تنافس قضاة إيران ومصر في إصدار أحكام قاسية بحق النساء

بقلم د. عماد بوظو/
في شهر تموز/يوليو الحالي أعلن النائب العام في محافظة طهران عباس دولت أبادي أن المحكمة أصدرت حكما بالسجن 20 عاما بحق إحدى المحتجات على الحجاب القسري. وقال خلال مؤتمر صحفي أنه تم الحكم عليها بتهمة “خلع غطاء الرأس على الملأ العام”. لم يذكر النائب العام اسم هذه السيدة، لكن مصادر صحفية قالت إنها شابارك شاجاريزاده التي تبلغ من العمر 42 عاما والتي خرجت في شهر شباط/فبراير الماضي مع نساء أخريات في تظاهرة عرفت إعلاميا بالأربعاء الأبيض للاعتراض على الزي الذي يلزم النظام الإيراني النساء به. وحينها، اعتقلت شاجاريزاده مع 28 امرأة أخرى بعد نزعها حجابها ورفعه على غصن تحمله.
وسبق أن حكمت محكمة إيرانية على محتجة أخرى “نرجس حسيني” (32 عاما) بالسجن سنتين بتهمة “تحريض الناس على الفساد وارتكاب الفعل الحرام والوجود في الأماكن العامة دون غطاء الرأس”. واعتقلت السلطات الإيرانية قبل أيام مراهقة اسمها مائدة الهجباري بتهمة نشر مقاطع لها في موقع انستغرام وهي ترقص في غرفتها. وسرعان ما ظهرت على شاشة التلفزيون الحكومي الإيراني مع فتيات أخريات وهي ترتجف وتبكي قائلة: “لم تكن هذه التسجيلات لجذب الانتباه، لم يكن لدي أي نية لتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه، لم أكن أعمل مع فريق ولم أتلق أي تدريب، أنا أمارس الجمباز فقط”.
تغيب اليوم صورة القاضي المتعاطف المتفهم الذي يريد الوصول إلى الهدف الإنساني الحقيقي للقضاء والمحاكم وهي إصلاح الفرد والمجتمع
وقالت الشرطة الإيرانية إن القضاء يدرس حجب موقع انستغرام. في المقابل، سارعت العديد من الناشطات الإيرانيات لدعم الفتاة المراهقة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر نشر فيديوهات رقص لهن للتعبير عن التضامن معها، وقالت إحداهن: “ما هي جريمتهن لقد كن يرقصن وهن سعيدات. أتمنى أن تفهموا أن الرقص والسعادة فن وليس جريمة، الجريمة هي النهب والفساد” في إشارة إلى المسؤولين الإيرانيين.
وكان مسؤولي الرياضة في إيران قد قالوا إن “التمارين التي تشمل حركات إيقاعية ورقصات، هي أعمال غير قانونية تحت أي شكل أو مسمى!”.


في إيران نظام حكم وقضاء إسلامي، وهناك خوف عند رجال الدين من المرأة ومطالبتها بحقوقها لأنها بذلك تهدد أسس النظام السياسي للجمهورية الإسلامية، لذلك نراه أكثر تشددا بحقهن، ولكن من الصعب فهم تشدد القضاء في مصر وهي البلد الوحيد في المنطقة الذي تتوفر فيه مقومات الدولة المستقرة بينما بقية دول الشرق الأوسط ليست سوى طوائف وقبائل وإثنيات متصارعة لم تنجح حتى اليوم في بناء كيان سياسي جامع ومستقر لجميع أبنائها بما فيها إيران وتركيا. كما أن القانون المصري مدني عصري تم وضع أسسه منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، والقضاء المصري خلال تاريخه الطويل مشهور باحترافيته واستقلاليته عن السلطة السياسية.
في نهاية شهر أيار/مايو الماضي قامت شابة لبنانية في الرابعة والعشرين من عمرها بنشر تسجيل في حسابها الشخصي على موقع فيسبوك فيه إساءة كبيرة للشعب المصري. استخدمت الشابة ألفاظا سوقية نابية، ومع انتشار هذا الفيديو أطلق ناشطون مصريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضدها، ما دفع محامين لتقديم بلاغ للنائب العام فاعتقلت وأحيلت إلى المحاكمة.
