في المجتمعات العربية الإسلامية دائما ما نسمع الناس جميعا ودون استثناء وهم يتعوذون بالله من هذا الجيل أو من الجيل القادم, فيقولون:( أعوذ بالله من هذا الجيل اللي بعرف كلشي) أو (أعوذ بالله من هذا الجيل الطالع), إنهم يمسحون الأرض بكرامة هذا الجيل ولا ينظرون إلى تربية أبنائهم من البنات والأولاد أي الذكور والإناث تربية سليمة عقلانية بل على العكس يسعون إلى تربيتهم تربية إسلامية متخلفة ليس لها علاقة بحركات التمدن الحديثة, يعلمون الأبناء على الكره لهذا المجتمع المدني الحديث أو لنقل لذلك المجتمع المدني الذي نسعى بكل جد إلى إيصالهم إليه, إنهم ينظرون للحداثة على أساس أنها عهر ونفاق ولحرية المرأة دعارة وللتقدم الحضاري شرك وكفر بالله, وهم يعلمون أبناءهم على احتقار كبار العلماء في العالم ويدعون إلى استبدال نظريات علم النفس الحديث بكتاب تفسير الأحلام ويسعون إلى استبدال واحتقار آينشتين برجال يحفظون عشرين حديثا نبويا, وأنا شخصيا كم كنت وأنا صغير وما زلت أسمع الناس وهم يقولون لي:من هذا الكافر الذي تقرئ له؟قل لنا من هو:(آرنولد توينبي)؟ من هو هذا السفيه!!!, إنه لا يساوي شراك نعل رسول الله أو عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب, والقائمة تطول ولا حصر لها.
وينظرون إلى نبوغ البنات والأولاد نظرة مخيبة للآمال ويعتقدون بأن الذكاء جنون حاد وبأن المواهب تجلب المتاعب,ويخافون من الأجهزة الأمنية بشكل مروع جدا ويخافون على أبنائهم إذا سمعوا بأنهم يتحدثون بالسياسة, هنا في بلادنا الرعب ينتشر في كل مكان , ويتوعدون أنفسهم بعدم القدرة في الرد عليهم أو بعدم القدرة على إقناعهم في الوقت الحاضر أو في المستقبل بأن التربية القديمة أفضل لهم من التربية الحديثة, وينظرون إلى جهاز التلفزيون على أساس أنه مدمر للشخصية وينظرون إلى جهاز الراديو على أنه أيضا مدمر للشخصية ويتعاملون مع الإنترنت بكثيرٍ من الخوف والقلق, وتسعى كل الناس إلى اتخاذ التدابير اللازمة من أجل حماية أولادهم من الثقافة المعاصرة وخصوصا حرصهم الشديد على حجب البنات عن الإنترنت ومنعهن من الاختلاط بالرجال ويفرضون على إيميلاتهم رقابة صارمة , ويفرضون عليهن في المنزل أيضا رقابة صارمة أخرى وخصوصا أنهم يدققون النظر على الملابس ويراقبون الملابس مراقبة فيها الكثير من خدش الحياء العام وينظرون بكثير من الخوف إلى شبكات التواصل الاجتماعي ويتهمونها بأنها المسئول الأول عن إفساد البنات والأولاد من كلا الجنسين.
إنهم ينظرون إلى الحياة المعاصرة على أساس أنها قنبلة خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع, ويعتزون فوق كل ذلك بمظاهر التخلف ويقولون بكل فخر واعتزاز:إذا كان تمسكنا بديننا الإسلامي تخلفٌ فنحن متخلفون, وإذا كان دفاعنا عن المسجد الأقصى إرهاب فنحنُ إرهابيون,ولا يستحون من مثل هذه الكلمات التي تضعهم في الحضيض أمام المجتمعات المتحضرة والمتقدمة, ويزرعون الشك في عيون أبنائهم والخوف في قلوبهم, ولا يحبون حتى المزج بين الثقافتين الغربية والشرقية ويعتقدون بأن العالم كله على خطأ وهم وحدهم من يمشي على الصراط المستقيم, وأكثر شيء يريبهم هو انتشار الثقافة الجنسية فهذه الثقافة يخاف منها الآباء بشكل كبير جدا ويجعلونها المفسد الأول للأخلاق ويتهمون شبكة الإنترنت بنشر الدعارة وكل ناشر لثقافة الجنس يعتبرونه شيطانا أو ملحدا أو كافرا أو شيوعيا, أو مختلا عقليا, أو شاذا جنسيا ويحمون ويحصنون بناتهم ضد ثقافة التغيير, ويربونهم منذ الصغر على حفظ القرآن والأحاديث النبوية وهذا أنا لا أعترض عليه ولكنهم يختارون لهم الآيات التي تحرضهم على كُره الآخرين , ويدعون بأن في الدين الإسلامي كل النظريات العلمية الحديثة ولا يساهمون بنشر الكُتب ولا بنشر الصحف ولا يساعدون أبنائهم على الإبداع ولا يخلقون لهم أجواء مريحة لكي يبتكروا ويبدعوا بل على العكس يعكرون صفو أذهانهم ويخربون عليهم, ويقولون لهم بأن هذه العلوم الأدبية والفلسفية علوم لا تنفع خصوصا يوم القيامة, والعلم الذي ينفعهم يوم القيامة هو فقط حفظ آيات من القرآن وحفظ الأحاديث النبوية ويعتبرون هذه العلوم فوق كل المستويات العلمية, ويقولون: (اللهم إنّا نعوذ بك من كل علمٍ لا ينفع) ولست أدري كيف هو شكل العلم الذي لا ينفع صاحبه, إنهم بالتأكيد يقصدون العلوم الإنسانية وقراءة التاريخ قراءة علمية, وكذلك يقصدون الفلسفة والمدارس الفلسفية بكل توجهاتها.
إن الآباء يتعوذون بالله من هذا الجيل الصاعد علما أن هذا الجيل هو مستقبلنا والإنترنت هو المستقبل النير الذي ينتظر أبنائنا, على أن ثقافة الغرب تختلف عن ثقافة الشرق وآباء الغرب يختلفون عن آباء الشرق, فهم يرون النور الحقيقي يتجلى في إبداعات الشباب الفردية والجماعية ويزيدون من الثقافة الجنسية للأبناء ويحثونهم على تقبل الثقافة الجنسية ويعرفونهم عليها أكثر من أي وقت مضى, في حين نحن نهمل هذا الجانب من التربية ويرى الآباء عندنا ضرورة أن يجهل الأبناء الثقافة الجنسية والثقافة السياسية ويسعون إلى التعتيم الإعلامي على نشر ثقافة حقوق الإنسان وحق المواطن في الممارسة السياسية والثقافية والتعبير عن نفسه وممارسة حقه في إنشاء الجمعيات والمؤسسات الثقافية والانتساب إلى الأحزاب السياسية.