تلخيص كتاب اليهودي اللايهودي

تلخيص كتاب اليهودي اللايهوديisacdoitcher
***
كتاب ((اليهودي اللايهودي))
تأليف : إسحق دويتشر ( عاش بين 1907 ـــ 1967 )
ترجمة : ماهر الكيالي
***
مقدمة :
للقاريء والباحث المُحايد , ليس أفضل من أن يصغي لجميع الآراء وبالأخص من أهل الحدث الذين عاشوه وتفاعلوا معه عن كثب !
عندما نشر دويتشر كتابه .. (( ستالين )) , عام 1949 قالوا يومها :
[ إنّها أكثر دراسة مثيرة للجدل لسيرة حياة ,في عصرنا الحاضر ]
ثمّ ظهر هذا الكتاب في عدّة طبعات ولغات .
وحوت طبعة 1967 الموسعة على مُلحق عن السنوات الأخيرة من حياة ستالين .
كما أدّى نشر كتاب (( ستالين )) الى الإعتراف بدويتشر كخبير في الشؤون السوفيتية , ومؤرّخ للثورة الروسية !
***
باروخ سبينوزا
هو فيلسوف هولندي من أصل برتغالي يهودي .عاش 45 عام فقط
( 1632 ــ 1677 ) ,معناها حياة قصيرة كأغلب المُبدعين .
في بداية ظهوره عُرِفَ كمُفكر حُرّ !
ثمّ كخبير في النقد الحديث للكتاب المُقدّس .
لقد تفهّم على الفور التناقض الرئيس في اليهودية .
هذا التناقض الذي يتجلّى بفكرة (الإله التوحيدي العالمي) من جهة ,
و(شعب الله المختار) في الحالة اليهودية ,من جهة اُخرى !
تسائل علناً : كيف يكون الإله الواحد يختار شعباً معيناً من دون باقي الشعوب ؟
أدّى إدراك سبنوزا لهذه الحقيقة الى طرده من اليهودية ,ولم يقبلوا بعودتهِ إليها البتّه ,فماذا فعل ؟
لم يعتنق المسيحية كبديل لليهودية ( مثلما فعل البعض ) .
إنّما كرّس باقي عمره القصير لتجاوز وتخطّي حدود الديانات والحضارات في عصره .
عندها شعرَ بسعادة فكرية عظيمة ,حيث أصبح قادراً على التوفيق بين
التأثيرات المتضاربة لتلك الديانات والحضارات .
فخلق منها مِنظاراً أسمى وفلسفة متكاملة يطّل من خلالها على العالم الخارجي .
ولم تَعُد أخلاق سبينوزا أخلاقاً يهودية إنّما صارت أخلاق إنسانية عامة .
تماماً كما لم يَعُدْ إلههُ يهودياً ,بل توّحد بالطبيعة وبالإله الكوني .
لقد أصبحت أفكار سبينوزا عالمية بإمتياز !
مَثَلُ سبينوزا كمثلِ باقي الثوريين والمُفكرين العِظام الذين جاؤوا من بعده
( هاين , ماركس , روزا لوكسمبورغ , تروتسكي , فرويد … وغيرهم )
جميعهم تخلّوا عن يهوديتهم (العقيدة الضيّقة) ,فصاروا مُفكرين عالميين .
لكنّهم دفعوا الثمن (حياتهم أحياناً كما في حالة روزا لوكسمبورغ و تروتسكي).
لأنّهُ حيثما تنتصر المفاهيم الضيقة وتُجّار الدين والتشدّد والتطرّف والتزمّت ,يصبح الأحرار كبشَ فداء ,ويدفعون الثمن !
لم يكن بالإمكان ذكر إسم سبينوزا بعد وفاته لمدّة تزيد على القرن !
حتى (ليبينتز) الذي يدين بكثير من أفكاره لإسبينوزا لم يجرؤ على ذكرهِ.
لكن إنتصار سبينوزا صارَ مُطلقاً في النهاية !
فبعد قرن تغلّف فيه إسمه بالنسيان ,نجدهم قد شيّدوا له نصباً تذكارياً ,
وإعتبروه … أعظم نتاج للعقل البشري !
*********
الخروج الى العالمية !
سبينوزا , هاين , ماركس , روزا لوكسمبورغ , تروتسكي , فرويد …
(وغيرهم ممن تركَ اليهودية الضيّقة وتحوّل الى العالمية المنفتحة )
جميع هؤلاء المفكرين يؤمنون بالحتميات , لأنّهم راقبوا مجتمعات عديدة
ودرسوا عن كثب العديد من أنماط الحياة ,ما مكنّهم من إستيعاب القوانين الأساسيّة لهذهِ الحياة .لقد كانت طريقتهم في التفكير ديالكتيكية !
بسبب أنّهم عاشوا بين أهّم الديانات ورأوا المجتمع وهو في حالة تغيّر مستمر .
لذلك هم يرون الحقيقة على أنّها ديناميكية متحركة وليست ساكنة ثابته !
أمّا أؤلئك الذين ينغلقون أو ينعزلون في مجتمع واحد أو شعب واحد أو دين واحد,فإنّهم حتماً يميلون الى التخيّل بأنّ طريقتهم في الحياة أو في التفكير تكون دوماً صالحة وبصورة مُطلقة , فيصبحون ( أصحاب الحقائق المطلقة ) !
هؤلاء يؤمنون أنّ كلّ ما يُناقض مقاييسهم هو (( غير طبيعي )) ,
بل وضيع وآثم بطريقة أو باخرى .
من جهة ثانية , فإنّ الذين يعيشون وسط حضارات متعددة , يدركون الحركة العظيمة والتناقض العظيم في الطبيعة والمجتمع , بصورة أكثر وضوحاً !
إنّ جميع هؤلاء المفكرين متفقون على الأهميّة النسبية للمعايير الأخلاقية