يوم السبت 7 تموز/يوليو الحالي، أصدرت محكمة جنح مصر الجديدة حكما بسجن منى المذبوح 8 سنوات بتهمة “نشر فيديو خادش للحياء وازدراء الأديان وتطاولها على الشعب المصري على صفحتها على فيسبوك”. وحددت نيابة مصر الجديدة 29 تموز/يوليو الحالي موعدا للنظر في الاستئناف.
يتفق أغلب من تابعوا تسجيل الشابة منى المذبوح على إدانته من ناحية المحتوى والمستوى، ولكنهم في نفس الوقت يجدون هذه العقوبة شديدة وغير متناسبة مع الفعل. فإرسال امرأة من بلد آخر للسجن لثماني سنوات كاملة من أجل شتائم بذيئة على مواقع التواصل الاجتماعي تنسجم مع فكرة الانتقام أكثر من انسجامها مع العدالة، وتهدف لمجاراة حالة الغضب الشعبي التي عكستها مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المصري في تغطيتها لهذا الموضوع.
وسبق حادثة منى المذبوح قضية مماثلة لسيدة مصرية اسمها أمل فتحي، 33 عاما، قبض عليها في أوائل أيار/مايو الماضي بتهمة بث مقطعي فيديو على حسابها الشخصي على “فيسبوك” يتضمن أيضا السباب بألفاظ نابية وسوقية تجاه الدولة المصرية ومؤسساتها، بمستوى لا يختلف كثيرا عن تسجيل المذبوح.
اتهمت فتحي بأن الغرض من الفيديو هو قلب نظام الحكم وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأخلي سبيلها فيما بعد بكفالة على ذمة القضية لتستأنف النيابة وتأمر بإعادة اعتقالها. كان هناك شبه إجماع لدى المصريين على ضرورة سجن وإدانة منى اللبنانية ولم يكن هناك نفس الإجماع على إدانة أمل، كما أن منظمة العفو الدولية أدانت اعتقال أمل فتحي باعتبارها ناشطة حقوقية وتجاهلت منى المذبوح.
لكن السيدتين لم تنالا الاهتمام نفسه الذي توفر لآية حجازي وهي ناشطة اجتماعية عمرها 31 سنة، خريجة حقوق من جامعة القاهرة وبكالوريوس حل نزاعات من جامعة جورج مايسون. عادت حجازي إلى مصر عام 2011 لتؤسس مع زوجها جمعية “بلادي جزيرة للإنسانية”، وأحد أهدافها مساعدة وإنقاذ أطفال الشوارع.
في الأول من أيار/مايو 2014 ألقي القبض عليها مع مجموعة من زملائها بعدد من التهم تتضمن الخطف والإتجار بالبشر والاغتصاب، وبدأت حملة من منظمات المجتمع المدني وشخصيات عالمية وأميركية لإطلاق سراحها خصوصا أنها تحمل الجنسية الأميركية، لدرجة أن قضيتها كانت جزءا مهما من حملة المرشحة هيلاري كلينتون للرئاسة.
في 16 نيسان/إبريل 2017 أصدرت المحكمة المصرية حكما ببراءة حجازي مع جميع أعضاء الجمعية من التهم الموجهة إليهم، وغادرت بعد يومين مصر على متن طائرة خاصة حملتها إلى الولايات المتحدة حيث استقبلها في البيت الأبيض الرئيس دونالد ترامب وابنته إيفانكا، بعد أن قضت ثلاث سنوات بالحبس الاحتياطي، في مخالفة للقانون المصري نفسه الذي يعتبر المدة القصوى للحبس الاحتياطي سنتين. ونسبت الكثير من وسائل الإعلام الفضل في إطلاق سراحها إلى جنسيتها الأميركية، لأن الاتهامات التي وجهت إليها جنائية وخطيرة جدا رغم أنها بعيدة عن التصديق والأغلب ملفقة. ساد انطباع عام أنه لولا عوامل الضغط الخارجية لربما كانت آية حجازي نزيلة السجون إلى اليوم، وربما كان هذا مصير الإعلامية اللبنانية الأصل ليليان داوود لو لم تكن تحمل الجنسية البريطانية لذلك تم الاكتفاء بترحيلها خارج مصر بدل اعتقالها في نهاية شهر حزيران/يونيو 2016 بتهمة معارضة النظام السياسي.
