تعليقات على سبع لقطات

 رياض الحبيّب

خاص: موقع المفكر الحر

نشر الأخ د. طلال عبدالله الخوري- مدير موقع المفكر الحر- مشكورًا مقالة لافتة تحت عنوان: لقطات- بقلم الأخت الكاتبة مرثا فرنسيس- تحياتي لهما وأطيب التمنيات. هي سبع لقطات حَرَّكت زورق ذاكرتي الصغير بمجاذيف الواحد منها أقوى من الآخر. حتى رسا على ضفة تعليقات متواضعة أدّت إلى ولادة مقالة جديدة. هنا اللقطات- بتصرف- مع التعليق تحت كل منها

 لقطات – بقلم مرثا فرنسيس

لقطة 1
امرأة تسير خلف زوجها وتحمل على ذراعها طفلًـا لا يتعدى عمره عامًا أو ربما أكثر قليلًـا وفي اليد الأخرى تحمل شنطة كبيرة بدت ثقيلة، فكانت تمشي خطوات وتقف لتسند الشنطة وتبدل حمل الطفل على ذراعها الآخر والشنطة باليد الأخرى وهكذا… أما الزوج المُبجَّل فكان يسير أمامها على مسافة أربعة امتار أو خمسة غير منتبه ولا مهتم بامرأته وأنفاسها لاهثة من التعب بينما يتصبب وجهها عرقًا ما أمكنها أن تجففه فهي تملك ذراعين فقط! نظر الرجل الشهم إلى الوراء وصرخ بأعلى صوت مُعنفًا زوجته: ما تمدّي شوية

تعليقي على اللَّقطة الأولى: سمعت في صباي عمّتي (راهبة دير سابقًا) حين قالت: لا تعتب على أحد، لا أحب العتاب. أمّا اليوم فوا عجبًا من شخص يعتب على حمار

لقطة 2
حدث خلاف بين مهندس مصري وبين زوجته التي يحبها من كل القلب، لعل أصعب ما في هذا الخلاف انه حدث أمام بعض الأصدقاء فوقعت الإساءة شديدة عليها والجرح عميق. ندم الزوج وفكر كيف يعتذر لها، هل يرسل إليها باقة ورد؟ أراد ان يبتكر طريقة جديدة تعبّر عن ندمه طالبًا الغفران من حبيبة قلبه عمّا سبب لها من إساءة، شارك بعض أصدقائه من ذوي موهبة العزف على الآلات الموسيقية، أتوا ووقفوا اسفل العمارة التي يقع فيها منزل الزوجية. فعلَّق الزوج لافتة كبيرة بخط عريض تستطيع زوجته رؤيتها إذا أطلَّت من الشرفة، كتب عليها: آسف سامحيني، مع بعض باقات الورد الرائعة. نظرت الزوجة من شرفة المنزل لتعرف ما سبب الضوضاء، لم تصدِّق ما رأت عيناها؛ موسيقى، وردًا، لافتة مكتوب عليها اعتذار لطيف باٌسمها. فبكت من التأثر وقبلت الإعتذار الجميل. فالإعتذار قوة وليس ضعفًا. وجميل ان نبتكر طرقًا جديدة للإعتذار بين الأزواج وبين الأصدقاء ايضًا. تُعتبر حالة فريدة في المجتمع المصري فأتمنى ألّـا تكون الأخيرة

على اللقطة الثانية: طالما سمعنا في الماضي أن الرجل- خصوصًا- يُنقص الإعتذار من هيبته إذا اعتذر. أمّا اليوم فقد رأيت من أعظم الرجال مُدرِّسًا اعتذر إلى تلاميذه على خطإ في الكتابة وقع به سهوًا. وشيخًا اعتذر إلى طفل إذ لم يُعر اهتمامًا لسؤال وجَّهَهُ الطفل إليه. وزوجًا اعتذر إلى زوجته لأنه نسِيَ يوم عيد ميلادها

لقطة 3
أمّ تمسك بيدها طفلتها التي تبدو في التاسعة من العمر- أو العاشرة على الأكثر. طفلة صغيرة منقَّبة، أخفى النقاب معالم طفولتها، تجرُّها الأم ذات الطول والعرض والإرتفاع بعنف؛ خطوات الأم واسعة بالقياس مع خطوات الصغيرة، فالأم تمشي والطفلة تجري وتتعثر بجلباب طويل، تمسك الأم بيدها كفَّ الفتاة الرقيقة بل تعصرها عصرًا. وفجأة وقعت الطفلة على الأرض فالتفتت اليها الأم صارخة: مش تاخدي بالك؟ وانهالت الأمّ بكفّها ضربًا على خد الصبية بقسوة وهمجية. تلفتت الفتاة، بعينين غارقتين في نهر من الدموع لتلمح بطرفيهما مَن الذي شاهد هذه الإهانة التي تعرضت لها بدون ذنب او سبب تستحق الطفلة من أجله هذه الإهانة

