تعلَّم-ي بحور الشعر (7) الرَّجَز

بقلم: رياض الحبيّب

خاص – موقع لينغا

يُقال من باب الإحتمال بوجود لغة تفاهم بين الحيوان وأخيه الحيوان. مع تنبّه الإنسان أحيانًا إلى وجود لغة تفاهم واقعيّة بين الطيور وأخرى بين النمل وثالثة بين جنسين مختلفين من الحيوان… إلخ بالإضافة إلى تلك التي بين الإنسان والحيوان ولا سيَّما الحِمار. فمثالًـا؛ لا يخفى عن أحَدٍ دَوْرُ الحِمَار الإقتصادي في خدمة الإنسان بصَبْر مميَّز وقدرة مُذهلة على التحمّل. ودورُهُ في الأدب؛ كالمقالة والشعر والمسرحيّة (الحمير- آخر مسرحية لتوفيق الحكيم) ودوره السياسي في منتديات عدّة؛ لعلّ أبرز ما وصلني من أخباره السياسيّة هو قيام حزب بلغاري بترشيح حمار لينافس عمدة مدينة ڤارنا في الإنتخابات البلدية التي جرت في أكتوبر العام الماضي (1) لكنّ الحدث ما ضاهى، في نظري، قيام حزب الحَمِير بصنع تمثال من البرونز لنصف إنسان برأس حمار ورقبته مع ربطة عنق، في وسط السليمانية- إقليم كردستان العراق- بلغ ارتفاعه خمسة أقدام وعرضه ثلاثة بكلفة 2500 جنيه إسترليني (2) بل طالب الحزب حكومة الإقليم بتقديم دعم مالي لاٌفتتاح محطة إذاعية باٌسم زارين- كلمة كردية تقابل النهيق أي صوت الحمار- بعدما حَظيَ الحزب باعتراف رسميّ من الحكومة المذكورة. والمجال ضيّق هنا لعرض أدوار أخذها الإنسان عن الحيوان. فتمثيل دورِ حمار، في نظر آدَميّ، خيرٌ مِن ممارسة دور خفَّاش أو ذئب أو أفعى أو تمساح
 
– – –
 
وبالمناسبة؛ أثبت لي أحد الحمير عمليًّا أنّهُ أذكى ممّا يُشاع عنه بكثير، إذ حاولتُ مرّة طرْدَهُ من مكان وضَعَتْ فيه حظيرتُنا (العسكريّة) برميلَ ماء للغسل، مُغطًّى بلوح خشبي عريض. جاء الحمار قبل طلوع الفجر ليشرب بعدما رآى المكان خاليًا (من الجنود) ثمّ دفع برأسه الغطاءَ ليسقط على الأرض. فتنبَّهْتُ لصوت ارتطام اللوح بالأرض فخرجتُ من الملجإ وطردته إلى خارج محيط الحظيرة. ثمّ جلستُ القُرْفُـصاء على مسافة قصيرة من البرميل منتظرًا ابتعاد الحمار بُعْـدًا مُطمْئِنًا، متأمِّلًـا في الوقت نفسه بعَيني الحِمار اللتين كانتا تُحَدِّقان في عينيَّ بحُزن وعتاب. فلمّا ابتعد المسكين قليلًـا استدار محاولًـا الإقتراب مرة أخرى بطريقة ذكية؛ إذ عاد من جهة تجعل البرميل واقعًا ضمن خط النظر الواصل بيني وبينه، وقوع الأرض بين الشمس والقمر أثناء خسوف الأخير كُلِّـيًّا. لقد شدّني المشهد فسبقتُ الحمار إلى رفع الغطاء ثمّ عدتُ إلى النوم؛ بعدما شعرتُ بتأنيب الضمير: هل أرَدتَ قتل حمار طويل عريض عطشًا وأنت اٌمرؤ ما هان عليك قتل ذبابة محاصرة في ملجإك، حتى طردتها خارجًا بناموسيّتك التي تقيك من الذباب والبعوض أثناء النوم؟ كيف تمنع الماء عن مخلوق حَيٍّ حتى إذا كان من خصومك أو من أعدائك؟ أفما وضعتَ في حسبانك أيضًا ما سمعت يومًا من رجل وامرأة أنَّ كلًّـا منهما قد تمنّى لو كان هو نفسه ذلك الجَحْشَ الذي اٌمتطاه ربُّك ومخلِّصُك يسوع المسيح مُحقِّـقًا إحدى النبوءات (زكريّا 9:9) حين دخل أورشليم واٌستقبلتهُ جموع كثيرة بأغصان الزيتون وسعـف النخل (يوحنّا 12: 12-15) في ذلك اليوم التاريخي المسمّى بيوم الشَّعَانين (أو السَّعَانين) وبيوم السَّـبَاسِـب عند العرب؟ عِلمًا أنّ الحادثة حصلت معي في فترة هدوء مؤقتة إبّان الحرب العـراقيَّة- الإيرانيَّة. وكثرما شربنا من ماء البرميل في فترات تعـذَّر خلالها الحصول على ماء الشرب
 
