الكاتب ( محمد الباز )
نشر فى جريدة الدستور
البابا شنودة أحاط نفسه بعدد كبير من الأساقفة كانوا طوع بنانه.. ووصل عدد الرهبان فى عهده إلى الآلاف
دماء أسقف أبومقار مثلت الكلمة الأخيرة فى حرب الولاءات داخل الكنيسة القبطية
ليس أسهل من الاستسلام لما يتردد عن قتلة الأنبا أبيفانيوس راعى دير أبومقار.
ليس أسهل من تحديد أسماء بعض الرهبان والإشارة إليهم باعتبارهم من قاموا بتنفيذ الجريمة، التى هى الأكثر بشاعة فى تاريخ الكنيسة كله، رغم ما شهده من أهوال وتعاقب عليه من عواصف.
فالذين قتلوا الأنبا الصالح لم يكتفوا بتهشيم رأسه أو طعنه فى ظهره، ولكنهم تقريبًا مثلوا بجثته، ليتأكد للجميع أن الهدف لم يكن التخلص من خطر يمثله أبيفانيوس «فى الغالب كان خطرًا حقيقيًا بالنسبة لهم»، بقدر ما كان الانتقام محركًا، والكراهية دافعه.
وليس أسهل أيضًا من الإشارة إلى معلومات حصلنا عليها من أوراق التحقيقات التى تجريها النيابة الآن، وقامت خلالها باستجواب العشرات من أبناء الدير الذى شهد جريمة القتل، وهى التحقيقات التى أعتقد أن نتيجتها النهائية ستكون مفاجأة خارجة عن كل التوقعات التى يذهب إليها من يتابعون القضية بشغف ونهم وتربص.
التحقيقات حتى الآن غير مكتملة، وعليه فمن الأفضل الإنصات إلى البيانات الرسمية التى ستصدر تباعًا من مكتب النائب العام، وأعتقد أنها لن تتأخر كثيرًا، فالكنيسة تغلى، وكل دقيقة تمر دون أن تكون هناك معلومة منطقية، ستزداد الشائعات وتنتشر التخمينات وتحتل التحليلات المعلقة فى الهواء الساحة كلها.
الأصعب فى هذه القضية تحديدًا هو التعامل معها على أنها مجرد جريمة قتل نبحث عمن نفذها، نحاكمه ثم ينتهى الأمر.
لم يكن ما جرى بين قلاية الأنبا أبيفانيوس وكنيسته فى دير أبومقار، فجر الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٨، مجرد تخطيط إجرامى من فرد أو اثنين أو على الأكثر ثلاثة، نفذوا جريمة قتل من أجل مكاسب صغيرة، أو حتى كبيرة، قرروا أن يتحصلوا عليها بعد أن يفلتوا بجريمتهم، فلم يهدف من خرجوا حاملين سلاحهم أيًا كان نوعه ليفتكوا بالراهب الطيب من أجل السرقة.. بل كانت فى طويتهم أشياء أخرى.
قرر من قتلوا الأنبا أبيفانيوس أن يقطعوا الطريق عليه، أن يحولوا دون صعوده وتعميم فكره ليكون مرجعية لاهوتية عامة للمسيحيين، وهو التعميم الذى كان يباركه البابا تواضروس ويدعمه ويقف وراءه بقوة.
هل تابعتم الحالة التى كان عليها البابا تواضروس فى قداس جناز الأنبا أبيفانيوس؟
ستتحدثون كثيرًا عن بكائه.
عن حزنه الذى جعله ينحنى على جثمان الراحل.
وكأنه يمسك به يطالبه بألا يرحل.
كأنه لا يُصدق أن الجسد الذى يضمه صندوق بارد تلقى كل هذا الجحود وهذه الكراهية.
عن نبرات صوته القوية وهو يوجه رسائل قوية إلى الرهبان الذين انقسموا على أنفسهم ووزعوا ولاءاتهم على بشر مولين ظهورهم إلى الكنيسة، التى لا بد أن يكون الانتماء الأول والكامل والتام والنهائى لها.
