تلقيت هذا الإسبوع إيميلاً من أستاذ فاضل نهلت من علمه وفضله وإنسانيته أثناء مرحلة الدراسة الجامعية الأولية الشيء الكثير , يبلغني فيه أنه يقرأ لي , وأنه معجب بكتاباتي , لكنه يعتب علي أنني أتناول رموزاً , بغير ما هو معروف عنها أو متعارف على وصفها به , لكن عتبه الأكبر عليَّ سببه كوني أُظْهِرُ في كتاباتي الهيمنة الأمريكية .. وكأنها تحرك العالم بالريموت كونترول , ومنشأ الخطر من كتابات مثل كتاباتي حسب رأيي أستاذي الجليل .. أن ذلك تكريس للهيمنة الأمريكية والإيحاء بأن لا خيار للشعوب في الحياة خارج إطار تلك الهيمنة .
مع بالغ سعادتي حين أعرف أن أستاذي يتابع كتاباتي التي هي بعض من فضائل تربيته وتعليمه لي , إلا أنني فضلت كتابة الرد على رسالته بصورة هذا المقال المنشور .
بداية أذكر .. أن غالبية الناس لا يقرأون .. ويعتبرون الجريدة والراديو والتلفزيون وسيلة للثقافة , ولهذا غالباً ما يبنون قناعتهم عن الرموز والأحداث بناءاً على ما تذكره وسائل الإعلام .. وهذا خطأ كبير .. لأن الجريدة والراديو والتلفزيون أدوات إعلام .. وأداة الإعلام هي وسيلة لنشر الثقافة الموجَهَة .. وليس وسيلة لنقل ثقافة الحقيقة . ولهذا فنحن حين نقرأ في كتب رصينة لا علاقة لها بوسائل الإعلام , سنكتشف أن الحقيقة في وادي , ورأي الناس من خلال وسائل الإعلام قد أصبح في وادي آخر . ولهذا أشعر أن من حق الناس عليَّ أن أكتب لهم عن حقائق كانوا يجهلونها في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي , وأعرف أن آرائي ستكون غريبة عليهم , وربما ينتقدوني بسببها , عزائي الوحيد في كل هذا أنني أذكر الحقيقة كما ترد في المصادر الرصينة .
أما بالنسبة للهيمنة الأمريكية على العالم فأنا لا أكرسها , لأنها كانت قد كرست نفسها منذ إستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا عام 1783 . وبلغت حدة التكريس ذروتها الأولى قبيل وقوع الحرب العالمية الأولى التي باعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية السلاح الى كل الفرقاء المتقاتلين مثلما باعتهم القمح والسكر وكل المواد التي يحتاجون إليها .. حتى أصبح غالبية الأمريكان يعدون عشرينات القرن الماضي ( وهي كارثة على العالم أجمع ) وقتاً للتفاؤل العظيم . وسموا تلك الفترة ب : ( العشرينات الخارقة ) و ( عصر الفيضان ) و ( عصرموسيقى الجاز ) .
كانت هناك إنجازات في كل شيء , وصلت الى الأفلام السينمائية الناطقة والموسيقى الجديدة الإيقاع .
تغير العالم الأمريكي بسرعة .. والى الأحسن , ولم يكن يبدو هناك سبب يدعو هذا الرخاء الى الإنتهاء , أو يحدد ما يمكن أن يحققه الأمريكان , أو يملكونه , أو يفعلونه .
هذا الإحساس بالتفاؤل والقوة قاد الى تصورين بمنتهى الخطورة :
# الأول هو الإحساس الأمريكي أن لا شيء من الممكن أن يمضي في طريق الخطأ وعليه فليست هناك حاجة للتنبه ضد المخاطر .
# الثاني هو الحصول على كل ما كان يعد في زمن آخر نوعا من الحماقة , وأحسن مثال على هذا هو
التدافع المجنون لتكوين الثروات من خلال المقامرة في أسواق البورصة .
بحلول بداية سبتمبرعام 1929 , بدأت أسعار الأسهم في أسواق البورصة / ويل ستريت بالتراجع
بدأت أخبار التراجع تنتقل بين الناس بسرعة كبيرة , وخوفا من تراجع أكبر في سعر الأسهم .. بدأ الكل بالبيع . في يوم الخميس 14 أكتوبر الذي يعرف ب (الخميس الأسود ) وحده تم بيع 13 مليون سهم , الذين باعوا كانوا يخافون الهبوط , والذين إشتروا على أمل توقف الهبوط أو الربح , واجههم نفس المصير في الأيام التالية .