كان من المفترض أن تدفع المؤشرات الإيجابية السياسية والاقتصادية التي تشهدها مصر إلى التخفيف من حدة الإجراءات الأمنية الاستثنائية
أما منى المذبوح فلم تجد من يدافع عنها. قدمت اعتذارا للشعب المصري قبل اعتقالها، ووجه والدها ووالدتها رسائل استرحام للشعب والقضاء والرئاسة في مصر، دون مؤشر حتى الآن على تراجع حالة الغضب الشعبي تجاهها والتي يبدو أنها ستتواصل حتى موعد الاستئناف مما يعني استمرار الضغط المعنوي على القضاء لدفعه للتشدد بالحكم. وقد ردت عليها بعض السيدات المصريات بتسجيلات على فيسبوك بأسلوب كان أحيانا قريبا من أسلوبها السوقي دون أن يطالب أحد بمحاسبتهن. أما المسؤولون اللبنانيون الذين حاولت عائلتها الاتصال بهم لمحاولة مساعدة ابنتهم فلم يبدوا أي اهتمام أو اكتراث لمصيرها، حتى أن المحامي الذي قدم الشكوى ضدها عمرو عبد السلام قال إنه تلقى اتصالا هاتفيا من مسؤول وحدة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية اللبنانية قال فيه إن المتهمة لا تمثل ولا تشرف الشعب اللبناني، وأنها لو عادت إلى لبنان فستواجه عقوبات طبقا للقوانين اللبنانية وستقدم على المحاكمة الجنائية بتهمة إحداث الوقيعة بين الشعبين الشقيقين.
تشهد مصر حاليا الكثير من المؤشرات على تحسن الوضع الاقتصادي، فحسب صندوق النقد الدولي ينمو الاقتصاد المصري بمعدل يفوق 4 بالمئة سنويا ومن المتوقع وصوله إلى 5.5 بالمئة هذا العام، ويرجع ذلك إلى انتعاش تشهده مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، من الاكتشافات المتتالية الهائلة في الغاز والنفط وتسارع عمليات استثمارها، إلى ارتفاع عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج والبدء بالكثير من المشاريع الجديدة في مختلف المناطق. كما يشهد البلد استقرارا سياسيا حيث أدركت نسبة كبيرة من الشعب المصري أهمية هذا الاستقرار بعد ما شهدته خلال الأعوام السابقة. وبدأت مؤشرات تعافي القطاع السياحي، رغم أن الحكم بسجن سائحة نتيجة تسجيل مصور على فيسبوك قد يؤثر على السياحة. فأمثال هذه الأحكام القاسية غير المتناسبة تزرع الشك في نزاهة ومصداقية القضاء المصري مما يضعف شعور أي زائر أو سائح بالأمان في مصر.
كان من المفترض أن تدفع المؤشرات الإيجابية السياسية والاقتصادية التي تشهدها مصر إلى التخفيف من حدة الإجراءات الأمنية الاستثنائية وتخفيف حالة التشنج الإعلامي والقانوني تجاه انتقاد بعض الممارسات أو الأخطاء، ومزيدا من سعة الصدر في تحمل الجاهل والمسيء ولكن ذلك لم يحدث.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت حديثة العهد نسبيا على العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط تحديدا. لا يدرك من يجلس في غرفته وحيدا أمام كومبيوتره ويوجه رسالة أو يقوم بتصرف ما، تبعات ما يقوم به وتأثيراته؛ تماما مثل ما حصل مع المراهقة الإيرانية التي رقصت في غرفتها رغم معرفتها بمشاهدة كثيرين لها لكنها تشعر أن الوضع يختلف عن وجودها المادي بين متابعين حقيقيين.
يبدو أن هذا الشعور بالأمان، يفسح المجال لتصرفات فيها درجة أكبر من الجرأة ما يؤدي أحيانا لحدوث بعض التجاوزات، ومن المفروض أن يمنح ذلك ظروفا مخففة لمن قام بتصرفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم يستطع إدراك أبعادها ومضاعفاتها. وكما كان من المعروف قبل بضعة عقود في دول الشرق أن القوانين منحازة بشكل عام ضد المرأة، لكن القضاة كانوا يتعاطفون معها، في المقابل يتشدد القضاة اليوم ويرسلون إلى السجون فتيات ونساء رغم معرفتهم بانعكاسات ذلك الاجتماعية السيئة والمدمرة على مستقبلهن.
تغيب اليوم صورة القاضي المتعاطف المتفهم الذي يريد الوصول إلى الهدف الإنساني الحقيقي للقضاء والمحاكم وهي إصلاح الفرد والمجتمع ليحل مكانها صورة القاضي الغاضب الذي يرى أن وظيفته هي الانتقام من المتهمة وجعلها عبرة لمن يعتبر.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.