اسعد عبدالله عبدعلي
– تجاعيد
حمل حقيبته وهم بالخروج ونظر الى الساعة الجدارية العتيقة في شقته, وكانت تشير الى الساعة السابعة والربع صباحاً، خرج قاصداً عمله، ما ان فتح باب العمارة صادفته فتاة تدنو من العشرين، ذات قوام مبهر، وجمالها يسحر العقول، وعيونها تلونت بلون حجابها الأزرق الذي غطّى جزءاً من رأسها، نظرة اليه بعمق وتبسمت ثم قالت له: “صباح الخير”، ردَّ بابتسامة المرحب المنبهر: “صباح النور”.
سألته: “هل توجد شقة هنا لسكن الطالبات”؟! كان سؤالا غريبا وغير متوقع وعند بداية الصباح ومن كائن فاتن جدا, …بقي صامتا للحظة ينظر للجمال, ثم قال: لا…لا توجد… انزعجت جدا من إجابته, وقالت له بصوت جاف وبارد: “شكرا جدو”.. لمح في عبارتها الاخيرة تجاعيد وشيب وخيبة امل.. وكان يتمتم مع نفسه: “لكن لماذا انزعجت الفتاة من اجابتي؟ وهل يعقل انها تبحث عن شقة للسكن عند السابعة والربع صباحا”.
– بيت للإيجار
قرر ان يجرب العيش بعيدا عن العاصفة التي هو فيها, حيث بيت العائلة المكتظ بعدد كبير, مما جعل العيش جحيما, كان مرهق جدا من كل ما يحدث, خرج يبحث عن بيت للايجار وقرر ان يسكن في شارع فلسطين, لقربه عن مكان عمله, لكن صدمته اسعار الايجارات, فهي لا تقل عن ثمانمائة الف دينار, اما راتبه فهو فقط ثمانمائة وعشرون الف دينار! بقي لشهر يتجول من منطقة الى اخرى والاسعار تمثل حريق شديد لا يتحمله! إن البحث عن بيت للايجار هو كالصداع يهشم رأسه ويخنقه.
الى تدحرج في تجواله الى منطقة في اطراف بغداد تسمى السعادة, اسم غريب فهو ليس تاريخي ولا ديني! بل ان المنطقة لا يوحي شكلها باي مؤشر للسعادة, فالشوارع ترابية ليس فيها إلا الكلاب السائبة, والكهرباء مقطوعة, والايجار فقط مئتين الف لبيت صغير, عندها قرر ترك فكرة الايجار وعاد لبيت العائلة واندمج في عاصفة العيش, فما يأكل تفكيرك الليلة سيغدو بعد عام من الآن شيئًا عاديًا قد لا تتذكره حتى.. لقد كان يحاول الهرب من الضجيج إلى العدم، والعدم يفزعك، لا هدوء في الهدوء كما تظن.
الغريب ان كل البلدان المحيطة بنا اسعار الايجارات أقل بكثير منا, لا اعلم من السبب في جعل السكن جحيما في العراق.
– الزوراء بعثية
احتدم الجدال بين الاصدقاء حول اندية البطولة المحلية, فصاح احد الجهال (سوء تصرفه فضح جهله): “الزوراء بعثية, والذي يتعاطف معهم بعثي مثلهم”!, وايده جماعة يشابهوه بنمط التفكير, وقال شاب يبدو في السابعة عشر من العمر ( يعني أنه ولد بعد زوال حكم البعث): ” نعم كان صدام زورائي حد النخاع ولا يسمح لأحد بالفوز على الزوراء”! ..هكذا ترسل التهم من دون دليل… وكان بينهم شخص يحاول الكلام وان يرد, لكن لا يسمحون له بزعيقهم وصياحهم.
كنت مترددا في التدخل, لكن ان أغلقت فمي عندها سابقى متحسرا, فان أسوأ من كونك تعيش ساكت ان تعيش متحمّل.
فاقتربت منهم والقيت التحية عليهم ثم قلت لهم: “يا احبتي في زمن البعث اي مسؤول محلي يجب ان يكون بعثي, ولذلك كانت جميع الأندية المحلية بقيادات بعثية, ولا يوجد نادي يمثل المعارضة في ذلك الوقت, (ضحكوا جميعا), … اما صدام فكان منشغلا بالحروب ولم يعرف عنه تشجيعه لاي نادي محلي, وان من يقول الزوراء بعثية فقط يريد ان يسقط! مع ان الداء به ايضا, ومعيب يا احبتي اتهام الجمهور بهكذا تهمة, ان الناس تعشق الكرة ولا تمثل خط سياسي, فاتركوا هذا الجنون وكونوا عقلاء وأصحاب خلق في تشجيعكم”.