– – –
 
سابعًـا: بَحْرُ الرَّجَز
 
للشِّعْـر حِمَارٌ معروف هو بَحْرُ الرَّجَز. وقد سُمِّيَ الرَّجَزُ حِمارَ الشِّعْـر لأنّ جوازات تغيير تفعيلته الأساسيَّة مُسْتَـفْعِـلُنْ كثيرة سواء أكان تامًّا أم مجزوءا. وقد سُمِّيَ الرَّجَزُ أيضًا بحِمار الشُّعَـراء إذ أمكن كل شاعر أن “يمتطِيَهُ” لسهولة “الحَمْل عليه” وخِفّتِه. وزنه التامّ مُسْتَـفْعِـلُنْ ستّ مرّات. أمّا المجزوء فأربع. وهناك المشطور والمنهوك وغيرهما ما قلّ استعماله وما ندر. وللرَّجَز عروضان وثلاثة أضرب. أمّا جوازات مُسْتَـفْعِـلُنْ هي: مَفاعِلُنْ، مُفتعِلُنْ، مَفعُولُنْ، عِلُنْ التي تُنقَل إلى فَعِلْ، تُضاف إليها مَفَعِلُنْ (أو فَعِلَتُنْ) لكنّها غير مُستحسَنة. وسنرى في الأمثلة تبادُلًـا في الأدوار بين العروض وضربها والجوازات، لكنْ حَذارِ مِن مُتَفاعِلُنْ- تفعيلة الكامل- لأنَّ استخدام واحدة منها كافٍ لتغيير هويّة الرَّجز إلى الكامل، ما يُعابُ عليهِ الشّاعـرُ والمُـتـشاعـر
 
أوَّلًـا؛ العروض مُسْتَـفْعِـلُنْ (أو من جوازاتها) التي ضَرْبُها مثلها
 
عنترة بن شدّاد
 
مَدَّتْ إِلَيَّ الحادِثاتُ باعَها * وحارَبَتني فرَأَت ما راعَها
 
مَدْدَتـئِلَيْ- يَلحادِثا- تُباعَها * وَحَارَبَتْ- نِيْفَرَأَتْ- ماراعَها
 مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ- مَفاعِـلُنْ * مَفاعِـلُنْ- مُفْـتَعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ
 
وَيْلٌ لِشَيبان إِذا صَبَّحتُها * وأَرسَلَتْ بيضُ الظُّبى شُعاعَها
 
وخاضَ رُمْحي في حَشاها وغـدا * يَشُكُّ مَعْ دُروعِها أضلاعَها
 
وخاضَرُمْ- حِيفيحَشا- هاوَغَـدا * يَشُكْكُمَعْ- دُرُوعِها- أَضلاعَها
 مَفاعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُفْـتَعِـلُنْ * مَفاعِـلُنْ- مَفاعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ
 
يَشُكُّ مَعْ= مفاعِلُنْ؛ لاحظ-ي ضرورة إسكان عين “مَعَ” لئِلّـا يختلّ الوزن
 
يا عَـبْلَ كَم تَنعَقُ غِربانُ الفلا * قد مَلَّ قلبي في الدُجى سَماعَها
 – – –
 
كُليب وائل بن ربيعة (ت 494 م) أخو المُهَلهِل
 
يا طَيْرَةً بَيْن نباتٍ أخضرِ * جاءتْ عليها ناقةٌ بمُنكَرِ
 إنَّكِ في حِمى كُليبَ الأزهـرِ * حَمَيتُهُ مِن مَذحِجٍ وحِمْيَرِ
 فكيف لا أمنعُهُ مِن مَعْـشَري
 