فلا يوجد بينهم مَنْ يؤمن بالخير المُطلق أو الشرّ المُطلق .
فما كان خيراً بالنسبة لمحاكم التفتيش الكاثوليكية , كان شرّاً بالنسبة لليهود ,الذين من بينهم أهل سبينوزا نفسه !
***
ص 22 يقول إسحق دويتشر ما يلي :
إنّي آمل بأن يُدرك اليهود ومعهم اُمم اُخرى
( إيّاكِ أعني وإسمعي يا جارة … العروبية أو الكردية … الخ )
أنّ الدولة القومية أصبحت غير ملائمة !
و آمل أن يجدوا طريقهم للرجوع الى الميراث الخُلقي والسياسي لعباقرة اليهود الذين تخطّوا يهوديتهم فتركوا لنا رسالة التحرير الإنساني الشامل .
***
ص 39 يقول :
يجب التفريق الواضح ورسم صورة دقيقة بين مكانة اليهود في المجتمعات الغربية , ومكانتهم في أوربا الشرقية وخاصةً روسيا .
يجب أن لا نُفكر ولو للحظة واحدة أنّ الحياة اليهودية والمجتمع اليهودي في أوربا الشرقية , تشبه حياة اليهودي في فرنسا وبريطانيا أو حتى الولايات المتحدة , بأيّ شكل من الأشكال !
خلال القرن ال 19 كان اليهود في اوربا ينتمون بصورة رئيسة الى الطبقات الوسطى .
كان هناك عدد قليل جداً من العمال اليهود وعدد من الحرفيين وبعض أصحاب المحلات الصغيرة .
لكن معظم اليهود كانوا من التُجّار الذين يقومون بمبادلاتهم على نطاق واسع في عواصم غربية عديدة .
كما كان بعضهم من كبار أصحاب البنوك !
وأصبح آل روتشيلد رمزاً للبرجوازية اليهودية المُتغطرسة !
وتميّزَ المجتمع اليهودي بصفة البرجوازية السائدة في الغرب ,بشكل مناقض لصورة المجتمعات اليهودية في أوربا الشرقية .
صحيح أنّهُ وِجِدَ في الشرق برجوازية يهودية وتُجّار وأصحاب محلات يهود ,إنّما الغالبية العظمى من اليهود كانت من الفقراء الكادحين والمهنيين البدائيين ,وما كان يُطلَق غليهم بالتضخيم إسم :
(( صُنّاع الأدوات المعدنية )) ,لكنّهم كانوا في الواقع من صانعي الأقفال والسمكريين الذين إعتادوا أنْ يُشكلّوا لأنفسهم جمعية يسمونها نقابة عمّال المعادن !
كان إنتماء أؤلئك المُعدمين للإتحاد بمثابة عَون كبير لهم .
إلاّ أنّ هذا لم يُغيّر من الأمرِ شيئاً .
تصوّر أيّ شعب تكوّن هذه الملايين من السكان اليهود المُعدمين والمشردين ؟
أيّ شعب لا يمتلك جذور في البنيان الإجتماعي للمجتمع ؟
بلا وظائف , بلا أرزاق منظمة ,باعة متجوّلون ,وصانعوا زيجات يساومون على نسبة حصتّهم من المهر !
***
ص 40
بعد قيام الثورة الفرنسية تمتّع اليهود بمساواة رسمية في نظر القانون في بلدان أوربا الغربية .
( اُنتخبَ ليونيل روتشيلد عام 1847 كأوّل نائب يهودي في مجلس العموم ) .
وصاحَبَ هذه المساواة أمام القانون نمو في إندماج اليهود في المجتمع .
فحتى تلك الشرائح التي إحتفظت بدينها ووعيها اليهودي ,أصبحت مُندمجة من خلال تبنّيها لغة البلاد التي عاشت فيها ,وإكتسبت مظهر المواطنية .
بينما عاش الملايين من اليهود في شرقِ أوربا ضمن مجتمعات مكتظة بالسكان ومنفصلة عن بيئاتها غير اليهودية !
ولم تكن أحياء اليهود ذات طابع رسمي . فقد كان يُسمَح لليهود بالخروجِ منها . وقد كانوا يخرجون منها بالطبع .
لكن مهما يكن من أمر ,فقد عاشوا بشكل جماعات منغلقة يرتدون ملابس مُميّزة , يُطلقون لحاهم , ويتكلمون لغتهم ( اليديشيّة )الخاصة ويطوّرون ثقافتهم وأدبهم .
لكن كان هناك بالطبع أقليّة من المثقفين اليهود الذين إندمجوا أكثر فأكثر , ولم يُميّزوا في عاداتهم وتقاليدهم عن عادات وتقاليد المُثقفين المحليين !
***
ص 41
صاحب عملية إندماج اليهود في أوربا الغربية تحريرهم في نفس الوقت .
غير أنّ شيئاً من هذا لم يحدث في أوربا الشرقية .
وكان اليهود في روسيا بشكلٍ خاص مواطنين من الدرجةِ الثانية والثالثة !
فلم يُسمَح لهم بالإقامة في روسيا الأصلية ,إنّما ضمن ما يُسمى بالنطاق اليهودي .
كذلك جُرّموا من تملّك الأراضي ,واُغلقَت في وجهوههم بعض الوظائف
مع ذلك كان وضعهم أفضل بقليل من وضع الفلاحين الروس والبولنديين إلاّ أنّ الفلاحين لم يكونوا مُعرّضين للمجازر المُنتظمة والهَبّات المُعادية للساميّة والمذابح الواسعة التي كانت تحدث بصورة عفوية أحياناً , وبتشجيع من السلطات المسؤولة في أغلب الأحيان !
وإنّها لحقيقةٌ مهمة أنّ كلمة ( مذابح مُنتظمة )