خلال أسبوع قامت العديد من البنوك الكبيرة وهي تسعى لوقف الإنخفاض بشراء الأسهم المباعة بثقة , لكن ثقتها تبخرت بإشاعات عن الكارثة إنتشرت في كل مكان . الإندفاع الى البيع كان على أشده ولا شيء يمكن أن يوقفه . يوم الإثنين كان سيئا لكن الأربعاء 29 أكتوبر كان أسوا يوم لتدافع الناس من أجل البيع .
البنوك والشركات في الولايات المتحدة وخارجها إنتهت , وسحبت معها غيرها الى النهاية . الإقتصاد العالمي إنكمش على نفسه وأفلست المصالح , ومن لم يرد الإفلاس كان عليه إيقاف العمل مؤقتاً لمدد تطول أو تقصر . الكارثة الإقتصادية التي جلبت الكساد الكبير كانت السبب الرئيسي في صعود الحزب النازي في ألمانيا الى السلطة , والسبب المباشر للحرب العالمية الثانية ( 1939 _ 1945 ) .
حين وقعت الحرب العالمية الثانية فإن الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت أشرف بنفسه على مشروع ( ليند _ لياز ) وهو مشروع تجارة بيع السلاح الى كل دول العالم أثناء فترة الحرب وتحت شعار – سياسة حفظ العالم آمناً – ولم يكتف ببيع السلاح بل أن القروض الأمريكية كانت تقدم الى البريطانيين والألمان في نفس الوقت لبناء الغواصات الحربية لضرب بعضهما , وشراء الغذاء ومختلف الإحتياجات , وكان من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية سقوط هولندا وفرنسا بيد الألمان .. لأن ثمن تحرير هذه البلدان من السيطرة الألمانية .. كان الإندحار أمام الأمريكان من مستعمراتهما في الباسفيك وأي مكان آخر في العالم .
أليس هذا تحريك للعالم بالريموت كونترول .. أم كيف يكون التحريك ؟
حين كنت أعيش في الشرق الأوسط كنت أتابع برنامج تلفزيوني للرياضة النسوية يظهر على القناة اللبنانية ( إل بي سي ) عنوانه ( ما إلك إلا هيفا ) تقدمه السيدة هيفاء حداد وهي تمتلك خبرة جيدة في الرياضة النسوية . عنوان برنامجها كان طريفا ً وأجده مضحكاً لي في كثير من الأحيان .. لأني كإعلامية أرى لو أن عنوان البرنامج يكون ( ما إلك إلا الرياضة ) يكون أفضل , لأننا بلا الرياضة لن تفيدنا لا هيفا ولا هند ولا أسماء … لكن هذا هو ديدن التلفزيونات التجارية في صناعة النجوم .
أجدني اليوم بحاجة الى إستعارة إسم البرنامج مع بعض التحريف لتسمية الفلم الأمريكي الذي نزل الى السينمات يوم 18 ديسمبر 2009 وحقق لحد الآن إيرادات وصلت الى حوالي ملياري دولار عنوان الفلم ( أﭭتار ) بعد مشاهدتي للفلم في السينما .. أرى أن الجهة التي أنتجته كانت قد أخطأت بتسميته ( أﭭتار ) وكان المفروض أن تطلق عليه تسمية ( ما إلك إلا الأمريكي ) حتى يكون الفلم إسم على مسمى .. لأن الفلم يقول وبصريح العبارة : نحن نحتل العالم .. قد يكون من بيننا محتلون فاسدون , لكن منا أيضا محتلون أخيار ستنتخبونهم بأنفسكم ليكونوا حكاماً عليكم , ومهما فعلتم أو قاومتم فما إلكم إلا الأمريكي .
الفلم من تأليف وإخراج المخرج الأمريكي جيمس كامرون كلف إنتاجه 237 مليون دولار لكنه وخلال شهر من بداية عرضه كان قد حقق أرباحاً في شباك التذاكر فاقت المليار دولار .