سأحدثكم أنا عن هزيمة كبيرة تلقاها البابا تواضروس فى معركته التى خاضها منذ يومه الأول على كرسى مار مرقس، وهى معركة قرر أن يُخلِّص الكنيسة فيها من الطائفية والتحزب والانقسام.
هل كانت الكنيسة كذلك؟
يمكن أن تدفن رأسك فى الرمال، وتقول كلامًا طيبًا، تنفى به أى انقسامات فى الكنيسة، وتتزيد علىّ بكلام رومانسى تتهمنى فى طياته بأنى أحاول زرع فتنة فى الكنيسة التى هى موحدة ولا يستطيع أحد أن ينال من تماسكها.
لن أغضب منك وأنت تقول ذلك، وسألتمس لك العذر، ولن أشكك فى نواياك، لأنك من كل قلبك تريد أن تكون الكنيسة هادئة ومستقرة، وهذا أقدره جدًا.
لكن اسمح لى أن أقول لك ما يدور داخل الكواليس ويتحرج كثيرون من الإعلان عنه أو الاقتراب منه، ربما اعتقادًا منهم أن الأسرار يمكن أن تتحول إلى متفجرات تعصف بالجميع، ولن يقف فى طريقها أحد، كبيرًا كان أو صغيرًا.
عندما أعلن الأنبا باخوميوس اسم الأنبا تواضروس بابا للإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لم يكن الخبر سعيدًا لكثيرين ممن أحاطوا بالبابا شنودة، هؤلاء الذين لم يكونوا رجال كهنوت بقدر ما كانوا رجال دولة حاول البابا شنودة أن يؤسسها على عينه، لأنه كان يرى أنه يحمى الأقباط، ولا يجب أن يتركهم للدولة تأكلهم.
لم يكن البابا شنودة على حق، كان يعانى من عقدة حادة جدًا، ورثها من صراعه مع الرئيس السادات، وجد نفسه فجأة مجردًا من كل شىء، ليس هذا وفقط، ولكن بدأت الدولة فى البحث عن بديل له، ولم ينقذه من أزمته إلا رصاصات الجماعات المتطرفة التى اغتالت السادات.
لم يخرج شنودة من عزلته التى وجد نفسه فيها، حتى بعد أن أصبح هناك رئيس جديد، تصالح مع الجميع واستضافهم فى قصره، وتأخر فى إفساح الطريق أمام البابا حتى العام ١٩٨٥، أى بعد أربع سنوات من اغتيال السادات، وهو ما ترك فى نفس البابا شنودة غصة لم تفارقه أبدًا.
كان البابا شنودة براجماتيًا من الطراز الأول، حوّل محنته إلى منحة، والغريب أن هذه المنحة لم تكن من الله أو من الشعب، ولكنها من عند نفسه، قرر أن يكون رئيسًا لدولة الأقباط، فى مقابل رئيس الدولة الذى هو رئيس لبقية جموع الشعب ممن لا يدينون بالمسيحية.
لا أتحدث هنا عن جموع الأقباط الذين كانوا يلجأون إلى الكنيسة ويتظاهرون فى ساحتها عندما تعترض طريقهم مشكلة، وقتها كان البابا ينحاز إليهم، بصرف النظر عما إذا كان لديهم الحق، أو يقفون على حافة الباطل، كان يتحول إلى قائد فى معركة، يُسخّر كل أدواته فى الصراع حتى ينتصر، ومن بين أدواته التى كان يتقنها الهروب إلى دير وادى النطرون يعلن الاعتكاف، حتى يضع الدولة فى أزمة، وقد فعلها أكثر من مرة.
كان البابا شنودة يستغل الشعب القبطى بملايينه للضغط على الدولة، ففى أزمات كثيرة، كان يلتزم الصمت فى عظته الأسبوعية التى كان يلقيها الأربعاء من كل أسبوع، ويقول لمن يسأله عما سيفعله فى الأزمة التى تعترض طريق الأقباط: «الله هو الذى سيتكلم، موحيًا للجميع بأنه يتعرض لضغوط كثيرة من الدولة».
الأكثر من ذلك أنه كان يبكى كثيرًا فى عظاته، ولم يكن الشعب يفهم من ذلك إلا أن قائدهم يخوض معركة ويحتاج إلى دعم، والحقيقة أن المسيحيين لم يتأخروا عن البابا شنودة فى أى أزمة من أزماته، وبعضها كان مفتعلًا.