من كتاب «شعراء النصرانية» للأب لويس شيخو اليسوعي ج 1 ق 2 ص 157
 فلو أكمَلَ كُلَيْبُ قوله على هذا النحو لأصبح قصيدة موشَّحة من أقدم المُوشَّحات العربية. عِلمًا أنّ الرَّجَز بتنويعاته المختلفة وأشكاله قد تفرّد بين البحور
 
صَفِيِّ الدينِ الحِلِّي؛ عاش في الفترة التي تلت احتلال بغداد من المغـول
 
تذكَّرَتْ مَرْتَعهـا فشـاقها * فأقبلتْ حامِلةً أشواقها
 تُجيلُ في مَطارِها أحداقها * تَمُدّ مِن حَنينها أعناقها
 لمْ تدرِ أنَّ مَدَّها للجَزْرِ
 
نذرتُ للنفـس إذا تمَّ الهَـنا * وزُمَّتِ العِيسُ لإدراك المنى
 أنْ أُقرِن العِزَّ لديها بالغنى * حتى رأتْ أنَّ الرحيل قد دنا
 فطالبَتْني بوفاءِ نَـذْري
 
إنّ ما تقدّم قطعتان مِن قصيدة مُوشَّحَة للشاعر صَفِيِّ الدِّينِ الحِلِّي؛ كلّ بيت من أبياتها الأربعة مُصَرَّع. وقد غلب التصريع على غالبية أبيات قصائد الرَّجَز في الشعر العربي، دون غيره من البحور. فالبيت المُصَرَّع: بيت تُلحَقُ عَروضُهُ بضربه ليصبح كلاهما مقفًّى بقافية القصيدة؛ سواء أكان في حروف الضرب زيادة على العروض الأساسية أم مساواة أم نقصان. والتصريع ممكن في جميع البحور- غير لازم، لكنّ شعراء العربيّة قد اعتادوا عليه في مطالع قصائدهم (البيت الأول) للدلالة على أن المتكلّم بدأ يقول قصيدة لا نثرًا. لعلَّ خيْرَ الأمثلة على التصريع أنواعُ مطالع بحر الطويل؛ عَروضُهُ مَفاعِـلُنْ وضُروبُهُ ثلاثة. هنا أمثلة على التصريع- من الطويل
 
الحالة الأولى؛ الزيادة على مَفاعِـلُنْ: مَفاعِـيلُنْ، كما في مطلع قصيدة للأخطل التغلبي
 عَـفا دَيْرُ لِبَّى مِن أُمَيمَةَ فالحَضْرُ * وأقفرَ إلّـا أنْ يُلِمَّ بهِ سَفْرُ
 دَيْرُ لِبَّى: دير قديم في نينوى (الموصل) والحضر (3) موقع أثري جنوبيّ نينوى
 
الحالة الثانية؛ المساواة مع مَفاعِـلُنْ- كما في مطلع قصيدة لدُرَيْدَ بن الصِّمَّة
 أَرَثَّ جَديدُ الحَبْلِ مِن أمِّ مَعْـبَدِ * بعاقبةٍ أمْ أخلفتْ كلَّ موْعِـدِ
 
الحالة الثالثة؛ النقصان عن مَفاعِـلُنْ: فعُولُنْ- كما في مطلع قصيدة لجميل بن مَعمر
 ألا لَيْتَ أيَّامَ الصَّفاءِ جَدِيْـدُ * ودَهْرًا تَوَلَّى يا بُثَـيْنَ يَعُــوْدُ
 بُثَـيْنَ أو بُثينُ= بُثَـيْنَة، مثلما عَـبْلَ= عَـبْلَة
 خُفِّفَ الإسمان بُثَـيْنَة وعَـبْلَة بحذف التاء المربوطة لئِلّـا يختلّ الوزن
 
والأمثلة على القصائد المُصَرَّعة من بحر الرَّجَز لا حصر لها في الشعر العربي. سأكتفي بمِثالين، ثلاثة أبيات في كل منهما مع اسم الشاعر
 
