تعرية الأجساد .. باسم الحرية وتحت شعار جسدي ملكي

أنا أملك جسدي ,حركة من الحركات الجديدة بتشجيع وتمويل من قبل الأنظمة الرأسمالية الطبقية الأبوية التي تتفنن بتغيّر aminamybogyismineحركاتها وقوالبها بين فترة وأخرى للمتاجرة بأجساد النساء ولتوهم الشعوب المسحوقة وتسيطر على عقلها ,ولا غرابة لو قلنا بأنها قد تكون ممولة من قبل بعض التيارات الدينية التي تتاجر بالدين لتغييب العقول وخاصة المرأة لإلهائها بتوافه تلك الأفعال عن نضالها الحقيقي ولتحيد عن طريقها السوي في نيل حريتها لغرض إرجاعها لخطوات كلما تقدمت خطوة إلى الأمام بحجة العمل على تحريرها ,وهي بالحقيقة لا تمس حتى قشور حريتها .
صفقَ بعض النساء منبهرات بهذه الحركة تصوراً منهنّ بأن الشجاعة تكمن في تعرية الأجساد ,وتذمّر البعض الآخر من المتزمتات فحكمنّ حجابهنّ حول أعناقهنّ أكثر كردة فعل لإظهار إصرارهنّ ونفورهنّ من التعري ,وتذمر بعض الرجال وعكس بتذمره ردود فعله العكسية على نسائه بتضييق الخناق عليهنّ وزيادة استعبادهنّ خوفاً من امتثالهنّ لهذه الحركات ومن ثم يجلبنّ لهم الفضيحة .
هذه الحركات هي بالأصل صرخة جديدة ضد حرية المرأة الحقيقية في محاولة منها لإلغاء عقلها الذي تستطيع به أن تملك جسدها فعلاً لكنهم يحاولون تهميشه من خلال تجسيدها وإقناعها بأنها مجرد جسداً يمكنه أن يتحرر من خلال تعريته , يقابلها الحجاب لحركات أخرى بحجة الشرف والفضيلة , فصارت المرأة بالحركتين مجرد جسد قابل للتعرية حيناً ,وللتغطية حيناً آخر .
كون المرأة تتعرى لأجل ان تنال حريتها وتقفز فوق مفاهيم امتدت لقرون متجاوزة نظرة المجتمع المهينة لها والتي سلبتها حقوقها الأساسية وعملت على معاداتها وعدم مساواتها مع الرجل ,فكونها تتجاوز كل هذه الانتهاكات وتتعرى وتقول جسدي ملكي وبتعريته سأتحدي قيودي وأحصل على حريتي الحقيقية ,فهذا إثبات منها على أنها جسد فقط.

فأي جسد هذا الذي يبغون تعريته ولا تزال المرأة راضخة تحت حكم القوانين التي تنتهك إنسانيتها وكرامتها ,ولا تزال بعض البلدان ترجمها بالحجارة لحد الموت ,ولا يزال تزويج القاصرات قائم على أكمل وجه ,ولا يزال حقها معدوماً في اختيار شريك حياتها ,ولا تزال تُباع في سوق النخاسة بأبخس الأثمان ,ولا تزال حوادث انتحار النساء في تزايد مستمر , ولا يزال ينقصها الكثير .
أين موقع عقلها القادر فعلاً على أن يكسر جميع أنواع القيود ويعبر الحدود ويملك الأجساد من خلال منعه لجميع أنواع الانتهاكات التي تتعرض لها يومياً من اغتصاب ومتاجرة بجسدها وضربها وأهانتها ؟ وأين أهمية الوعي بحقوق المرأة الإنسانية التي لا تنقص عن الرجل بشيء ؟
وهل بالتعري سنثبت بأننا أحرار أمام العقل العربي المتحجر الذي لا يتقبل أن بتعرية الرأس ؟ أو هل سننتزع حقوقنا حقاً بمجرد القفز على مفاهيم المجتمع وركنها جانباً ؟
وهل استطاعت هذه الحركات ان تقنع الناس بأفكارها وتفرض قانوناً يحمي المرأة من الضرب والانتهاكات لكرامتها ؟ وهل جعلتها تتساوى في الإرث ومنعت تعدد الزوجات والكثير من الانتهاكات ؟
أم أنها زادت من تحجر العقول وجعلتها تتشبث أكثر بأفكارها كرد فعل لتلك الحركات؟.
كذلك مقولة “جسد المرأة ملكها وليس مصدر شرف لأحد”! فهي على حق تماماً فيما لو جردنا فكرنا من تاريخنا وحاضرنا , فالمرأة تتأثر بالمحيط وتؤثر عليه ولا يمكننا عزلها عنه .
فما أسهل تعرية الأجساد لو كانت طريقاً للحرية , جميعنا نستطيع له , ولكن قليلات من يمتلكنّ للوعي وللحكمة , فلو كانت التعرية الجسدية طريقاً مختصراً لما احتاجت المرأة لتطوير ذاتها وللدراسة والبحث , ولو كانت اختصاراً للطريق وفيه سحر يقلب عقول الناس ويجعلهم يقتنعون بإنسانيتها المتكاملة لتعرت جميع النساء التحرريات ,فما أسهله من فعل وبدون وعي ولا نضال ولا وجع قلب .
أرى إن هذه الحركات تشكل خطراً على المرأة وترجع تحررها خطوات للخلف كلما تقدمت خطوة للأمام, فالمرأة المناضلة حقاً لا تستخدم جسدها كوسيلة احتجاج بل تستخدم عقلها .
ومثل هؤلاء كمثل طريح الفراش ما بين الحياة والموت حيث ينخر المرض بجسده وهو يفكر في أن يعمل عملية تجميل لأحدى أعضائه.