سألت أحد المثقفين المسيحيين الكبار ذات مرة عن الفارق الأساسى بين البابا كيرلس والبابا شنودة، فضرب لى مثلًا لخص به الأمر كله.
قال لى: «عندما كان يذهب خريج جامعة إلى البابا كيرلس ويقول له إنه الأول على دفعته، وإن الكلية تخطته فى التعيين، وحرمته من حقه فقط لأنه مسيحى، كان يبتسم، ويقول له فى أريحية شديدة: لا تقلق، سأصلى من أجلك».
نفس الطالب عندما كان يذهب إلى البابا شنودة، ويقول له نفس الكلام، لم يكن يبتسم له، بل كان يظهر الغضب، ولم يكن يتحدث بأريحية بل تسيطر عليه الحدة، ويطويه الانفعال تحت جناحيه، ويأخذه البابا من يديه، ويقول له: «سأجعل محاميًا من الكنيسة يرفع لك قضية أمام القضاء الإدارى حتى تحصل على حقك».
ستقول إن البابا شنودة كان بذلك يدافع عن حقوق مواطنيه، وهو ما يجب أن نشكره عليه.
سأقول لك: هنا تكمن العلة ويتفاقم الخطر تمامًا، فعندما أقررنا أن هؤلاء مواطنيه، وأنه تحديدًا من يجب أن يدافع عنهم، فإننا بذلك وافقنا على ما أراد أن يفعله، أن يكون رئيسًا فى دولة المفروض أن لها رئيسًا.
رغبة البابا شنودة أن يكون رئيسًا للأقباط دفعته دفعًا إلى أن يحيط نفسه بأكبر عدد من الأساقفة، فوصل عددهم إلى مئات كثيرة، وأن يوسع الطريق أمام من يريد أن يدخل الرهبنة، حتى وصل عدد الرهبان إلى الآلاف فى عهده، ولم يكن البابا يريد تأسيس دولة للكهنوت، ولكنه كان يبحث عن تأسيس دولة سياسية وقودها رجال الدين الذين دخلوا تحت جناحه، لا يخالفون له أمرًا، وهو ما جعله مطمئنًا إلى أنهم فى أى وقت يمكن أن يقدموا أنفسهم فداءً لسيدهم، ليس لأنه البابا فقط، ولكن لأنه ولى نعمتهم وحاميهم.
لم يكن الاعتراض على البابا شنودة من الدولة المصرية فقط.
ولم يكن الاحتجاج عليه من دعاة ينتمون لجماعات دينية مختلفة المشارب والأهواء.
ولم تكن الدهشة هى التعبير الملازم لملايين المصريين الذين رصدوا حالة من العزلة يفرضها البابا شنودة على جموع الأقباط.
كان الرفض والاحتجاج والدهشة أيضًا من القمص متى المسكين، الذى أخذ دير أبومقار وكاد يكون منفصلًا به عن سلطة البابا شنودة، إداريًا واقتصاديًا، بل كان لرهبان هذا الدير زى خاص بهم، يفرقهم عن رهبان الكنيسة الأرثوذكسية.
وكما كان السادات هو الوجع السياسى فى حياة البابا شنودة، ذاك الوجع الذى دفعه لأن ينصّب نفسه رئيسًا للأقباط، كان الأب متى المسكين يمثل وجعًا روحيًا وإداريًا للبابا شنودة.
شعر البابا شنودة أن سلطته الروحية منقوصة، كان هناك من بين الرهبان ورجال الدين المسيحى من يتسربون بولائهم لما يمثله المسكين من قيمة فى الكنيسة المصرية، ويشهد التاريخ على تعنت البابا شنودة ضد كل من أطل برأسه على أفكار متى المسكين.
كان كل من يتم الإمساك به متلبسًا بكتاب لمتى المسكين، أو مستمعًا لحديث من أحاديثه، أو زائرًا له، تتم الإطاحة به على الفور، وكنتُ شاهدًا على بعض النماذج التى تم إذلالها، لا لشىء إلا لأن متى المسكين دخل فى جملة مفيدة على خريطتها.