اٌمرؤ القيس بن حجْر الكِندِيّ
 
يا لَهْفَ هندٍ إذْ خَطِئْنَ كاهِلـا * القاتِلينَ المَلِكَ الحُلاحِلـا
 يا خيرَ شيخٍ حَسَباً ونائِلـا * وخيرَهُمْ قد عَلِمُوا شمائلـا
 نحْنُ جلَـبْنا القُـرَّحَ القوافِلـا * تاللهِ لا يَذهَبُ شيخي باطِلـا
 
أبو نؤاس
 
أنعَـتُ كلباً جالَ في رباطِهِ * جولَ مُصابٍ فرَّ مِن أسْعَاطِهِ
 عِندَ طبيبٍ خافَ مِن سِياطِهِ * هِجْنا بهِ وهاجَ مِن نشاطِهِ
 كالكوكبِ الدُّرِّي في اٌنحطاطِهِ * عند تهاوي الشَّـدِّ واٌنبسَاطِهِ
 رَويُّ هذه القصيدة مُزدوَج من حَرْفين: الطاء والهاء. كذا ورد في قصيدة عنترة وموشَّحة الحِلِّي. الرَّويُّ: حرف القافية
 – – – – –
 
ثانيًـا؛ العروض مُسْتَـفْعِـلُنْ وضَربُها مقطوع مَفْعُـولُنْ
 
ابن عبد ربِّه- من «يتيمة الدهر» للثعالبي ج ٢ ص ١٠١
 
قلبٌ بلوعات الهَوى معمودُ * حَيٌّ كَمَيْتٍ حاضِرٌ مَفقودُ
 ما ذقتُ طعْمَ الموتِ في كأس الأسى * حتّى سَقتْنيهِ الظِّباءُ الغِـيدُ
 مَن ذا يُداوي القلبَ مِن داء الهوى * إذ لا دواءٌ للضَّنى مَوجودُ
 
هذه الأبيات خالية من جوازات مُسْتَـفْعِـلُنْ؛ الخبن (مفاعِلُنْ) والطيِّ (مُفتعِلُنْ) والخَبْل (فَعِلَتُنْ) والبيت الأوَّل مُصرَّع- إليك تقطيع البيت الثاني
 
ماذُقتُطعْ- مَلمَوتِفي- كأسِلـأسا * حتْـتاسَقتْ- نِيهِظْظِبا- أُلغِـيدُو
 مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ * مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ- مَفعُـولُنْ
 – – –
 
أمّا شعراء العربيّة عمومًا فقد أجازوا في الرَّجَز جوازات مُسْتَـفْعِـلُنْ المذكورة، حتّى في القافية، مُعَوِّضِين عن هذه الجوازات بتصريع كلِّ بيت؛ مثالًـا ما يأتي
 
الأخطل التغلبي- مادحًا
 
إنّ بني زيدَ مَليحُو الشَّكلِ * كمْ فيهِمِ مِن فِعْلةٍ وفِعْلِ
 يخطرُ بالمنجَلِ وَسْطَ الحَقلِ * يومَ الحَصادِ خطران الفحْلِ
 
إنْنَبَني- زَيْدَمَلي- حُشْشَكلِي * كمْفيهِمِي- مِنفِعْلتِنْ- وَفِعْـلِيْ
 مُفْـتَعِـلُنْ- مُفْـتَعِـلُنْ- مَفعُولُنْ * مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ- فَعُولُنْ
 
لاحظ-ي: وفِعْـلِيْ= فَعُولُنْ، إذ جاز في قصائد الرَّجَز الجمع بين الضرب مَفعُولُنْ وبين فَعُولُنْ الناتجة من خبْنِ مَفعُولُنْ
 
يخْطرُبلْ- مِنْجَـلِـوَسْ- طَلْحَقلِي * يومَلحَصا- دِخَطَرا- نِلفحْلِي
 مُفْـتَعِـلُنْ- مُفْـتَعِـلُنْ- مَفعُولُنْ * مُسْتَـفْعِـلُنْ- مَفَعِـلُنْ- مَفعُولُنْ
 
لاحِظ-ي الخَبْل فَعِـلَتُنْ؛ دِخَطَرا= فَعِـلَتُنْ
 
– – –
 
ليس ذلك فحسْبُ؛ إنّما أجازوا استعمال العروض مُسْتَـفْعِـلُنْ مع ضَربَيها (مُسْتَـفْعِـلُنْ ومَفعُولُنْ) في قصيدة واحدة، لذا أعود إلى مُوشَّحَة صَفِيِّ الدينِ الحِلِّي المذكورة أعلى لأختار منها قطعتين أخرَيَين، ابتداءً بالقطعة الأولى من القصيدة
 
