“تايتانك” نتنياهو في بحر هائج
* انتصار نتنياهو كان شر من هزيمة * نجاحه كان “باغتصاب” أصوات شركائه في اليمين الإسرائيلي* حكومة نتنياهو ستكون من أسوأ الحكومات والأكثر ضررا* هل ينقذ هيرتسوغ تايتانك نتنياهو من الغرق*
نبيل عودة
كتب احد الصحفيين الإسرائيليين بعد الانتصار الكبير لبيبي نتنياهو في الانتخابات الأخيرة ان “انتصار نتنياهو هو بداية لنهاية حقبته”. الجملة بدت لي وللكثيرين بعيدة عن الواقع.
اليوم يتبين ان انتصار نتنياهو ، كان شر من هزيمة ، له ولحزبه وللمجتمع الإسرائيلي كله الذي دعمه ودعم نهجه التحريضي المنفلت ضد اليسار الصهيوني، (الذي لا يختلف بالتطبيق كثيرا عن اليمين الصهيوني) وضد المواطنين العرب الذين كما صرخ نتنياهو مرعوبا يوم الانتخابات ومثيرا رعب اليمين بأن العرب “يتدفقون بآلافهم على صناديق الاقتراع”.. فأحدث تحولا في التصويت.
اجل حقق فوزا انتخابيا، لكن ليس فوزا سياسيا.
لا احد يملك جوابا عن دافع نتنياهو لتقديم الانتخابات. كانت حكومته تتمتع بدعم برلماني واسع جدا، حكومة يتحكم فيها الاتجاه المدني على المستوى الاجتماعي وليس السياسي الذي واجه فشلا متواصلا في الساحة الدولية حتى مع الحليف الأهم لدولة إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية.
نهج الصدام مع حليف إسرائيل والمجتمع الدولي سيتعمق أكثر مع تركيبة حكومته الجديدة… فجأة فصل شركاؤه وقرر الذهاب لانتخابات مبكرة. لا احد يملك الجواب لتفسير هذه الخطوة السياسية التي توصف اليوم بأنها في منتهى الغباء السياسي. انتصاره لم يقد إلى تعزيز مكانته السياسية بل إلى نسف القاعدة السياسية الواسعة التي كان يتمتع بها بعدد نواب اقل لحزبه.
انتصار نتنياهو الانتخابي لم يكن سياسيا، أي لم ينجز تحولا في مضاعفة قوة اليمين الصهيوني مقابل اليسار الصهيوني. طبعا نحن نستعمل معيار يمين ويسار بمنتهى الحذر. اليسار الصهيوني في التطبيق لا يختلف كثيرا عن اليمين الصهيوني إلا في بعض القضايا التي لا اقلل من أهميتها، وعلى رأسها الحفاظ على استقلالية القضاء الإسرائيلي، إتباع نهج سياسي غير صدامي مع الإدارة الأمريكية، اتزان سياسي في التعامل مع أوروبا والغرب عامة، لكني لا أرى انه قادر على انجاز أي تقدم في المجال السياسي لحل جذري لقضية الصراع الفلسطيني إسرائيلي، ربما يكون اليسار أكثر انفتاحا في التعامل، لكن في التطبيق لا أرى عودة لطريق رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين.
انتصار نتنياهو كان نجاحه “باغتصاب” أصوات شركائه في اليمين الإسرائيلي، حساب كل أصوات اليمين بشكل مشترك يثبت ان اليمن لم يحرز أي تقدم انتخابي. شركاء الليكود من اليمين خسروا لصالح الليكود. من هنا ما قاله الصحفي ان “انتصار نتنياهو بداية لنهاية حقبته” تبدو اليوم أكثر وضوحا وقوة …
هناك شبه إجماع من المراقبين والمحللين السياسيين ان هذه الحكومة لن تدوم أكثر من سنه والبعض يقول بضعة أشهر، حتى عضو الكنيست الدرزي من الليكود أيوب القرا يملك قوة إسقاط حكومة نتنياهو إذا لم يحصل على منصب وزير!! وقد تكون تهديدات من أوساط أخرى بإسقاط الحكومة إذا لم يحصلوا على مناصب وزارية أو نواب وزراء بأسوأ الأحوال، لذا يريد نتنياهو توسيع عدد أعضاء حكومته وعدد نواب الوزراء، أي صرف مليارات كثيرة ليضمن بقاء حكومته لسنة أو أكثر قليلا، أو اقل كثيرا كما يتوقع المحللين الإسرائيليين. بل والبعض يصف الوضع السياسي ببيع نهاية الموسم!!
الصحافة الإسرائيلية بشبه إجماع (ما عدا صحيفة الحكومة غير الرسمية “يسرائيل هيوم) ان الحكومة التي سيعرضها نتنياهو على الكنيست الإسرائيلي ستكون من أسوأ الحكومات والأكثر ضررا التي أقيمت في إسرائيل. حكومة تتميز برأس سلم اهتمام وزرائها تعميق الاحتلال الإسرائيلي، توسيع المستوطنات، إضعاف النظام الديمقراطي بإضعاف القضاء الذي يعتبر المعقل الأخير للدفاع عما تبقى من ديمقراطية وحقوق مواطنين، وزيادة الدعم بمليارات الشواقل للمتدينين المتعصبين (الحراديم) الذين لا يشتغلون بحجة أنهم “يدرسون التوراة” منذ ولادتهم وحتى مماتهم!! كذلك سيطرة مطلقة للتيار الحرادي على شؤون الدين في إسرائيل، وهذا سيثير الكثير من المشاكل مع التيارات اليهودية الإصلاحية ومع المواطنين العلمانيين، إلى جانب الخطر من إلحاق الضرر كما سبق واشرنا، بمكانة القضاء في إسرائيل وعمليا بكل الجهاز الليبرالي المدني للمجتمع الإسرائيلي.
المنتصر الكبير كان حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت، الذي رغم فقدانه للعديد من المقاعد، إلا انه عرف كيف يحسن مكانته في الحكومة، بحصوله على وزارة القضاء، إلى جانب وزارة التعليم ووزارة الزراعة ورئاسة لجان في الكنيست، مما يعني ان البيت اليهودي سيكون الموجه الحقيقي لحكومة نتنياهو، التي لا مفر أمامها إلا بالانجرار وراء تهديدات بينيت أو حتى أي وزير يميني آخر.لأن 61 عضو كنيست (من 120) تعنى ان أي عضو كنيست من أحزاب الائتلاف يفشل في الحصول على مطالبه يمكن ان يتغيب عن جلسة تصويت برلمانية وبذلك يفشل الحكومة أو يسقطها.
بعض الصحف تعلق آمالها على وزير الاقتصاد زعيم حزب “كولانو” موشيه كحلون ان يصد نهج اليمين المعادي للديمقراطية وهذا يذكرني بالمثل العربي “ماذا تفعل الماشطة مع الشعر العفش؟!”
يبدو ان زعيم حزب “يسرائيل بيتينو” افيغدور ليبرمان، الذي لا يختلف سياسيا عن نتنياهو وسائر الشلة اليمينية، كان الأكثر ذكاء بهربه من “تايتانك” نتنياهو قبل ان تغرق بوحول السياسة في إسرائيل.
بالتلخيص الأخير: دخل نتنياهو المفاوضات كمنتصر كبير، وها هو يخرج من المفاوضات كمنهزم كبير. هل ينقذه زعيم المعسكر الصهيوني ( حزب العمل) يتسحاق هيرتسوغ؟ بأن يختار الغرق معه بالصعود لتايتانك نتنياهو بوهم إنقاذها من الغرق؟!
nabiloudeh@gmail.com