تجويع المثقفين

jihadalawnaخلاصة القول أن 100 كاتب وشاعر مثلي لا يستطيعوا إطعام رجل واحد وخلفية امرأة تطعم محافظة بأكملها.

حصل معي هذا في الحقيقة وفي الواقع سنة 1996, حيث دخلنا عشرة شعراء وأدباء إلى مطعم (طلفاح) في محافظة إربد شارع إيدون, بعد أن أكلنا عشرة صحون حمص وفول وفلافل حاولنا أن نجمع من جيوبنا ثمن ما أكلناه فلم نستطع أن نجمع إلا ثمن صحن فول واحد والذي شفع لنا عند صاحب المطعم أن أحد الشعراء الذين كانوا معنا اتصل بإبيه وكان أبوه يعرف صاحب المطعم وتكفل هو بالدفع نيابة عنا ويومها لولا ذلك الشاب لأحضر لنا صاحب المطعم الشرطة..,

أنا شخصيا عندي القدرة على تشكيل حكومة أردنية برئاستي, وعندي القدرة على تشكيل حزب سياسي ببرامج جديدة, وعندي القدرة على أن أكون نائب وطن في مجلس النواب الأردني, ولكن للأسف أنا وأمثالي من هؤلاء الرجال مشغولون بالبحث عن لقمة خبز وشفرة حلاقة, يعني المثقفين في الدول العربية مش إملاقيين لقمة الخبز, واللي ما عندهمش القدرة على كتابة بيان حزبي أو سياسي أو منشور ممنوع من الصرف بالعملة المحلية كل هؤلاء لديهم القدرة على إطعام شعب بأكمله ولكنهم لا ينتبهون إلى مشاكل الفقر والجوع والبطالة والأزمة الثقافية وأزماتنا السياسية والثقافية, الحكومات العربية بل وأنظمة الحكم العربية كلها تستهدف قطاعات المثقفين والمبدعين وتعمل على تجويعهم لكي يبقوا مشغولين بلقمة الخبز بينما ترفع الجهلة والحثالة من الناس, تجمع الحكومات العربية حثالات الشعوب العربية وتجعل منهم أصحاب رؤوس أموال وتترك لهم إدارة المجتمع من خلال إفساد المجتمع كله لكي يمرحوا هم ويلعبوا ويعيثون في الأرض فسادا بينما المثقفون والمتنورون لا تثق الناس بهم ولا يستطيعوا مطلقا, إنه لمن سوء حظنا أن كل من له القدرة على إدارة الدولة مشغول بالبحث عن لقمة الخبز, الجوع يطارد الأذكياء والعباقرة, والجهلة يلعبون بالمصاري لعب ويتحكمون باقتصاد السوق العالمي والمحلي.

حتى النساء اللواتي لهن القدرة على خوض الانتخابات وحمل حقائب وزارية نجدهن مشغولات إما بجلي الصحون أو بقص الشعر وتلميع الأظافر أو أنهن مشغولات بالطبخ وبالنفخ, أي أنهن متورطات بعش الزوجية اقصد سجن أو زنزانة الزوجية, معظمنا كمثقفين مشغولون حتى سن الأربعين بالبحث عن وظيفة وبعد الأربعين مشغولون بجمع مهر العروس وبعد ذلك بالإنجاب وبالمحاولات اليائسة والفاشلة والمتكررة بالبحث عن لقمة خبز أو علبة حليب للأطفال وبمحاولة أخرى مريرة جدا بالبحث عن ثمن باكيت من السجائر من أردى وأتفه الأنواع.
هنالك مؤامرة على المجتمعات العربية تهدف إلى وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب فالذي لديه القدرة على قيادة الموسيقى نجده يعمل حلاق رجالي أو خياط رجالي ولاعب كرة القدم الماهر مشغول بسوق الخضرة بجر العربة ونقل القمامات وتوصيل الزبائن هم وأكياس الخضرة إلى الشارع المقابل أو إلى الحارة المجاورة, والذي يتحدى ويحاول أن يستلم دفة القيادة نجد الحكومات العربية تعمل على توريطه بقضايا فساد مالي أو عجز مالي حتى يدخل في النهاية إلى السجن ويجلس يندب حظه بدل أن يجلس تحت قبة البرلمان يدير الشارع السياسي, محاولة دنيئة وحقيرة من أجل إفساد مجتمع بأكمله, إنه لمن سوء حظنا ومن حسن حظ المفسدين.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.