دارتْ على الدَّوح سُلافُ القَطْرِ * فرنَّحَـتْ أعطافُهُ بالسُّـكْرِ
 ونـبَّهَ الوُرْقَ نسيـمُ الفجـرِ * فغـرَّدتْ فوق الغـصونِ الخُضرِ
 تُغْـني عن العُـودِ وصَوتِ الزَمْرِ
 
فاٌبكُرْ إلى دجلـةَ والأقطاعِ * فإنَّهـا مِـن أحْمَدِ المساعي
 واٌعجبْ لِمَا فيها مِن الأنواعِ * مِن سائرِ الجليلِ والمراعي
 وضَجَّةِ الشِّيقِ وصَوتِ الحُضْرِ
 – – –
 
ومن الشعراء مَن كتب قصيدة من الرَّجَز بقوافٍ مختلِفة مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، مُجيزًا استعمال كِلا الضَّربَين مقابل العروض (مُسْتَـفْعِـلُنْ) مع الجوازات؛ لعلَّ قصيدة أبي فراس التي عثرتُ منها على 137 بيتًا في ديوانه خيرُ مِثال. منها التالي
 
أبو فراس الحمداني
 
ما العُمْرُ ما طالتْ بهِ الدهورُ * ألعُمْرُ ما تمَّ بهِ السُّرورُ 1
 أنعَتُ يومًا مرَّ لي بالشّامِ * ألذّ ما مَرَّ مِن الأيّامِ 5
 ثمَّ دعوتُ القومَ هذا بازي * فأيُّكُمْ يَنشَطُ للبرازِ 36
 صِحْتُ أهذا البازُ أمْ دَجاجَهْ * ليت جَناحَيهِ على دُرّاجهْ 56
 فلمْ أزلْ أمسَحُهُ حتّى اٌنبَسَطْ * وهَشَّ للصَّيدِ قليلًـا ونشَطْ 79
 وجِيءَ بالكأسِ وبالشَّرابِ * فقلتُ وَفِّرْها على أصحابي 112
 أشبَعَني اليومَ وروّاني الفرَحْ * فقد كـفاني بعضُ وسْطٍ وقدَحْ 113
 فلمْ نزل نقلي ونشوي ونصُبْ * حتّى طلـبْنا صاحِـيًا فلمْ نُصِبْ 135
 شُربًا كما عَنَّ من الزُّقاقِ * بغير ترتيبٍ وغيرِ ساقِ 136
 فلم نزلْ سبْعَ ليالٍ عدَدا * أسعَدَ مَن راحَ وأحظى مَن غدا 137
 – – – – –
 
مجزوء الرَّجَز
 
ثالثًا؛ العروض المجزوءة مُسْتَـفْعِـلُنْ أربع مرّات وضربها مثلها- مع الجوازات
 
بَشّار بن بُرْد (ت 168 هـ) يذكر نسَـبَه
 
هلْ مِن رسولٍ مُخْبِرٍ * عَـنِّيْ جَميعَ العَـرَبِ
 
هَلْمِنْرَسو- لِنْمُخْبِرٍنْ * عَـنِّيْجَمِيْ- عَـلْعَـرَبِي
 مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُسْتَـفْعِـلُنْ * مُسْتَـفْعِـلُنْ- مُفتعِـلُنْ
 
مَنْ كان حيًّا مِنْهُمُ * ومَن ثوى في التُّرُبِ
 
جَدِّي الَّذِي أسْمُو بِهِ * كِسْرَى وساسانُ أبي
 
وقيصَرٌ خالي إذا * عَددْتُ يومًا نَسَبي
 
ملاحَظة: لمْ يقمِ الشّاعر بتصريع البيت الأوَّل؛ مِثل هذا وارد كثيرًا في الشعر العربي
 