أنا شاهدت نسخة الفلم ثلاثية الأبعاد ولهذا فحين دخلنا قاعة العرض انا وإبني سلمونا نظارات خاصة تعطي الإحساس بأننا موجودون في مكان الحدث حيث يتحرك الممثلون حولنا وليس أمامنا . والفلم فيه صنعة كومبيوتر عالية الدقة , حيث قام ممثلون بتمثيله ولكن تم تحويلهم كومبيوترياًً الى دمى .
تبدأ حكاية الفلم بعد أن ينتهي الأمريكان من إحتلال الأرض وما ومن عليها , ولذلك يتجهون الى السماوات لإحتلالها , يستمرون في فتوحاتهم حتى يصلوا الى كوكب بعيد في مجرة أخرى .. يتم إحتلال الجزء الأكبر من ذلك الكوكب وتأسيس قاعدة عسكرية على أرضه , لكن أحدى مدن ذلك الكوكب تبقى عصية على الإحتلال .
عناصر الطبيعة متحدة في هذه المدينة بحيث لا يمكن قهرها رغم إستخدام الوحشية ضد السكان من أجل إحتلالها .
يتم جمع قوات من أقذر أنواع المرتزقة ليؤخذوا الى ذلك المكان البعيد من أجل قهر مقاومة أهله لكن جهود كل هؤلاء لا تفلح .. فالمكان عصي على الإستسلام .
عندها تقرر عالمة تخصصها في الإستنساخ والجينات والتخاطر تعمل مع الفريق الأمريكي أن أحسن وسيلة لمعرفة سر مقاومة هذه المدينة هي إستنساخ جسد واحد من أبناء المدينة , ومنحه عقلاً أمريكياً عن طريق التخاطر مع ذاكرته الفارغة , وبذلك يحمل ذلك الأﭭتار العقل الأمريكي ويدخل به الى المدينة دون أن يثير شكوك أحد .
في مختبر علمي كبير الإتساع تتم صناعة رحم صناعي ينمو داخله كائن مستنسخ من الكائنات التي تعيش على ذلك الكوكب , ويتم إحضار جندي أمريكي يقوم بالتخاطر معه لمنحه عقلاً أمريكياً منذ هذه المرحلة .. لكنه عقل يحتوي على كل المعلومات التي يعرفها الأمريكان عن المدينة التي يريدون إحتلالها .. لأنهم وكغرض أصلي , لا يريدون إطلاق هذا الكائن في مدينة لا يعرف عنها شيئاً .
حين تكامل شكل المخلوق على هذه الصورة حملته طائرة هليكوبتر وألقته على أطراف المدينة بينما كان الجندي الأمريكي الذي يتخاطر معه مستلقي في داخل كبسولة ليتمكن من توجيهه وقراءة أفكاره أولاً بأول .
حالما يدخل هذا المخلوق الى المدينة يلتقي في طريقه بفتاة من أهل المدينة ويحصل بينهما تعارف , تلتقيه الفتاة عدة مرات الى أن يعرف بأمره شبان المدينة فيقتادونه الى شيخ القبيلة زاعمين أن إبنتهم تكلم رجلاً غريباً .. لكنه يصر على أنه ليس غريب , فيقوم الشيخ بإختباره أمام كل أفراد القبيلة بسؤاله أسئلة كثيرة عن تاريخ وعلاقات القبيلة في الماضي والحاضر ..ولأن تلقين هذا المخلوق كان عالياً , ولأن المتخاطرين معه عن بعد كانوا يمدونه أول بأول بكل المعلومات التي يحتاجها , لذلك أعلنه شيخ القبيلة على الملأ واحداً منهم , وهو إعتراف ضمني على موافقة القبيلة على علاقته بإبنتهم .
هنا يأخذنا الفلم الى فترة ترويحية .. حيث سنتابع بعض الرومانسيات المليئة بالأحضان والقبل , لكن هذا المخلوق كان يرسل كل المعلومات التي يحصل عليها عن المدينة ( تخاطرياً ) الى القيادة الأمريكية التي توصلت الى سر مقاومة المدينة في اليوم الذي يقرر فيه العاشقان الزواج .
خلال يوم أو يومين من حفل الزواج وكانت الرومانسيات في أعلى مدياتها .. تاتي أسراب من مئات الطائرات الأمريكية لتقصف تلك المدينة . صور للموت والدمار والحرائق ذكرتني وأنا داخل قاعة السينما بصور الحرب الأمريكية على العراق عام 1991 , حين إستعمل الأمريكيون القوة الغاشمة ليس ضد الجيش وحده وإنما حتى مع المدنيين .