.. Pogroms
هي من أصل روسي , رغم أنّها دخلت الآن معظم اللغات الأوربية !
***
ص 42
لقد جَلَبَ القرن الذي تلا الثورة الفرنسية ,التنويرَ والتقدّم ومعهما إندماج اليهود في بيئاتهم في غرب اوربا .
أمّا في شرق إوربا , فقد كان قرن الإضطهاد والعُزلة لليهود !
***
ص 44
لم يكن هناك عُمّال يهود في أوربا الغربية , وإنْ وِجدوا فقلّة قليلة .
وبالتالي لم يكن هناك حركة للطبقة العاملة اليهودية !
وقد ثابرَ القادة الإشتراكيون على فكرة أنّ الجواب على المسألة اليهودية إنّما يكون بالإندماج الكُلّي .
في غضونِ ذلك كان لينين زرفاقهِ فخورين بإعلان أنفسهم تلاميذ للديمقراطية الإجتماعية الألمانية !
ولهذا فقد آمنوا بأنّ المُشكلة ستُحّل في روسيا أيضاً ,عن طريق الإندماج بالإستيعاب الشامل للمجتمعات اليهودية ضمن المجتمع الإشتراكي العظيم
وسرعان مالاحظوا أنّ المشكلة في الشرق أشّدُ عسراً منها في الغرب .
وتحديداً لأنّ اليهود الفقراء والشغيلة والشرائح الأدنى في الطبقة المتوسطة , عاشوا في مناطق معزولة وأحياء مُكتظة تنتهج إسلوبها الخاص في الحياة .
بالرغم من ذلك كان لينين ومارتوف مُصممين على دفع اليهود للنضال مع رفاقهم الروس ضدّ القيصرية ,وضدّ النظام القديم الذي حكمَ أوربا الشرقية .
وقد كانت هذه هي نفس الفكرة التي حملتها إمرأة ثورية عظيمة من أصل يهودي هي روزا لوكسمبورغ بالطبع !
والتي أصرّت أكثر من لينين ومارتوف على عملية إندماج اليهود !
***
ص 45
وفي غضون ذلك بدأت الصهيونية بالتطوّر كحركة سياسية مستندة بشكلٍ رئيس الى دعم الجماعات اليهودية في البلدان الغربية !
ويجب مُلاحظة أنّ الغالبية العظمى من اليهود الشرقيين كانوا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية من المُعارضين للصهيونية !
وهذه حقيقة يندُر أن يُدركها معظم اليهود في الغرب .
كان الصهيونيّون يشكلّون أقلية ( كبيرة ) في الجزء الذي نعيش فيه .
لكنّهم لم ينجحوا قط في كسب الأغلبية من بني دينهم .
وكانت الشغيلة أشّدُ أعداء الصهيونية تعصباً !
أؤلئك الذين تكلّموا اليديشية وإعتبروا أنفسهم يهوداً . كانوا يشكلّون أكثر الأعداء تشدّداً في معارضتهم لفكرة الهجرة من شرق أوربا الى فلسطين !
إنتهى الجزء الأول !
***
الخلاصة :
مُضطر لأن اُكرّر نفسي فأقول : إنّ شعوبنا لا تقرأ !
وإن قرأتْ ,فأيّ نوعٍ من الكتب سوى تلك الصفراء الكاذبة الدونكشوتية ؟
ليس كثيرون بيننا مَن يهتم لرفع الغمامة عن عقلهِ لينفتح بصره مع الأفق
إنّما يُسعدني أن اُساهم (ولو بقدر ذرّة التراب) .. في رفع تلك الغُمّة !

تحياتي لكم

رعد الحافظ
19 مايو 2014

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.