الشرق الاوسط
مع اقتراب معركة دمشق الحاسمة، يبدو أن أطياف المعارضة السورية التي تواجه الرئيس بشار الأسد على اختلافها تشترك في صفة ألا وهي الجذور الإسلامية القوية ودعم دول جوار إسلامية لها. وضع الجيش السوري الحر تصورا غير نهائي لنظام المعارك يوضح مجموعات الثوار وتوجهها الفكري ومصادر تمويلها. وتم إطلاع وزارة الخارجية الأميركية على هذا التقرير خلال الأسبوع الماضي. يمثل هذا التقرير نافذة على حرب تتجه نحو نهاية دامية فوضوية إن لم تحدث معجزة دبلوماسية.
ويقودنا شكل المعارضة غير المنظم، ويهيمن عليها المسلمون، إلى عدة استنتاجات؛ الاستنتاج الأول هو محدودية نفوذ الولايات المتحدة حتى إذا زادت من مشاركتها السرية خلال الأشهر القليلة المقبلة. أما الثاني فهو أن الوضع بعد إسقاط الأسد ربما يتسم بالفوضى والخطورة بدرجة لا تقل عن الحرب الأهلية. وسوف تحاول المجموعات الثورية المسلمة السيطرة على ترسانة الأسلحة الضخمة بما فيها الأسلحة الكيماوية مما يشكل تهديدات ومخاطر جديدة. ورغم أن الثورة السورية أتمت عامها الثاني، لم تكون المعارضة قيادة موحدة لها حتى الآن. وحاول العميد سالم إدريس، قائد أركان الجيش السوري الحر، التنسيق بين المقاتلين، لكن ما زالت الثورة تتحرك من أسفل لأعلى، حيث تشكل البلدات والمحافظات كتائب تندمج معا في ائتلافات أكبر تتكون من عشرات الآلاف من المقاتلين، لكنها أبعد ما تكون عن انضباط أي جيش نظامي عادي.
ورغم افتقار الثوار إلى التنسيق فيما بينهم، أصبحوا قوة يعتد بها، حيث أحكموا السيطرة على أكثر مناطق حلب وشمال سوريا ويحكمون الخناق على دمشق، حيث سيطروا على الكثير من الطرق المؤدية للمدينة في شرقها وجنوبها بحسب مصادر من الثوار.
ويعتقد قادة الجيش السوري الحر أن معركة دمشق سوف تصل إلى ذروتها في غضون شهرين أو ثلاثة.
وسقطت قذائف الثوار على مواقع حيوية في وسط دمشق مثل فندق شيراتون وحي أبو رمانة الذي يقيم به الكثير من الدبلوماسيين. أما جهة الشرق، فيبدو أن الثوار يسيطرون على شرق غوطة التي تعد المدخل الشرقي للمدينة، ويطلقون النيران على مطار دمشق. أما باتجاه الغرب، فيقصفون حي المزة.
ترتيب المجموعات العسكرية المعارضة مربك بالنسبة للخارج، لكن مصادر من الثوار تقول إن هناك الكثير من الفصائل. وأكبر مجموعة ينضوي تحتها مجموعات أصغر هي «جبهة تحرير سوريا الإسلامية»، حيث تضم 37 ألف مقاتل ينتمون إلى أربع مجموعات أصغر تنتشر في أنحاء مختلفة من البلاد. ولا تنتمي هذه المجموعات، إلى تيار الإسلام المتشدد، لكنها أقرب إلى الائتلاف العسكري منها إلى الائتلاف السياسي بقيادة الشيخ معاذ الخطيب، الذي طالب بمقعد سوريا في جامعة الدول العربية خلال الأسبوع الماضي.
أما ثاني أكبر مجموعة فتميل للتطرف ويسيطر عليها السلفيون المتشددون وتحمل اسم «الجبهة الإسلامية لتحرير سوريا»، وتضم تحت لوائها 11 كتيبة من مختلف أنحاء البلاد طبقا لتقديرات مصادر الثوار، ويتم تمويل المجموعة من أثرياء خليجيين. ويبلغ عدد المقاتلين السلفيين المنضوين تحت راية هذه المجموعة 13 ألفا بحسب مصادر الثوار.
وهناك مجموعة ثورية أخرى تحمل اسم «أحفاد الرسول». وربما يبلغ عدد مقاتليها نحو 15 ألفا.
وتبقى أخطر مجموعة في هذا المزيج هي «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة في العراق. وتضخمت تلك المجموعة طبقا لأحد تقديرات الثوار بحيث أصبحت تضم نحو 6 آلاف مقاتل، لكن ربما تخشى هذه المجموعة استهدافها من قبل قوات مكافحة الإرهاب الغربية، لذا يقال: إنها تحاول عدم الظهور، وربما تكون منضوية تحت مظلة المجموعة السلفية.
ويقود إدريس والجيش السوري الحر نحو 50 ألف مقاتل آخر بحسب ما تخبرنا به مصادر الثوار.
ويبقى أقصى أمل فيما يتعلق بالسياسة الأميركية على أرض الواقع هو الضغط على المجموعة الأكبر ومقاتليها البالغ عددهم 37 ألفا ليعملوا تحت قيادة إدريس والجيش السوري الحر. ومن شأن هذا أن يعيد قدرا من النظام ويفتح الباب أمام إدريس للتفاوض على حكومة عسكرية انتقالية تضم أفرادا يمكن التصالح معهم من جيش الأسد.
ومن شأن تجميع القوات تحت قيادة العميد إدريس أن يعزز الاعتراف به وكذلك يدعم مصداقيته كما أوضح ناشط سوري ثوري مساء الثلاثاء. مع ذلك من دون ضغط سعودي قوي سيكون التنسيق أمرا بعيد المنال. وتقول مصادر الثوار هنا إن المعارضة وضعت خططا لتدريب الشرطة السورية وتطهير مرافق المياه وتعليم القوات كيفية التخلص من الأسلحة الكيماوية، لكنها تنتظر الموافقة. وتمثل هذه الخطط أفضل فرصة للتخفيف من وطــــأة الكارثة السورية؛ فما الذي تنتظره الولايات المتحدة؟
* خدمة «واشنطن بوست»