تداووا بالمحبة
جهاد علاونة
كيف ستدير يا عزيزي القارئ المخاطر التي تحيط بك من كل جانب؟وكيف ستدير مجتمعا فيه أكثر من 1000مادة قانونية تخص الأحوال الشخصية؟كيف لك ذلك إذا كنتَ تعيش في مجتمع كله أنظمة وقوانين ولا أحد مع ذلك يأبه بقانون العقوبات لتجريم المجرم وللأخذ بيد المظلوم ليس لأن يصبح مجرما ولكن لدرئ الخطر عنه… كيف ستتصور نفسك في هذا المجتمع وما هي الطريقة المُثلى لقيادة المجتمعات ولضبط المخالفين وتحويلهم من أشرار إلى أخيار!! إنها المحبة,فكما تداوى بالأعشاب الأمراض كما أنه بالمحبة تُداوى الأرواح والأنفس المريضة والمظلومة.
وهكذا جاءنا يسوع بالعدالة الشاملة وبتحقيق السعادة الشاملة للناس من خلال توسيع مفهوم المحبة,ومن الملاحظ على الشريعة الإنجيلية سواء أكانت كاثوليك أو أبروتستانت أو أورثذكس أنه لا يوجد فيها كثيرا من أمور التشريعات التي تحدد للناس تنظيم أمورهم المالية والاقتصادية,لقد أهمل الرب هذه الشريعة واستبدلها بشريعة الحب والمحبة,وعلى رأي يسوع(ما جئت لأنقض الناموس وإنما لأتممه) أي أنه لم يأت لوضع قوانين جديدة لأنه راضٍ عن تلك القوانين وإذا كان هنالك قوانين أخرى ستسود المجتمع فإنها المحبة لوحدها التي ستسود وبالحب وحده تتحقق الأمنيات ويسود العدل بين الناس, الناموس الذي سيتممه يسوع إن هو إلا المحبة, فالحب والمحبة يحققان لنا جميعنا مبدأ المساواة والعدالة الشاملة للإنسانية أجمعها ,ولم أرَ في حياتي إنسانا يتحدث عن الحب وعقيدة المحبة إلا ورأيت عليه أفعالا يقوم بها لوحده دون أن يكون هنالك دافع آخر له غير المحبة نفسها ودون أن يكون مؤمنا بعذاب النار وبالجنة التي سيسكنها آخر العمر كما يسكن في بيته آخر النهار أي أن الإنسان المحب يعمل الخير دون أن يكون وراءه أي تهديد أو أي إغراء من المغريات عدى أن تكون المحبة هي التي تغريه بعمل الخير,إن المحبة وحدها تجبرنا على تحقيق العدالة فلا المدفع ولا الصاروخ ولا السجون تجبرنا على إعطاء الناس حقوقها إلا إذا وقعت المحبة في نفوسنا لهؤلاء الناس, وبعض الناس لا يجبرهم القانون المدني أو الإلهي على مساعدتنا ولكننا نجدهم يمدون لنا يد العون من قارة أخرى يبعدون بها عنها آلاف الأميال والكيلومترات وكل هذا لأنهم يحبوننا,أما أولئك الذين يسكنون معنا في نفس البيئة أو الحارة نجد أن قانون ألله يجبرهم على مساعدتنا بنصوص دينية مثبتة وصحيحة غير أنهم يتحدون تلك النصوص القرآنية ويضربون بها عرض الحائط ويتهربون بذلك من مساعدتنا وكل هذا بسبب عدم تعميق ثقافة المحبة في نفوسهم غير ثقافة القتل والذبح والسلخ والوعيد ومضايقتنا ومقاتلتنا لإجبارنا بقوة السيف وبقوة البندقية على تمثيل الدور الذي يريدونه لنا على أرض الواقع,ولو تعمقتْ لدى هؤلاء الناس ثقافة المحبة لَما احتاجوا إلى مليون مئذنة مرتفعة في أغلب العواصم العربية ولَما احتاجوا إلى 100 محطة فضائية تحث الناس على فعل الخير ولَما احتاجوا إلى انفاق الملايين والمليارات على بناء المساجد في الوقت الذي لا تؤثر فيه المساجد على سلوكيات الناس بل على العكس الفساد يزداد يوما بعد يوم والعدالة غائبة وكل ذلك بسبب غياب كلمة المحبة من كُتب المدارس ورياض الأطفال وبسبب غياب هذه الكلمة من على ألسنة الناس التي لا تحسن غير القسم واليمين الكاذب من أجل تمرير بعض القرارات الصعبة في حياتهم , مئات من المئاذن مرتفعة بالأعالي ومئات من قُبب المساجد لكن بدون جدوى على رأي المثل القائل (تيتي تيتي مثل ما رُحتي مثل ما جيتي) ولو أنهم آمنوا بالمحبة لأحبونا ولساعدونا ولكنهم للأسف لا يؤمنون إلا بإله الغضب والحرب والقتل والانتقام وتغليظ العقوبات لتصل إلى بتر الأعضاء,ولقد صدق اليهود حين سألوا محمدا:من يأتيك من الملائكة بالوحي؟ قال:جبريل,قالوا:اممم هذا ينزل فقط بالحرب وبالدمار ولو قلت ملكا غيره لآمنا بك,وهذا تفسير للآية القرآنية القائلة(..قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ98البقرة.