على اللقطة الثالثة: الإحساس بالكرامة مثل التعلّم، يبدأ من الطفولة

لقطة4
عائلة تقضي إجازتها على شاطئ البحر؛ جَدّ مُسِنّ وزوجته والأولاد، رغبة منهم في الإستمتاع بالهدوء والإستجمام، أمامهم مركب صغير يؤجِّره شابان لمن يريد التنزه في البحر. وفجأة قطع الهدوء صوتُ مُقرئ صادر من المركب (كاسيت) يتلو القرآن بأعلى صوت للسماعات على الشاطئ الهادئ، لم يتحمل الجد المسن هذا الصوت حتى استيقظ حفيده ذو العامين فزعًا، بعد أن كان مستغرقًا في نوم عميق على ذراع أمه. فقام بخطوات بطيئة ثقيلة يطلب إلى الشابين إخفاض الصوت قليلًـا فهو مُسن ومريض ولا يفترض في المكان الذي يأتي اليه الناس للإستجمام أن يكون بهذا الإزعاج. فبدا الرجل لهما كأنه تخطى الحدود والمسموح به فانهال عليه الشابان (الصائمان) بأنواع من السباب والشتائم؛ كيف يطلب هذا الطلب الحرام؟ وكادا أن يعتديا عليه بالضرب لولا تدخل آخرين شهدوا أن الشيخ المسن لم يخطئ وأن الصوت كان عاليًا بشكل مزعج ومستفِز. ثمّ رحل الرجل من المكان آسفًا نادمًا على المطالبة بحقه في الهدوء والراحة والإستجمام. لم تكن المشكلة في نوعيّة الصوت أكان لقرآن أم لغيره، حتى صوت الأغاني الصاخب يسبب الإزعاج لغالبية الناس، لكن المشكلة في مصادرة حريّات الاخرين وحقوقهم في الإستمتاع بطريقتهم- حدث ما تقدّم في شهر رمضان

على اللقطة الرابعة: الصلاة والصوم والإحسان… من الوسائل التي يتقرّب بها الإنسان إلى خالقه. وعلاقة الإنسان (دون سائر المخلوقات) بين العابد والمعبود خاصة. فإذا ما تجاوز متعبد حدوده ليزعج بطريقة تعبّده متعبدًا آخر، يُعتبر تعبّدُهُ مسيئًا إلى المعبود. فرَحِمَ الله شاعرًا قال البيت التالي وغفر له- من بحر المتقارب
إذا القومُ صاموا فعافوا الطعامَ * وقالوا المحالَ فقد أفطروا

لقطة 5
ما الذي يجول بخاطرك عندما تقرأ الإحصائيات التالية؟
 
* إذا كان لديك طعام في بيتك وملابس في الدولاب وتنام تحت سقف مخصص للنوم فأنت أفضل من 75% من سكان العالم

* إن لم تذق خطورة الحرب أو وحدة السجن أو عذاب المجاعة فأنت أفضل من 500 مليون شخص من أنحاء العالم تعرضوا لحالة واحدة ممّا تقدّم أو أزيد

* إن كنت قادرًا على الضغط على ماوس الكمبيوتر فأنت أفضل من 700 مليون معاق في العالم يحتاجون لمن يساعدهم في القيام بأبسط الأمور الشخصية

لم أندم قطّ على كل لحظة تذمر أو عدم رضا مرَّت بي في سنين عمري، التي مضت عند مواجهة أي ظرف مهما كانت صعوبته، قدر ندمي بعد قراءتي هذه الأرقام، لاكتفائي من قبل بدور المتفرجة، بل أصبح السؤال المُلِحّ داخلي ما هو دوري؟ هل يكفي أن أشكر الله وأشعر بالرضا لأني أفضل حالًـا منهم؟ هل يكفي حتى أن أصلِّي من أجلهم؟ كيف أكون إيجابية تجاه ما قرأت؟

