كان المنكت المعروف المرحوم الدكتور فائق شاكر وهو طبيب عيون ،
قد تقلد عدة مناصب حكومية بعيدة كل البعد عن اختصاصه في العهد الملكي.
فقد كتب مرة يقول ” كنت في زيارة عمل الى احدى الدول الأوربية عندما أرسلت لي وزارة الصحة برقية تطلب فيها مني حضور مؤتمر طبي هناك ممثلاً عنها اذ ليس من السهل أرسال طبيب آخر والمؤتمر على وشك الأنعقاد وفي اليوم المحدد حضرت الى المؤتمر لكنني فوجئت ان المؤتمر عبارة عن ورشة عمل حول الامراض العقلية ومرض الشيزوفرينيا بالذات.
لم يكن امامي الا ان اجلس في المكان المخصص لممثل العراق . وبعد قليل جاءت طبيبة وجلست الى جانبي، وبعد التعارف سألتني عن بحوثي في مجال الامراض العقلية فاجبتها في الحقيقة أنا طبيب عيون وقد كلفت بالحضور بشكل مفاجئ ولا علاقة لي بالامراض العقلية والشيزوفرينيا ،
فنظرت الي الطبيبة نظرة استغراب وتعجب وغيرت من لهجتها متسائلة وفي اية مؤسسة صحية تعمل الآن في العراق ؟ فأجبتها أنا لا اعمل في أية مؤسسة صحية أنا الآن مدير عام دائرة السكك الحديد في العراق ..! فعادت وسألتني وقبلها اين كنت تعمل؟ فأجبت كنت امينا للعاصمة بغداد اي ما يشبه العمدة عندكم..!
ابتسمت الطبيبة ونهضت من مكانها بهدوء وذهبت الى بعض المشرفين على الورشة فجاءني احدهم متسائلاً عذراً هل انت دكتورفائق ممثل العراق ؟ فأجبت نعم ، هل هناك مشكلة؟ كلا ولكن يبدو ان هناك سوء فهم ،فسألته حول ماذا ؟ فأجاب ان الطبيبة التي كانت جالسة الى جوارك تصورتك احد المرضى المصابين بالشيزوفرينيا الذين أتينا بهم الى هنا للدراسة وقد احتل المقعد المخصص للعراق ..!!!
اكتب هذه السطور وانا ارى ” هوسة ” التكنوقراط هذه الايام ، واشهد امامي افواج من المدعين في كل مكان ، في الفيسبوك وفي الجامعات والمعاهد والفن والادب والشعر والصحافة والقانون والسياسة والاقتصاد والدين والمجال الاجتماعي.
لماذا لا نعترف ان ليس الساسة في العراق الجديد هم فقط المدعين والفارغين ، وانما ثقافة الادعاء الفارغ هي تيار كبير يشمل الكثير من القطاعات لدينا ، “مثقفين” وعوام ، انها شيزوفرينيا العراق الحالي بأمتياز.
لنكن شجعان ونعترف ..