عباس بن الأحنف- شاعر الغزل العفيف في العصر العبّاسي
 
يا فـوزُ بالله هَـبي * ذنـبي لِيَ الـيوم هَـبي
 مُـنِّي عليَّ واٌرحَمي * يا بـأبي يـا بـأبي
 مُـنِّي على مَن شَـفَّهُ * حُـبُّكُـمُ واٌحتـسبي
 يا عَـسَلي يـا سُكَّري * يـا دُرَّتـي يـا ذهَـبي
 باللهِ يا سيِّدتي * لا تغضبي من غضبي
 صفا فؤادي لكُمُ * فاٌقتسِمي واٌنتهبي
 كيف يطيبُ العيشُ لي * مِن وارداتِ الكرَبِ… إلخ
 
غنت منها السيدة عفيفة اسكندر شحرورة العراق ابتداءً بـ (يا عَـسَلي يـا سُكَّري) الذي أصبح عنوانًا للأغـنية
 
التصريع في مجزوء الرَجَز
 
دُرَيْدُ بن الصِّمَّة- شاعر مخضرم وفارس بقيَ ثابتًا على النصرانيّة
 
كأنني رأسُ حَضَنْ * في يوم غيمٍ ودُجَنْ
 يا ليتني عهدُ زمَنْ * أنفضُ رأسي وذَقَنْ
 
حَضَن: اسمُ جبل في أَعالي نجْد. دُجَنْ- بتخفيف نون دُجَنّ: جمع الدُجْنة أي الظلمة. الذَّقَنُ والذِّقْنُ: مجتمع اللَّحْـيَيْن من أَسفلهما- معجم لسان العرب
 
يا ليتنـي فيها جَـذَعْ * أخُبُّ فيها وأضَعْ
 أقودُ وَطْـفَاءَ الزَّمَــعْ * كأنها شـاة صَدَعْ
 وردت النتفتان في «شعراء النصرانية» ق 5 ص 771 و 772
 – – –
 
شكرًا لوزارة التربية والتعليم العراقيّة على إدخال قطع قصائد تعليمية في مِنهاج الدراسة الإبتدائيّة؛ منها الذي ما يزال عالقًا في ذهني إلى اليوم
 
المهندس الصغير
 
لي قِطعٌ مِنْ خشبِ * ألهو بها في اللعِبِ
 أبني لكمْ دارًا بِها * حاويةً كلَّ البَها
 أصُفُّها فتنتظِمْ * ثمَّ جميعًا تنهدِمْ
 أنظرْ لِما أؤسِّسُ * إني أنا المُهَندِسُ
 فاٌعترفوا لي بالفِطَنْ * ما دُمتُ مِعمارًا إذنْ
 من الجوازات الشعريّة قصر الممدود البهاء= البَها
 
خروفي
 
عندي خروفٌ أبيضُ * أتبعُهُ فيركضُ
 لهُ قرونٌ تنطَحُ * قويّةٌ وتجْرَحُ
 أربطهُ بالحَبْلِ * في البيت أو في الحقلِ
 وأجلبُ الحشيشا * إليه كي يعيشا
 فواجبُ الإنسانِ * ألرِّفقُ بالحَيْوانِ
 حَـيْوان؛ جاز إسكان المتحرك (الياء) للضرورة وإلّـا لَـاٌلتبس الرَّجَز مع الكامل
 
السَّمَك
 
عنديْ لكُمْ حَزُّورهْ * خفيَّةٌ مستورهْ
 فما اٌسْـمُ شيءٍ يُؤكَلُ * ليس لديهِ أرجُلُ
 لهُ قشورٌ تلمعُ * مُدوَّراتٌ أجْمَعُ
 يعيشُ في الماء فقطْ * حُروفُهُ بلا نُقطْ
 – – – – –
 
مشطور الرجز؛ مُسْتَـفْعِـلُنْ ثلاث مرّات- مع الجوازات
 
شَطَرْتُهُ في «لسان العرب» جعلتهُ نِصْفين؛ كذا هي الحال في بحر الرَّجَز المشطور. فأغلبُ الظَّنِّ أنّ سبب تصنيفه يعود إلى قيام الشعراء بارتجاز أبيات قليلة العدد بطرقة ارتجالية لسهولته، ذلك في مناسبات المبارزة والمنافسة (المسمّاة اليوم بالمطاردة الشعريّة) وغيرهما. والإرتجال في الشعر: قوله بعفويّة، بدون تهيئة مسـبَّقة، ما اٌنسجم مع طبيعة الشعراء القدامى- من الجنسين- المجبولة ألسنتهم بالشعر؛ كانوا يرتجزون للمدح والرثاء والوصف والغـزل والهجاء. علمًا أنّ الإرتجال أصبح من الظواهر الفنيّة أيضًا؛ حدث في المسارح خلال التمثيل وفي دور الموسيقى خلال العزف
 