على اللقطة الخامسة: لا قيمة لإنسان لا يفكر بأخيه الإنسان ولا يمدّ إليه يد المساعدة قدر المستطاع. والإنسان الذي لا يفكر ليس بإنسان. فهنيئًا للعالِم الفذّ أينشتاين على قوله: إثنان لا نهاية لهما؛ الكون وغباء الإنسان، لكني غير متأكد من محدوديّة الأوّل
Two things are infinite: the universe and human stupidity; and I’m not sure about the the universe

لقطة 6 – مِن اعترافات شمعة
* حياتي دقائق معدودة، لكنها حافلة بأحداث كثيرة فكل شعاع يحوي فضيلة
* تعلمت… إذا لم تذب حياتي من أجل الغير فلن أضئ أبدًا
* تعلمت… إذا أسلمت جسدي ليحترق بدون فتيل يضرم نار المحبة فلن أنتفع شيئًا
* أكاد أطير فرحًا كلّما اقترب عود الثقاب من فتيلي
* ما فائدتي وأنا في خبايا الدرج مُغلَّفة بغلاف أنيق، بينما الظلام يلفّ المكان من حولي؟
* لا تلُمِ الليل ففي إمكان الشمعة أن تضئ خلاله بقوة. ولولا الظلام ما ميّز أحد النور
* أنا الشمعة أحترق وبانتهاء حياتي يكتمل انتصاري

على اللقطة السادسة: ذكرّتني شمعة الأخت مرثا بمثل صيني فلسفي بتوقيع كونفوشيوس- إذا أسعفتني الذاكرة: أن توقد شمعة خير لك مِن أن تلعن الظلام

وذكرّتني بقول السيّد المسيح له المجد: {أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيُضيء لجميع الذين في البيت. فليضئْ نورُكم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجِّدوا أباكم الذي في السموات} – متّى 5: 14-16 من الموعظة على الجبل

لقطة 7
طفلة تسير مع أمِّها، تمسك بإحدى يديها وتمسك باليد الأخرى (سندويتش) تأكل منه اثناء هذه التمشية. لمحت الطفلة طفلًـا (من المُشرَّدين المتسولين) يقترب منها وينظر الى السندويتش كأنه لم ير مثله من قبل! نظرت إليه الطفلة نظرات تحمل معاني الإشمئزاز من مظهره من جهة والعطف والشفقة على طريقة نظره إلى ما في يدها وملامح الجوع التى تبدو عليه من جهة أخرى. فنظرت إلى أمِّها وبدت كأنها تريد أن تسألها: ماذا افعل؟ فهِمَتِ الأمّ ما يجول في رأس ابنتها وعقلها الصغير واقترحت على طفلتها أن تقسم السندويتش لهما معًا إمّا وافقت على الإقتراح، لتعلِّمها مشاركة المحتاجين بما لها أو معها وتعلِّمها أيضًا أن تختار فعل ذلك من تلقاء نفسها وليس بتأثير من غيرها، حتى لو كانت أمّها. فأعطت الطفلة لأمِّها السندويتش لتقسمه بينهما وفي عينيها البريئتين علامات من الفرح والرضا. أخذت الطفلة النصف المقسوم لها من يد أمِّها لكنها قدّمته للطفل الجائع بابتسامة عريضة صادقة. ثمّ واصلا السير

على اللقطة السابعة: النظرة هي اللغة التي تتكلّم بها العَـين. وما أدراك ما لغة العـين! فجميل أن يُشفق الإنسان على أخيه الإنسان. لكنّ الأجمل أن يذهب إلى أخ محتاج إلى مساعدة (أيًّا كان جنسه وعِـرقه ومعتقده) قبل أن يسأله أخوه، بدون أن يمنّ عليه بشيء يومًا ما. قال امرؤ القيس يوم اٌمتنّ عليه رجلٌ بمنّة- من بحر البسيط
أفسَدْتَ بالمَنِّ ما أوليتَ مِن نِعَمٍ * ليس الكريمُ إذا أسدى بمَنّانِ

الكاتبة: محبَّتي للجميع
المعلِّق: الربّ يسوع يبارك حياتك ويزيدك نعمة فوق نعمة ويجازيك علانية

About رياض الحبَيب

رياض الحبيّب من مواليد العراق قبل الميلاد تخصص علمي حقوق الإنسان، المرأة، الطبقة العاملة اللغة العربيّة، أدب عالمي، ثيولوجيا أدب، موسيقى، شطرنج نقد الأفكار لا الأسماء، ضدّ الظلم والفقر أوّل مُعارض للمعلّقات العشر المزيد من السِّيرة في محور الأدب والفن- الحوار المتمدن
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.