,فالمحبة تجبر الإنسان على ارتكاب الخير وعمل المعروف ورميه في البحر الأبيض المتوسط, فإذا لجأنا إلى الحب والمحبة في ديننا الإسلامي نجد أن الحب والمحبة ومشتقاتهما من مترادفات لغوية وغيرها تأتي في المرتبة الأخيرة في حياة كل مسلم,فالزواج مثلا يبدأ بالمهور من مُعجل ومُتأخر ومن ذهب وأثاث وآخر شيء يأت الحب في الدرك الأسفل من سُلم العلاقات الزوجية والعاطفية.
والمحبة يجب أن تكون أولا ويجب أن نحمل جميعنا شعار الحب أولا أو المحبة أولا والقانون وتحقيق العدالة لا يمكن أن يتحقق هذا المطلب الذي نقول عنه بأنه قانون إلهي أو بشري إلا إذا حققنا مفهوم الحُب والمحبة أولا فحين يقع الحب -كما كانت تقول جدتي رحمها الله-يبطل التكلف,والناس يقولونه هكذا(إذا وقع الحُب بَطُلَ التكلف) أي تبطل كل السنن والفرائض والقوانين لتحقيق مبدأ العدالة الشاملة والمساواة الشاملة بين أبناء البشر من الجنس الواحد.
ومع أننا جميعنا مؤمنون بمبدأ الحب غير أننا نخالف عقائدنا وفطرتنا فنلجأ إلى القوانين وإلى التخمين وإلى أعمال العنف والضرب بيد من حديد وإلى إشعال الحرب ونار الفتنة,ومن ثم نرغب جدا في تخمين أشياء أخرى تتحقق فيها العدالة والمساواة منها جمع المال من أجل إدخال السعادة إلى نفوسنا ولو سألنا أصحاب المال والأعمال لوجدناهم مخالفين لنا فيما نذهب إليه من تخمينات بحيث أن ما جمعوه من أموال لم يحقق لهم السعادة ولم يحقق لهم مفهوم العدالة,فالمال في أغلبه فتنة وتعب وإرهاق شديدين ولا يحقق لنا السعادة وجمع المال في أغلبه يكون مضيعة للوقت وقد يسأل الرجل أو الإنسان الناسَ أن يعطوه من مال الله أو الرب وهو معه منه الكثير ذلك أن المال يعلم الناس على الطمع ولا يعلمهم على المحبة,وهنا لا المال نافع ولا الطرق الأخرى نافعة من أجل إحقاق الحق وتحقيق مفهوم العدالة الشاملة.
إننا في طريقنا لتنظيم الكون آخر ما نلجأ إليه هو القانون ومن بعد ذلك المحبة,فحتى نحقق العدالة نلجأ أولا لجوءاً خاطئاً إلى توقيع أقصى أنواع العقوبات بحق المخالفين للأعراف السائدة ومعايير المجتمع الذي نعيش به ,ونحن بالتالي نرتكب جريمة أخرى لا تقل إجراما عن جريمة المجرم نفسه وأحيانا نرتكب عقوبة كبيرة قد لا يستحقها المجرم حيث تكون أكبر بكثيرٍ من حجم المشكلة نفسها أو تكون كبيرة بحق المجرم ولا تتطابق مبدئيا مع قدرات المجرم ,نحن البشر نرتكب الإجرام أكثر بحق المخالفين للنواميس الطبيعية والسماوية.
إن الأشياء التي نفكر فيها في نهاية المطاف من أجل إحقاق الحق تأت بالمرتبة الأخيرة في حين من الواجب أن تأت المحبة بالمرتبة الأولى.