رياض الحبيّب
توقفت في الحلقة السابعة من هذا البحث عند قول الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال: أمّنا [أي قصَدَنا] أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ السورتين: اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك… [وهما سورتا الخلع والحفد] ولا شكّ أنّ قراءته بهما في الصلاة- وهو إمام- تدلّ بوضوح على أنهما سورتان من القرآن لأنّ الصلاة لا تصحّ إلّا بقراءة شيء من القرآن! فبالنظر إلى هذا- أردف الرصافي- تكون سور القرآن مائة وستّ عشرة سورة!
[تعليقي: وقد كان لي تعليق على ما تقدّم بل تساؤل مشروع: أليس من معاني التحريف {الزيادة} أو {النقصان} أيّها الفقهاء الأفاضل؟! ومع الأسف لم يُجبْ على تساؤلي أيّ فقيه، إنّما الصمت علامة الرضا في موضوع كهذا- كما يُقال- أي موافقة ضمنية على تحريف القرآن، علماً أنّ الذي يتفضّل بالإعتراض على هذه النتيجة سيلاقي مني حججاً دامغة أيضاً؛ بشهادة السّنّة متّهمِين الشّيعة بالتحريف وشهادة من الشيعة متهمين السّنّة به- وهاتان الطائفتان هما الأكثر انتشاراً في العالم الإسلامي من سائر الطوائف والتي عددها ثلاث وسبعون طائفة- بحسب حديث مُحمّدي عن الفرقة الناجية]
وتساءل الرصافي (هل سقط شيء من القرآن عند جمعه؟) والرصافي قد أجاب بعدما مهّد للجواب بالحديث عن كيفية جمع القرآن فقال:
إنّ أبا بكر كان أوّل من أمر بجمع القرآن (من العسب واللخاف والرّقاع وقِطع الأديم والأكتاف والأخلاف والأقتاب ومن صدور الرجال) بمشورة من عمر بن الخطّاب ولم يجعله في مصحف كما فعل بعده عثمان، بل في صحُف جمعها وضمّها بعضاً إلى بعض وأبقاها حفظاً للقرأن من الضياع، ذلك عندما رآى في حروب الرّدّة كثرة القتلى من القرّاء الذين هم حفظة القرآن. وبعد وفاة أبي بكر انتقلت هذه الصحف إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب، ولما وُلي عثمان كانت هذه الصحف التي جمعها أبو بكر عند حفصة أمّ المؤمنين بنت عمر أمير المؤمنين. ولمّا بلغ عثمان ما وقع بين المسلمين من الإختلاف في القراءات أراد أن يُزيل من بينهم هذا الإختلاف بأنْ يُجمِعهم كلّهم على مصحف واحد يقرأونه كلّهم على سواء.
[تعليقي:
1 أي أنّ أبا بكر لم يجمع القرآن بمشورة من محمّد شخصيّاً ويبدو لي أيضاً أنّ الله لم يأمر محمّداً بجمع القرآن وإلّا لاٌهتمّ بهذا الموضوع الحيوي وأنزل آية أو سورة- إذ عجز الله من حصر كلامه أو سورته بآية واحدة- فلماذا لم يُنزّل الله سورة تاًكيداً على أهميّة كلامه وحفاظاً عليه؟
قلتُ- وهذا الحديث الوهمي هو عن نفسي لو كنتُ من الأنبياء العرب- سأستأذن الله وأنزل بالنيابة عنه سورة وأستبعد أن يُقرئنيها (الملاك) لضعفٍ في إمكانيتي الماديّة على دفع تكاليف رحلته السماويّة ورسوم إقامته:
