صرف , كانت بريطانيا تدرك ما هو المقبل .. ولهذا فضلت أن تحتفظ بالجزء على أن تخسر الكل
المهمه الأخيره لغلوب باشا كانت مغادرة الأردن في ( إحتفاليه نضاليه ) يقوم بها الضباط الأحرار الأردنيون الذين خاطبوا ملكهم بأنهم يريدون تعريب الجيش الأردني فإستجاب الملك لمطالبهم وقبل إستقالة غلوب باشا .. وبذلك واكبت الأردن المد الثوري النضالي السائد في المنطقه العربيه أيام صعود عبد الناصر ولم تتخلف لتبدو في أعين الجماهير على أنها دوله خاضعه أو مستعمَره
عام 1957 قام الملك حسين وبعد استعراض عسكري بالدروع أطلق عليه ( مناورة هاشم ) بإتهام تنظيم الضباط الأحرار في الأردن بأنهم كانوا ينوون محاصرة عمّان والإطاحه به فتم إعتقال قسم منهم , والقسم الآخر تمكن من الهرب الى سوريا , فمن وجهة نظره ونظر بريطانيا أصبح التنظيم خطراً وقد يفعل شيئاً في المستقبل إن لم يكن قد فعلها حتى الآن
تراوحت الأحكام التي نالها الضباط الأحرار بين السجن المؤبد والإعدام ( للهاربين فقط ) وفي العام 1962 أصدر الملك عفواً عاماً عن الجميع وتم إعادتهم الى الخدمه بوظائف كبيره في الدوله