********
كذلك هناك الكثيرون مِن من ينشدون الحرية ويرددون جملة “أنا حر ما لم أضر” , وهي مقولة صحيحة جدا ولا غبار عليها ولكن لو كانت تخص العقل والتفكير الحر دون الاهتمام بالجسد ,أما فيما لو كانت تخص الجسد فلا تصلح للحرية ففي حالة اتخاذنا الجسد كطريق للحرية في وسط لا يزال راضخاً لعاداته ولتقاليده ,ولا يزال يعاني الكثير من مشاكل الفقر والتخلف, ولو جردنا عقولنا من ماضينا وحاضرنا وما يحيط بنا من مفاهيم انتهجها محيطنا لقرون عديدة ,ومن ما ستترتب عليه حريتنا في المستقبل من ردود أفعال ستكون معكوسة بأهدافها فسيكون هناك ضرر أكيد .
أن ننشد الحرية علينا أن نكون واعين بها ومسئولين عنها أكثر من غيرنا كون الحرية اختيار يسبقه التفكير بعدة اختيارات,تتبعها مسؤوليتنا عن ردود الأفعال العكسية بتجاوزنا لجميع ما ذكر أعلاه خاصة ونحن نمارس تلك الحرية في وسط مكبوت ويعاني من الفصل بين الجنسين وعدم المساواة بين الجنسين ويعتبر المرأة مجرد مصدرا للفتنة ولغواية الرجل الذي هو من وجهة نظرهم لا حول ولا قوة له في هذا الأمر ,كما يعتقدون هم من تناقضات لا حصر لها ,بمفهومهم له على إنه مخلوقاً قوياً تارة ,وضعيفاً تارة أخرى ,يقدس جسد المرأة حيناً ,ويحتقره حيناً آخر, فلا نرتجي من مناشداتنا تلك سوى زيادة الطين بلل .
الإنسان حر تماماً بجسده ويحق له التصرف به كيفما يشاء في حالة ممارسته للحرية بين أوساط عقلانية وواعية بنظرتها للجسد ولتلك الحرية, لا أن يكون مكبوتاً ولاهثاً نحو تلك الأجساد, أما في حالة كونه يعيش في عزلة تامة كما هي مجتمعاتنا فلا يمكننا أن نجرد الفعل من تأثيره على المحيط كوننا نعيش وسط هذا المحيط الذي له تأثير علينا ,فلو رفعنا شعار” أنا حر ما لم أضر” في مثل هذه المجتمعات فسيكون الضرر من ناحيتين , علينا وعلى المحيطين بنا, كوننا نعيش وسط مفاهيم وضوابط مجبرين بالسير عليها لا القفز عليها .
نحن ننشد للحرية ليس قولا فقط ولكن رغبة بالتوغل للحرية الحقيقية ابتداءً من حرية العقل .
فلتعري المرأة قدراتها وإمكانياتها العقلية التي ستقودها إلى الحرية الحقيقية بنضالها وبتعرية التاريخ الذي قلب الوضع عليها رأساً على عقب وحط ّمن قيمتها بعد ان كانت هي الأصل ومنبع الحياة .
حريتها تكمن في تعرية أفكار مستعبديها وتعرية قدراتها وإمكانياتها بأفعالها وبنضالها الحقيقي فقط .
بتعرية الخطأ الكامن في أفكار مجتمعها قادرة على أن تتحرر من عبوديتها , أما أن تتخذ أسهل الطرق فهذا لا يمكن ان يأتي بنتيجة سوى أن تكون عكسية .
فالمشكلة ليست بتعرية الجسد أو تغطيته كما يحاول البعض إيهام المرأة ليجعلها مجرد جسد قابلا للتعرية حيناً وللتغطية حيناً آخر.

مواضيع ذات صلة:

جسدي ملكي، ليس شرف أحد: أمينة الناشطة النسائية التونسية

علياء المهدي: أي حدود على الحرية لم تعد حرية

علياء المهدي وصيغة جديدة الآذان

فؤادة العراقية (مفكر حر)؟

About فؤاده العراقيه

كاتبة عراقية ليبرالية
This entry was posted in ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.