عرق* يا أيها النبيّ إنّ الله قد أناط بكَ جَمْعَ القرآنِ اٌلّذي ألقى عَلى قلبكَ وَعَلى لِسَانِكَ وَنسْخَهُ بخيْرِ تدْويْنٍ* فاٌنتدِبْ مِنْ صَحَابتِكَ اٌلّذِيْنَ هُمْ بالجَنّة مُبَشَّرُوْنَ* لا يُذهَبُنّ بشيءٍ مِّنْهُ وَلَاْ تكُوْنَنّ مِنَ الغافلينَ* نزّلَهُ رَبّكَ بلِسانٍ قرَشِيّ مُبيْنٍ* فاٌحْفظْ مَاْ نُزِّلَ عَليْكَ مِنْ لوْحِهِ وَليُتلَ هُدَىً للمُتّقيْنَ*
طبعاً لنْ يكون إسم السّورة بتوقيف منّي! سوف أترك الأمر للمساكين الذين يُحبّون الإجتهاد فمنهم من يسمّيها سورة عرق أو سورة س أو سورة ش! ومنهم الأكثر اجتهاداً الذين يحبّون الإختلاف على تسميتها: سورة الجمع أو سورة النّسْخ أو سورة التدوين أو سورة الحِفظ؛ أمّا المهمّ عندي فهو اختلاف العلماء وتدويخ الفقهاء لكي يهتمّوا بالشكليّات وينأوا بعقولهم عن المضمون بما فيه من معنىً ومغزىً بل ينشغلوا بالتفاسير وأسباب النزول ويغضّوا بالطرف عن الغيبيّات والغموض إذ ليس علّام الأسرار إلّا الله! فإذا ما توصّل الأكثر فقهاً فيهم إلى الإجتهاد المطلوب فجّرتُ إشكاليّة للناسخ وأخرى للشارخ وثالثة للمنسوخ ورابعة للممسوخ وخامسة للمسلوخ وسادسة للمطبوخ وسابعة للمفسوخ وهلمّ جرّا! فمهما حاولوا التيقن ممّا أنزلتُ ما استطاعوا أنْ يأتوا بمثل (قرآني) ولا أفلحوا في تفسير إسرائي من مسجد حرام إلى مسجد حلال* ولا عروجي إلى السماوات السبع وقضاء فترة الإستراحة والإستجمام على سطح عطارد أو رُبّما المرّيخ!
ويسألونني ما معنى “عرق” فأقول: إبحثوا في القاموس لتجدوا أزيد من عشر دلالات أو عشرة معانٍ- بعد تغيير الحركات التي يَحتمِلُ حرفا العين والرّاء في الكلمة، بالإضافة إلى أخذ احتماليّة تشديد حرف الرّاء بنظر الإعتبار ما بين حالات الإحتمال.
وإنْ سأل بعض العرب لماذا “بلسان قرشي” وليس “بلسان عربي” أقلْ: فليقلِ الفقهاء لهم ما ذكر الرصافي في كتابه “الشخصية المحمدية أو حلّ اللغز المقدّس” ص 577- نقلاً عن كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص 59:
لأنّ عثمان أمر أربعة رجال لنسخ القرآن، الأول: زيد بن ثابت (وهذا أنصاري) وأمّا الثلاثة فكانوا من قريش وهم: عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقال للرّهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنّما نزل بلسانهم!
2 ما سبب إيداع الصحف المذكورة عند حفصة وليس عند عائشة- مثالاً؟ فهي الأقرب إلى أبي بكر ومحمد وإنْ كان عندها مصحف خاص وعندها نصف الدين! وكيف لم يُستبعَد الظنّ بأنّ في قلب حفصة غِلّاً- بكسر الغين- أو غيظاً على الرسول الذي زنى بماريّة القبطيّة في يوم حفصة وعلى فراشها؟ وقد حدّثتنا العَمّة ويكيبيديا عن ماريّة القبطيّة أنها: (من قرية حفن بمحافظة المنيا بصعيد مصر، أهداها للرسول الملك المقوقس حاكم مصر سنة 7 هجريةـ ومعها أختها سيرين بنت شمعون والتي أهداها الرسول لشاعرهِ حسان بن ثابت والتي أنجبت لهُ ولده عبد الرحمن بن حسان…) انتهى. ولكنّ الجدل هنا ضروري: كيف أصبح الإنسان هديّة شأنه شأن الهدايا الماديّة؟ وهل من واجب رسول مُرسَل من السّماء تصحيح غلط البشر أم السكوت عليه والقبول به وأحياناً تشريعه؟!