ظلت كتب متى المسكين ممنوعة من العرض فى مكتبات الكنائس، كان يتم التعامل معها على أنها من المحرمات التى يرتكب من يقترب منها خطيئة لا تغتفر، بل إن البابا شنودة كان يخصص عظات مطولة للرد على ما كان يعتبره هرطقات المسكين، معتبرًا ما يقوله أو يكتبه أو ما يتبناه من أفكار لاهوتية خطرًا على الإيمان الأرثوذكسى.
لن أثبت هنا خلافات البابا شنودة السياسية مع الأب متى المسكين، فهى جزء من الأزمة وليست الأزمة كلها.
الخلافات اللاهوتية هى حجر الأساس، فبها تم ذبح متى المسكين وتشويه صورته، وكان طبيعيًا ألا يُصلى شنودة على متى المسكين بعد وفاته فى عام ٢٠٠٦، فقد كان يعتبره خارجًا على الكنيسة ولا يستحق الصلاة التى هى رحمة.
مات متى المسكين الجسد، لكنه ترك وراءه مريدين وأبناء وتلاميذ يحملون أفكاره ويسيرون على طريقه، متلمسين منهجه الذى هو من وجهة نظرهم الطريق الصحيح إلى قلب يسوع المسيح، لتبدأ مهمة جديدة، وهى مهمة لم يقم بها البابا شنودة وحده، ولكن نفذها من رباهم على عينه، حتى شكلوا ما يمكن تسميته «مجلس الكهنة الكبار»، وهؤلاء لم يتسامحوا أبدًا مع كل من خرجوا على نهج البابا شنودة وطريقه.
منى هؤلاء أنفسهم بعد رحيل البابا أن ساكن قلاية رأس الكنيسة الجديد سيكون منهم، وعليه فلا شىء سيتغير أو يتبدل أو يتحول، فهدأوا قليلًا، لكن قرعة السماء جاءت لهم فى ٤ نوفمبر ٢٠١٢ بمن يملك روحًا مختلفة ورؤية مغايرة تمامًا.
صباح هذا اليوم كان المشهد رائقًا جدًا، المؤسسة الكنسية تقدم صورة مختلفة وبراقة لتسليم السلطة الروحية، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك تحت السطح.
رجال البابا شنودة خضعوا لاختيار السماء، حاول البعض أن يُفسد المشهد بترهات حول مجاملة من الأنبا باخوميوس القائم مقام باسم البابا لتلميذه الأنبا تواضروس، لكنها ترهات ماتت فى مهدها تمامًا، ليبدأ فصل جديد من صراع تقليدى فى أوقات انتقال السلطة وترتيب البيت من الداخل.
لم يعادى البابا تواضروس أحدًا، كان قراره أن يجمع آباء الكنيسة على قلب واحد، كانت مهمته الأساسية هى توحيد الولاءات.
على مدار ما يقرب من ٦ سنوات مرت الكنيسة بأهوال، لم ينس فيها البابا تواضروس مهمته الأساسية، أن ينزع التحزب من قلوب أبنائه، أن يدفع بهم فى طريق واحد، فلا معنى لأن يكون هناك أبناء لشنودة فى مواجهة أبناء لمتى المسكين، فكلهم أبناء المسيح وله يعملون.
هل كان البابا تواضروس يعتقد أنه نجح فى مهمته؟
أعتقد أنه كان يتمنى ذلك فقط.
فى جنازة الأنبا أبيفانيوس كشف البابا عن منهجه، فهو لا يميل لتصنيف الأساقفة والرهبان طبقًا لولائهم الشخصى، أثنى على الأنبا أبيفانيوس الذى خرج من رحم مدرسة متى المسكين.
قال عنه: كنت أسترشد به كثيرًا فى قراراتى، فقد كان غزير المعرفة ولم تكن معرفته سطحية، فى كل دراساته وحياته والمخطوطات التى يحققها كان عميق المعرفة، وكنت أكلفه بحضور المؤتمرات ليمثل الكنيسة، فقد كلفته بـ٢٠ مؤتمرًا فى ٥ سنوات، ليمثل فيها وجه الكنيسة القبطية ويمثل مصر، واستضاءت بمعرفته الأرض.