بَشّار بن بُرد
 
ما زالَ ما مَنَّيتَـني مِن هَـمِّي
 
والوعـدُ غَمٌّ فأزِحْ مِن غمِّي
 
إنْ لمْ تُرِد حَمْدي فراقِـبْ ذَمِّي
 
هي أرجوزة وردت {بتصرّف} في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (ت 356 هـ، 967 م) عن الأصمعي (ت216 هـ، 831 م في البصرة) راوية العرب وأحد أئمَّة العلم باللغة والشعر والبلدان، إذ طلب بشّار (الذي عاش ضريرًا منذ الولادة) إلى غلامه أن يكتبها على باب عُـقبة بن سلم (أمير البحرين والبصرة) عن يمين الباب، لأنّ وكيل عقبة تأخَّرَ ثلاثة أيّام عن دفع خمسين ألف درهم مكافأة لبشّار على مدح عقبة بقصيدة مُصَرَّعة من الرَّجز مطلعُها
 
يا طَلَلَ الحَيِّ بذات الصَّمْدِ * بالله خبِّرْ كيف كنتَ بَعْـدي
 أَوْحَشْتَ مِن دَعْـدٍ وتِرْب دَعْـدِ … سَقـيًا لأسماءَ اٌبنةِ الأشَدِّ
 قامَتْ تَراءَى إذ رأتْني وَحْدِي … كالشّمس تحتَ الزِّبْرِج المُنقدِّ… إلخ
 
تَراءَى= تَتَراءَى؛ حُذِفت التاء الأولى تخفيفًا، لئلّـا يختلّ الوزن. وفاعل تتراءى: ضمير مُستتِر تقديرُهُ هِيَ، يعود على أسماء
 فلمّا خرج عقبة رأى ذلك فقال: هذهِ من فعلات بشّار. ثم دعا وكيله إلى دفع عشرة آلاف درهم زيادة على المكافأة وأمَرَ الوكيل بحَمْلها إليه فورًا ففعـل
 – – – – –
 
منهوك الرَّجَز؛ مُسْتَـفْعِـلُنْ مرّتين- مع الجوازات
 
هو من أنواع الرَّجَز المُستحدَث خلال العصر الأندلسي، قلّما فكّر شاعر بالنظم على طرازه؛ لأنّ فيه تكلُّـفًا واضحًا واٌستخفافًا بدور الشعر في تغذية الفكر وتحقيق الهدف المنشود منه. يكفي مثالًـا ذِكرُ قطعة من القصيدة المُصَرَّعة التالية؛ قررت اختيارها لظنِّي أنّ صاحبها حاول عرض عضلاته الشعريّة فقررتُ مساعدته
 
ابن نُباتة المصري ت 768 ه‍ـ، 1366 م
 
أفدي قمَرْ * عقلي قمَرْ
 ثمَّ غـدَرْ * لمّا قـدَرْ
 فلا وَزَرْ * ولا مَفرْ
 يا مَن شهَـرْ * سيفَ الحَوَرْ
 على البَشَرْ * فما فترْ… إلخ
 – – –
 
مجزوءات أخرى للرَّجَز
 
إنّ مِن شعراء لبنان في القرن الماضي مَن بالغ في الإبداع فقام بتشطير مشطور الرّجَز، ناظمًا قصيدة عموديّة كلّ بيت فيها على الوزن: مُسْتَـفْعِـلُنْ فَعِلْ. وقام آخر عراقي في القرن الحالي بتشطير منهوكِهِ أيضًا، ناظمًا قصيدة عموديّة كلّ بيت فيها على الوزن: مُسْتَـفْعِـلـانْ. أمّا الأمثلة على ذلك الإبداع وغيره فليست مهمّة الآن
 – – – – –
 