3 كيف يُرسَل من حفظة القرآن- المفترض به كلام الله- إلى قتال المرتدّين فيُقتلوا ويفنى معهم كلام الله الذي قال عنه (إنّا له لحافظون) فأين وعدُ الله بالحفظ؛ هل المقصود أنه محفوظ في السماء بعدما ضاع منه الذي نُزّل على الأرض؟ إن صحّ هذا الإستنتاج فإنّ عند الله كلاماً لم يُنزّل بعد وعلى الدنيا أنْ تنتظر رسولاً جديداً لكي يُكمل الرسالة! صحيح أنّ محمّداً قال قبيل وفاته في سورة المائدة: 3 (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا…) ولكنه لم يقل: أكملت لكم دينكم كلّه ولا نصفه ولا ربعه!
4 ألم يلاحظ ابو بكر تعدّداً في القراءات مثلما لاحظ عثمان فيما بعد فلماذا لم يجمع أبو بكر القرآنَ في مصحف واحد بدلاً من الصّحف؟ والسؤال موجّه أيضاً لعمر بن الخطّاب، بعد تولّيه الخلافة إذ الصحف لا تزال عند ابنته حفصة، أفلا يهمّ عُمَرَ حفظ ُ القرآن كما اهتمّ به أبو بكر من قبله وعثمان من بعده؟] انتهى تعليقي
كيفية استدلال الرصافي على إسقاط أشياء من القرآن عند جمعه:
وفي الإتقان- استكمالاً لما تقدّم في نهاية تعليقي المرقم 1: ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمانُ الصّحف إلى حفصة وأرسل إلى كلّ أفق بمُصحَف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يُحَرّق!
هنا علّق الرصافي قائلاً: إنّ الظاهر من عبارة الحديث الأخيرة أن الذين نسخوا الصحف في المصاحف قد تركوا شيئاً ممّا كان في تلك الصحف فلم ينسخوه في المصاحف- كما هو ظاهر من قوله (وأمر بما سواه) أي سوى المصحف الذي نسخه، ومن قوله (في كلّ صحيفة) أي من تلك الصحف التي أرسِلتْ إلى حفصة.
فإن قلتَ: إنّ المراد بالصحيفة في قوله (في كلّ صحيفة) هو كلّ صحيفة لم تكن من الصحف التي أرسِلتْ إلى حفصة، قلتُ: ليس هناك صحيفة أو صحف غير الصحف التي كانت عند حفصة، فإنّ الرواة كلهم يقولون: إنّ أبا بكر لمّا أمر بجمع القرآن جمعوه- من العسب واللخاف… ومن صدور الرجال- ولم يقولوا: جمعوه من الصحف، فليس هناك صحيفة أو صحف غير التي كانت عند حفصة وهي التي جُمِعَتْ في أيّام أبي بكر.
وضرب الرصافي أمثلة على اقتصار الجمع في أيّام أبي بكر، يستطيع القرّاء الكرام العودة إليها في كتابه- ص 578 لكنّه أردف: فأيّ صحيفة يعني عثمانُ بقوله (وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة) غير الصحف التي كانت عند حفصة؟ ولو فرضنا أنّ هناك صحفاً غيرها لما كان ينبغي أن تحرق أيضاً، بل كان الواجب أن تحفظ من الضياع بل تُجمَع في صوان لتبقى على الدهر أثراً من آثار النهضة الإسلامية يتوارثها المسلمون خلفاً عن سلف. فإذا قلتَ: إنّ ما جاء في متن الحديث من قوله (حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمانُ الصّحف إلى حفصة) صريح في أنّه ردّها إلى حفصة ولم يحرق منها شيئاً، قلتُ: إنّ ردّ الصّحف إلى حفصة واقع، لكنّه لا يستلزم أنّه ردّها بأجمعها، بل يجوز أنه أخذ منها ما أخذ فأدخله في المصاحف وترك ما ترك فلم يدخله فيها، ثمّ أمر بإحراق ما لم يُدخلهُ وردّ الباقي إلى حفصة، وخصوصاً أنّ ما جاء في عبارة الحديث من قوله (وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة) يقتضي ذلك ويدلّ عليه.