وتابع: كان نموذجًا وقامة واحتل هذه المكانة وكان يُشرف الكنيسة القبطية أمام كنائس العالم، أنتج كتبًا كثيرة وطبعها الدير فى مجلات معرفية مختلفة، زرت هذا الدير بعد تعيينه وقضيت يومًا فى رحاب الآباء الأحباء ونفتخر بهذا الدير.
وأكمل: قلما نجد هذا النوع من الآباء الأساقفة، كان يتمتع بالبساطة فى ملبسه ومسكنه وطعامه، فقد كان بسيط الحياة جدًا، وكان يفضل الجلوس فى الصفوف الأخيرة.
بهذه الكلمات أنهى البابا تواضروس عهدًا من الشقاق والخلاف وتعدد الولاءات، ولم يكن الحديث بالإشارة كافيًا، فقال ما قصده نصًا متوجهًا بحديثه إلى أبنائه رجال الإكليروس: «أتمنى لكم السلام فى الدير، أنتم تنتمون للكنيسة القبطية وليس أحد آخر، أنتم تنتمون للقديس الأنبار مقار الكبير، وأخرجوا من بينكم أى انحراف بعيدًا عن الرهبنة».
أمسك البعض بما قاله البابا عن الانحراف الذى يطلب من الرهبان أن يبتعدوا عنه، لكننى توقفت أمام المعركة التى أعلن فيها تواضروس هزيمته فيما مضى.
لقد وقف البابا الثائر على جثمان الأسقف المقتول ليعلن أن جهوده فى السنوات الست الماضية للتقريب وتذويب الخلافات راحت هباء، وما دماء أبيفانيوس التى سالت إلا ترجمة واضحة لهذه الهزيمة، التى يبدو أنه لم يستسلم لها رغم مرارتها وقرر أن يبدأ الحرب من جديد، إلا حلقة من حلقات الصراع وثمنًا له.
ستقول وما علاقة كل ما قلت بمقتل الأنبا أبيفانيوس؟
سأقول لك إن العلاقة وثيقة جدًا.
لن أحدثكم عمن حمل الآلة الحادة وضربه على رأسه فهشمها وأخرج مخه خارج تجويفه.
ولن أشير إلى من حمل السكين وطعنه من الخلف، فنفذت الطعنة عابرة أحشاءه فمزقتها.
ولن أتوقف طويلًا أمام الثالث الذى كان يساعد ويراقب الطريق ويجهز على الضحية، تحقيقات النيابة ستجيب عن ذلك كله.
سأحدثك فقط عن أن هذا الراهب الطيب- رغم ترسيمه أسقفًا فى العام ٢٠١٣ إلا أن لقب الراهب كان المحبب إلى قلبه- لم تكن الآلة الحادة التى قتلته غير الكلمة الأخيرة فى حرب طويلة من الخلاف والشقاق الشديد، حرب تعددت فيها الولاءات ولم تكن الكلمة خلالها خالصة لله، حرب ستجر خلفها أزمات كثيرة، لكن أغلب الظن أن البابا تواضروس سينتصر فيها، وهو الانتصار الذى دفع ثمنه الأنبا أبيفانيوس من دمه، ولأننا جئنا إلى الدماء فكل الخلافات ستزول، لأنها لا تنتهى دون دفع ضريبتها.
كم سيستغرق الأمر؟
الله أعلم.
لكن فى النهاية ستنتصر الكنيسة الواحدة.. لأنه ليس أمام المسيحيين إلا ذلك.. ثم إننا جميعًا لن نتحمل أن تستمر دولة البابا شنودة التى بناها على عينه أكثر من ذلك، وهى الدولة التى لم تكن فوق سلطة الدولة المصرية فقط، ولكنها سحقت الكنيسة تحت قدميها.
يدرك البابا تواضروس دوره جيدًا، يعرف أنه مواطن فى دولة اسمها مصر، مرشد روحى للأقباط يحمى إيمانهم.. لكنه يفعل ذلك دون أن يعتبر نفسه حاكمًا أو رئيسًا.. وهذا هو الفارق بينه وبين سلفه الذى يجعلنا نطمئن.. ونطمئن جدًا.