الرَّجَز والشِّعْـر الحديث
 
لا يظُـنَّنَّ أحَدٌ أنّ روّاد الشعر الحديث- من الجنسين- أخفقوا يومًا في كتابة القصيدة العموديّة، إنّما العكس؛ أي أتقنوا نظمها قبل محاولاتهم في التحديث والتجديد. والأدلّة على هذا الكلام كثيرة، منها التالي الذي يستحقّ الذكر هنا وفي حلقات لاحقة
 
أنشودة المطر- بدر شاكر السّـياب
 
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعة السَّحَرْ
 أو شـرفتانِ راحَ ينآى عنهُما القمَرْ
 عيناكِ حين تـبْسِـمانِ تُورِقُ الكُرومْ… إلخ
 – – –
 
عنترة- نزار قباني
 
يوجد الآن على يوتيوب مقطع عنوانه: (القصيدة التي مُنِعَت للشاعر نزار قباني) مُسجَّلًـا بصوت الشاعر وإلقائِهِ المؤثِّر- سألت الله له وللسّـياب الرّحمة والمغفرة
 
هذي البلاد شقّة مفروشة
 يسكنها شخصٌ يُسمّى عنترة
 يَسكَرُ طولَ الليل عند بابها… إلخ
 – – –
 
صاحبي حسن- أحمد مطر
 شاعر عراقي مغترب من مواليد البصرة 1954 م- ويكيپـيديا
 
زار الرَّئيسُ المُؤتمَنْ
 بعضَ ولايات الوطنْ
 وحين زار حَيَّنا… إلخ
 – – – – –
 
أخيرًا؛ لولا أنّ المقالة أكاديمية لوضعت كلمة الحمار في عنوانها عوض الرَّجَز. فمَن يتأمّل في نصيب الحِمار منها، دون الحاجة إلى لجنة لتقصِّي الحقائق، يجد أن النسبة المئويّة عالية، ما يكفي فوز الحمار بعنوانها، مثلما اٌستحقّتْ سيرتُهُ صفحة مطوَّلة في ويكيپـيديا وفي غيرها، ما لم يحظ به غالبية الناس! لكنّ خيْرَ شعار لهذه المقالة في نظري هو صورة حمار مكتوب على ظهره: بَحْرُ الرَّجَز
 
¤ ¤ ¤
 
1. A real donkey is a candidate for Mayor of Bulgaria’s city of Varna in the Oct. 23 local & presidental elections 2011
 On September 7, 2011, Wednesday; By Sofia News Agency

2. BBC Arabic

 حزب الحمير في كردستان يدشن تمثالا لرمزه

3. الحضر: قرية تقع على بعد 80 كم جنوبيّ الموصل. أمّا المدينة التي بُنِيَت هناك في بداية القرن الثاني ق. م. فيُظَنّ أنّ أطلالها واقعة على بعد كيلومترين شمال غربيّ الحَضَر الحالية. تُعتبَر القرية مركز قضاء الحَضَر التابع محافظة نينوى ومعظم سُكّانها من العرب. عِلمًا أنِّي حَظِيتُ بزيارة موقعِها الأثري الشامخ، قُبيل اٌندلاع الحرب ضد إيران، مع أحد أصدقاء الصِّبا من غير المسيحيِّين. فتوجَّهْـنا معًا إلى رؤية بئر وقد تركني أسبقه إليها فوقفت قرب حافَّـتِها بحذر، لكنَّ إحساسًا ما جَعَـلني ألتفت بسرعة فرأيته على بعد خطوة من ورائي؛ تأمّلتُ في عينيه فوجدتهُما تلمعان فسألتُه بلا تردد: نويتَ دفعي؟ ردّ مبتسِمًا: إِيْ والله! ثمَّ ضحِـكَ “المحترم” والبئر عميقة ومخـيفة. فما وثِقتُ بعدئذٍ بأحد إلّـا داخل حدود ولا أمسَيتُ على موعد مع صديق إلّـا ما ندر
 
* * * * *

About رياض الحبَيب

رياض الحبيّب من مواليد العراق قبل الميلاد تخصص علمي حقوق الإنسان، المرأة، الطبقة العاملة اللغة العربيّة، أدب عالمي، ثيولوجيا أدب، موسيقى، شطرنج نقد الأفكار لا الأسماء، ضدّ الظلم والفقر أوّل مُعارض للمعلّقات العشر المزيد من السِّيرة في محور الأدب والفن- الحوار المتمدن
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.