[تعليقي: يدلّ الحرق الذي قام به عثمان- عن حسن نيّة بسبب اختلاف القراءات وبحضور الصحابة- على أنّ الآية القائلة في سورة الحِجْر: 9 (إنّا نحْنُ نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) لم يعُد لها محلّ من الإعراب إذ قد أغفلها عثمان ولم يفقه عواقب إغفالها، إلّا ما كان المقصود بالحفظ الذي في الآية يشير إلى السماء ولم ينزل بعد، ما يستدعي انتظار رسول جديد لينزل المتبقى من الكلام المحفوظ في لوح الله- كما أسلفت. ولكنّ السّؤال التالي: إنْ أغفلها عثمان- افتراضاً- فكيف سكت عليّ بن أبي طالب على حرق كلام الله؟ فمعلوم أنّ عليّاً هو ابن عمّ محمد وصهره ومن آل بيته وأحد أصحابه ومن أكبر علماء هذا الدين علماً وفقهاً. وكيف يختلف عاقلان على أنّ اختلاف القراءات يؤدّي منطقيّاً إلى تطبيق حكم القرآن على القرآن ذاته، كما في سورة النساء: 82 (أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) أي أنّ الإختلاف الكثير، سواء في القراءات أو المصاحف، يدلّ على أنّ القرآن من عند غير الله- وهذا ما لا شكّ فيه عندي وعند غيري من الباحثين عن الحقيقة]
يواصل الرصافي تعليقه:
بقي هنا قوله ((أو مصحف)) الوارد في الحديث (وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يُحَرّق) فيُفهَم من هذا أنّ هناك مصاحف كانت موجودة قبل أن يأمر عثمان بحرق المصاحف. نعم، إنّ الرواة فيما رووا قد ذكروا مصحفاً لابن مسعود ومصحفاً لأبَيّ بن كعب ومصحفاً لابن عبّاس وغيرها من مصاحف عدّة، ولعلّ هؤلاء كانوا يكتبون لأنفسهم مصاحفهم في حياة رسول الله، أو أنهم كتبوها بعد وفاة الرسول، فإنّ بين استنساخ المصاحف في زمن عثمان وبين وفاة الرسول ثلاثاً وعشرين سنة! فيجوز في هذه المدّة أنّ بعض الصحابة كتبوا لأنفسهم مصاحف، وينبغي أن يُقال لهذه المصاحف إنها مصاحف خصوصية كما تقول الناس اليوم. وظاهر عبارة الحديث يقتضي أنّ عثمان قد أحرق من هذه المصاحف الخصوصية ما لم يُدخِلهُ من القرآن في المصاحف التي نسخها. ولا غرابة في ذلك فإنه الخليفة المُطاع، فيجوز أنّه أمر أصحاب هذه المصاحف أنْ يأتوه منها بالقرآن الذي لم يكتبه في مصاحفه فأتوه به فأحرقه.
[تعليقي: إنّ عثمان لم يكن مجرّد خليفة يُطاع فحسْب، إنما كان من السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المُبشرين بالجنّة المحمّديّة وله فيها نصيب، وكنيته ذو النورين- لأنه تزوج أثنتين من بنات الرسول: رُقيّة ثم أمّ كلثوم بعد وفاة الأولى]
وفي الإتقان 25:2 عند الكلام عن الناسخ والمنسوخ ما يؤيد تحليل الرصافي إذ انّ عثمان لمّا استنسخ المصاحف من صحف حفصة قد ترك شيئاً من القرآن فلم يكتبه في المصاحف، وأنّه أمَرَ بإحراقه:
قال أبو عبيدة إسمعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر:
(لا يقولنّ أحدٌ قد أخذت القرآن كلّه، وما يدريه ما كلّه، قد ذهب قرآن كثير، ولكنْ ليقلْ قد أخذت منه ما ظهر)
وفي الصفحة ذاتها من الإتقان:
حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن المبارك بن فضالة بن كعب، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال لي أبيّ بن كعب: كأين، وفي بعض الروايات: كم تعَدّ سورة الأحزاب؟ قلت: اثنتين وسبعين آية أو ثلاثاً وسبعين آية، قال: إنْ كانت لتعدل سورة البقرة، وإنّا كنّا لنقرأ فيها آية الرّجم، قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم.