ينهمك أهل القرية بمقاتلة الطائرات الأمريكية بوسائلهم البدائية , حيث يستعملون طائر ( الرخ ) العملاق لملاحقة الطائرات .. لكن الحرب لم تكن متكافئة نظراً لتطور التقنيات الأمريكية , وفي هذه الأثناء ينكشف العريس .. بأنه ليس أكثر من جاسوس .
تتركه زوجته وهي في أقصى حالات الحنق والألم وتذهب للقتال مع بقية أفراد قبيلتها .. وهنا نشاهد مشاهد عنيفة جدا للقتل والموت .. أثناءها يجرح شيخ القبيلة ثم يموت .
بسبب بشاعة مناظر الموت يحصل إنشقاق داخل الجيش الأمريكي بين فئة تريد الإمعان في القتل من أجل حسم الصراع , وأخرى تريد وقف القتال عند هذا الحد والتفاوض .
صاحبنا الجاسوس يكون من الذين يريدون وقف القتال .. لكنه لا يجد وسيلة لذلك بغير حمل سلاح آلي ومهاجمة جماعته الأمريكان , بعد ذلك يصعد على ظهر الرخ ويطير لمقاتلة الطائرات في الجو , وأخيرا ينزل الى الأرض لمجابهة القائد العام للقوات الأمريكية وجها ً لوجه .. ولا ينفك عن قتاله إلا بعد أن يتأكد من مقتله . تندحر القوات الأمريكية وتقيم المدينة مجالس أحزانها على قتلاها ودمارها .. لكن أهلها وتقديرا لجهود نسيبهم الجاسوس , يحملون له عباءة شيخ القبيلة ويلبسونها له ويعلنونه شيخا عليهم .. لأن ما إلهم غير الأمريكي .
سينمات العالم من واشنطون الى بغداد إلى الصين ستعرض هذا الفلم .. أليس هذا تكريس للهيمنة الأمريكية !!؟
لأن على الشعوب أن تعرف الطريق الى بناء أنفسها خارج خيارات الهيمنة الأمريكية على العالم , علينا أن نكشف طرق وأساليب فرض تلك الهيمنة .. أما فضح الرموز بإعتبارهم دمى أمريكية تلاعبت بمقدرات شعوبها خدمة للتوجه الأمريكي فهو الآلية الأولى التي نفهم من خلالها كيف وصلنا الى ما نحن عليه اليوم . ميسون البياتي – مفكر حر؟
ماقل من الكلام … بين الحقيقة والأفلام ؟
١: بداية أحييك كإعلامية عراقية يؤلمها جرح العراق تماما كمال يؤلمها جرح تشويه الحقيقة ؟
قلت ( لأن الجريدة والراديو والتلفزيون أدوات إعلام ، وأداة الإعلام هي وسيلة لنشر الثقافة الموجَهَة وليس وسيلة لنقل ثقافة الحقيقة ، ولهذا فنحن حين نقرأ في كتب رصينة لا علاقة لها بوسائل الإعلام ، سنكتشف أن الحقيقة في وادي ورأي الناس من خلال وسائل الإعلام قد أصبح في وادي آخر ؟
٢: كلامك في الصميم ، وهو أن الحقيقة الحقة في وادي وماصور لها حقيقة في وادي أخر ، وهذا ماسبب إزدواجية الرؤية عند الغالبية العظمى من الناس خاصة في مجتمعاتنا بدليل مانراه اليوم من واقع أمر من العلقم ، إلا أنه رغم تشويه هذه الحقيقة إلا أنها لاتبتعد كثيرا عن مخيلة الكثير من المشاهدين المحللين ؟
٣: لقد رأينا في الفلم المذكور كيف إستخدام ألأمريكان ذالك المخلوق المستنسخ ( المسخ ) لتحقيق أهدافهم ، ولكنه في النهاية إصطف ليحارب مع سكان المدينة ، فكان أفضل من كثيرين ممن نراه اليوم في أوطاننا يتغنون بالدين والإنسان ، لحيازته لعقل وليس لضمير ، لأن الضمير من رمان قد صار في خبر كان ؟
شكرا ً يا س . سندي .. أحاول قدر المستطاع توضيح الحقيقه ..لكن أغلب الناس مغسولة أفكارهم ويصرون على عدم قبول الحقيقه وتصديق الأكاذيب …. ليرحمنا الله