[تعليق لا بدّ منه:
معلوم أنّ محمّداً قد اقتبس آية الرّجم من الشريعة الموسويّة التي سبقت الإسلام ب 2000 سنة ونيّف، متجاوزاً عهد السيّد المسيح وتعاليمه السّامية؛ إن الشريعة الموسوية بما في بنودها من قسوة شُرّعتْ من الله بسبب قساوة قلوب الشعب العبراني القديم. وقد كان السيّد المسيح يؤبّخ اليهود الذين في عصره بسبب تمسّكهم الحرفي بتلك الشريعة ولا سيّما بعد مجيئه بعهد النعمة والذي من مقوّماته المحبة والسلام على الأرض والخلاص والمجد في السماء.
فقد قال لليهود الذين همّوا برجم المرأة الخاطئة- مثالاً: {مَن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر} أي أيّها اليهود لم آتِ لأنقض الشريعة بل لأكملها والآن هي ذي الشريعة ثابتة ولكنْ لا يحقّ لأحد منكم أنْ يُدين هذه المرأة إلّا الذي كان منكم بلا خطيئة! فمن هذا الذي بلا خطيئة سوى الله الحيّ القدّوس وحده وهو الديّان الوحيد؟ فمنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد على فعل الرجم من اليهود الذين سمعوا كلام السيد المسيح، علماً أنّ تطبيق هذه الشريعة ملغيّ قطعاً عند المسيحيّين- ويهود اليوم على ما أظنّ- على رغم وجودها في الكتاب المقدّس.
فأين احترام محمد للكتب السّماوية التي سبقت دعوته- إذ لا تزال عقوبة الرّجم سارية المفعول في بعض الدول الإسلاميّة إلى اليوم؟ إلّا إن كان لدعوته شأن آخر وهو الشأن السياسي، بإقامة إمبرطورية للعرب أسوة بنظائرها عند الفرس والبيزنطيّين والرومان، تحت غطاء تبليغ رسالة جديدة نزلت من إله منسوب إلى السماء]
تأتي بعد ما تقدم ملاحظة مطوّلة من الرصافي لعلّي أستطيع أنْ ألخّصها في الحلقة القادمة لأعلّق عليها- كما جرت العادة- فقد بدأها هكذا:
إن أبَيّ بن كعب من كتاب الوحي وكان ممن عُنوا بالقرآن كتابة وقراءة وحفظاً، فلا غرابة في أنه يعرف آية الرجم ولا يعرفها زر بن حبيش، والظاهر من قوله: “كنا نقرأ آية الرجم” أنه كان يقرأها قبل أن يأمر عثمان بنسخ المصاحف، وأنه ترك قراءتها بعد نسخ المصاحف، كما أن كلامه لزر بن حبيش كان بعد ذلك أيضاً، فيُفهَم من هذا أن عثمان لم يكتفِ بإحراق ما أسقطه من القرآن بل منع من قراءته أيضاً كما يدل عليه الحديث الآتي:
في الإتقان 25:2 حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت:
سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن.
وقال أيضاً- المصدر السابق: حدثنا حجاج عن ابن جريح، أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنت أبي يونس، قالت:
قرأ عليّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) أي سورة الأحزاب: 56 وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى، قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف!
—————
وللحديث بقية مع محبّتي
_______________
يُقال إنّ المسجد الأقصى هو ليس ذاك الذي في القدس، إنما المقصود به مسجد الجعرانة الذي في الجهة الشمالية الشرقية لمكة صوب المدينة- التي تبعد حوالي 400 كم عن مكة بذلك الإتجاه. وهذه معلومة تبدو جديدة لغير المطّلعين والمطّلعات على حقائق التاريخ- وقد أعلن القمّص زكريّا بطرس عن محاولة عرضها يوم الجمعة الموافق السابع من أوغسطس 2009 ببرنامجه الأسبوعي {حوار الحق} عبر قناة الحياة الفضائية بهدف البحث والتنوير لا بهدف تأجيج المشاعر ما بين اليهود والمسلمين، علماً أنّ الحلقة تعاد في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي بتوقيت أوروبا الغربية، كما يُعاد عرضها فيما بعد. وسوف تكون مشاهدتها متيسّرة في بعض المواقع الالكترونية ومنها:
http://www.islamexplained.com